طوفان الأقصى
بعد 300 يوم من الطوفان.. القدس أقرب
لم تكن حملة التصعيد التي شنها الكيان "الإسرائيلي" في الأيام الأخيرة بالتنسيق الواضح والفاضح مع الولايات المتحدة الأميركية وليدة اللحظة، فكلّ الاعتدءات والجرائم التي تمّ تنفيذها دلّت على أن التخطيط لها قد جرى مسبقًا بشكل دقيق بانتظار التوقيت المناسب للتنفيذ. وقد سبق للولايات المتحدة أن أعلنت في أكثر من مناسبة طوال الأشهر الأخيرة بأنها بصدد وضع خطط مع "إسرائيل" بهذا الخصوص، وهو أمر أعلن عنه البيت الأبيض والبنتاغون أكثر من مرة، وتم استدعاء وزير الحرب الصهيوني لهذا الغرض لواشنطن للتنسيق بهذا الخصوص حول الأمر. وبحسب ما أعلن في الأشهر الأخيرة، فإن واشنطن اقترحت على "إسراىيل" خطة تقوم على المراقبة الدقيقة بوسائل تكنولوجية حديثة واللجوء إلى عمليات التصفية والاغتيال لقادة المقاومة.
كما أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها واشنطن و"تل أبيب" لخيار الاغتيالات والتفجيرات والاعتداءات منذ انطلاق طوفان الأقصى، فلطالما لجأتا إلى هذا الخيار قبيل كلّ جولة من جولات وزير الخارجية الأميركي"بلينكن للمنطقة والتي حاول فيها التسويق لحل سياسي يمكّن واشنطن و"تل أبيب" من التعويض عن الهزيمة الاستراتيجية التي لحقت بهما بفعل الطوفان، وفي كلّ مرة كانت النتيجة تأتي على عكس ما تريدانه، فجبهة المقاومة وجهات الإسناد والمقاومة الفلسطينية في غزّة كانت تزداد صلابة، وتنتقل بالمعركة من مرحلة إلى أخرى أشد من سابقتها، وتفرض قواعد اشتباك جديدة، ومعادلات ردع، ونتائج جيوسياسية تزيد من عمق المأزق الصهيوأميركي.
اليوم تدرك الولايات المتحدة والكيان "الإسرائيلي" أن الصراع وصل إلى مرحلة مفصلية، وأن الوقت يضيق أمامهم في ظل تفاقم الخسائر وتدحرج النتائج، واستمرار الاستنزاف على كلّ الجبهات مع العجز التام عن توسيع الصراع والدخول في حرب شاملة غير مضمونة النتائج.
إن هذا الانسداد في أفق المعركة بالنسبة لهما، بالإضافة إلى الأسباب الداخلية والاستراتيجية، دفع بهما إلى العودة مرة أخرى لخيار التصعيد الغادر عبر الاغتيالات، لكن هذه المرة بشكل متزامن وأكثر شمولية ظنًا منهما أن هذا الخيار سيدفع بالنهاية إلى حل شامل، أو تسوية شاملة، أو وقف شامل لإطلاق النار يشكّل ملاذًا لهما لرسم صورة انتصار، وخروجًا من المأزق العميق، ووقفًا للتدحرج المخزي، وعلى هذا الأساس وضعت الخطط وجرى التنسيق.
كانت البداية من جريمة مجدل شمس السورية التي جرى تنفيذها من قبل الكيان "الإسرائيلي" قبيل عودة رئيس حكومة العدوّ من واشنطن، هذه الحريمة التي أريد لها كذبًا وتضليلًا أن تلصق بالمقاومة الإسلامية اللبنانية في محاولة بائسة لتصوير جرائمهم اللاحقة التي طالت القائد الجهادي الكبير الشهيد فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية لبيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران على أنها رد فعل على تلك الجريمة، وتزامن ذلك مع اعتداءات على المقاومة العراقية في جرف النصر، وقبله كان العدوان على ميناء الحديدة اليمني، وكلّ ذلك بهدف خلط الأوراق والدفع نحو اشتباك شامل يقود إلى وقف شامل لإطلاق النار ينجز صورة انتصار وهمي تبحث عنه كلّ من واشنطن وتل أبيب. .
طوال 300 يوم حاولوا بالسياسة والميدان، بالاغتيالات والاعتداءات، بالجرائم والتهديدات، ان يعيدوا عقارب الساعة للوراء، وأن يغيروا نتائج الصراع، وأن يبدلوا قواعد الاشتباك، وأن يعيدوا لـ"إسرائيل" شيئًا من قوة الردع المكسورة، وللولايات المتحدة بعضًا من هيبتها المهدورة، ولكن هيهات، في كلّ مرة كان الرد من قبل محور المقاومة لهم بالمرصاد بحكمة وبأس وثبات، يراكم نتاىج الانتصار،
وعلى الرغم من شدة الصراع، فإن دقة المرحلة جعلت الصبر والحكمة والهدوء هي السمات التي أظهرها محور المقاومة حتّى هذه اللحظة، فلم يتعاملوا بردات الفعل الغير محسوبة التي يمكن أن تحقق للمخطّط المعادي أهدافه. .
لا شك أن المحور اتّخذ قرارًا بالرد القاسي والمؤلم والمؤثر والذي يرقى لمستوى الأحداث الأخيرة وهو ما أعلن عنه صراحة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بالأمس خلال مراسم تشييع الشهيد فؤاد شكر، ولا شك بأن هذا الرد سيحمل طابع الانتقام أولا، والردع ثانيًا. لكن ما هو أهم من كلّ ذلك هو أن هذا الرد سيكون حكيمًا إلى جانب كونه قويًا، وسيكون جزءًا من الصراع لا منفصلًا عنه، ويسهم في مراكمة الانتصارات، ويعزز قواعد الاشتباك ومعادلات الردع، ويكون منطلقًا لما بعده بحيث يزيد من عمق المأزق الأميركي "الإسرائيلي" ويضيق الخناق على الأعداء، وبمعنى آخر فإن الرد سيحافظ على معادلة الاستمرار في الاستنزاف والاستعداد للانفجار. .
أخيرًا؛ فإن الحقيقة التي أصبحت ناصعة كنور الشمس، هي أنه مع كلّ شهيد مقدّس يقطع محور المقاومة أشواطًا على طريق القدس، ويفرض قواعد اشتباك ومعادلات جيوسياسية جديدة على حساب محور القتلة والمجرمين، وأن الشهاء الذين انتصروا للقدس في حياتهم، ينتصرون لها في مماتهم.