آراء وتحليلات
استعراض الوحشية الصهيونية: حين انقلب السحر على الساحر!
يبدو أن مسرحيات جنود العدو الصهيوني لاستعراض بطولاتهم الإجرامية في غزة ولبنان، اصطدمت مؤخرًا بقرارات قيادتهم العسكرية، بعد أن قيّدت هذه الأخيرة التغطية الإعلامية لجنودها الذين وثقوا بالصوت والصورة وحشيتهم الاستثنائية في القتل والدمار.
ملاحقة جنود الاحتلال "الإسرائيلي" شكّلت مأزقًا جديدًا متعدد الاتجاهات لكيانهم، خاصة بعد تقديم نحو 50 شكوى ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم حرب من قبل دول عدة، منها جنوب أفريقيا وسريلانكا وبلجيكا وفرنسا والبرازيل والمكسيك ومؤخرًا السويد عبر مؤسسة "هند رجب" الحقوقية التي طالبت باعتقال قائد لواء غولاني السابق في روما.
الغوص في مسألة الملاحقات القضائية يطرح استفهامات جدّية ذات طابعٍ قانوني، أهمها مسارات هذه الملاحقات وآلية تنفيذها ومدى فعاليتها، وانعكاسها على الصورة الدولية الخارجية لـ"إسرائيل" التي تزداد انعزالًا دبلوماسيًا مع الوقت، وكذلك على صعيد الثقة الداخلية المُزعزعة أساسًا.
مسارات الملاحقة القانونية
رئيسة منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب ICAI-HOKOK ، المحامية مي الخنسا، تحدثت عن وجود عدة مسارات لملاحقة مجرمي الحرب من جنود العدو "الإسرائيلي". أبرز المسارات، الدول التي تتمتع بولاية قضائية تتيح لها محاكمة مجرمي الحرب عبر محاكمها الوطنية التي ارتكب جنود العدو "الإسرائيلي" جرائم على أرضها، إضافة إلى دول غربية منحتها قوانين بلادها صلاحيات قضائية عالمية للنظر في الجرائم الدولية، أو التي يمكن تصنيفها كجرائم حرب، ويعتبر هذا الخيار اليوم أكثر فاعلية وسهولة من ناحية التطبيق.
عدد من القضاة العرب والأجانب في "المحكمة الشعبية ضد الإمبريالية الأميركية والإجراءات الاقتصادية القسرية" أكد أيضًا أن كل دولة وقعت وصادقت على اتفاقية جنيف ملزمة بمقاضاة المسؤولين عن انتهاك الاتفاقيات، والتي تشمل رؤساء الدول والزعماء السياسيين والمشرعين والجنرالات وضباط المارشالات الجويين والأدميرالات والضباط والجنود والطيارين والبحارة وغيرهم.
طرق الملاحقة القضائية تشمل أيضًا- وفقًا للمحامية الخنسا- إمكانية الدول مقاضاة "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية في حالات محددة، لا سيما جرائم الإبادة الجماعية، كما أن احترام المبادئ القانونية الدولية وعدم انتهاك حقوق الإنسان، هي معايير جوهرية في الاتفاقات الاقتصادية التجارية الدولية، حيث يمكن ملاحقة "إسرائيل" من خلال تعقب الاتفاقيات التجارية الثنائية أو الجماعية التي تكون دولة الاحتلال عضوًا فيها.
من ناحية أخرى، يمكن العمل على إنشاء محكمة دولية خاصة خارج ولاية مجلس الأمن الدولي لملاحقة مجرمي الحرب "الإسرائيليين"، وهذه الخطوة قد تشكل احتمالاً عمليًا في حال توافر الإرادة السياسية وتفعليها من قبل الدول الإسلامية على وجه التحدي.
خطوات مشروع الملاحقة القانونية
وعن مشروع الملاحقة القانونية، أوضحت الدكتورة هالة الأسعد، الأمين العام لجامعة الأمة العربية، وعضو أمانة بالمركز العربي لتوثيق جرائم الحرب والملاحقة القانونية، أن هذا المشروع يمر بخطوات ثلاث أساسية.
أولى الخطوات هي التوثيق والرصد، وتتضمن توثيق الجرائم المرتكبة حسب التجريم الدولي، تصنيف الجرائم، فرزها حسب النوع ( جرائم ضد المرأة، التدمير الممنهج، ضد الطفل، جرائم على الأوابد التاريخية والثقافية، على الصحة والمراكز الصحية...) لنأتي بعدها على معرفة ما إذا كان للضحية جنسية مزدوجة أو واحدة، وكذلك بالنسبة للمجرم.
ومن التوثيق والرصد إلى إقامة الدعاوى التي تتم- وفقًا للخبيرة القانونية- لدى المحاكم في البلاد ذات الجنسية الثانية سواء على المجرم أو الجنسية الثانية للضحية، وفي المحاكم ذات الاختصاص الشامل في بعض البلدان التي يتمتع القضاء فيها بهذه الصفة، ولدى المحاكم الدولية عبر الادعاء على المؤسسات التي ينتمي إليها المجرم كمؤسسة الجيش أو أي فئة من مؤسسات الكيان الصهيوني، وفي محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن إمكانية رفع دعاوى على الشركات التي تبيع الأسلحة لمشاركتها بالجرم، وعلى الشركات الداعمة والممولة، ودعاوى على الإعلام المحرض على ارتكاب الجريمة.
الخطوة الثالثة تتمثل بتجميع عناوين المنظمات الدولية الاختصاصية كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، المنظمات التي تعنى بالمرأة والطفل، المؤسسات الإعلامية، البرلمانات في العالم وغيرها، وتزويدها بالتوثيقات لما يحصل من جرائم الاحتلال في فلسطين ولبنان، والأهم أن تُرفق الجريمة بحسب تصنيفها بدراسة قانونية من اختصاصيين بالقوانين.
هل تقود الملاحقات إلى نتائج فعليّة؟
لعلّ أبرز الشواهد على النتائج الفعلية للملاحقات القضائية، هو الحكم الذي أصدرته الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في العام الفائت، والقاضي بتسطير مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس حكومة العدو "بنيامين نتنياهو" ووزير حربه السابق "يوآف غالانت" بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بناء على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"، حيث وجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقال.
وفي السياق عينه، فإن إصدار مذكرات اعتقال بحق رأس السلطة السياسية والعسكرية في الكيان المحتل، كفيل بأن ينسحب على ضباط وجنود جيش العدو، خاصة في ظل توفر الشواهد والأدلة الحقيقية.
من جهة أخرى، أكد مصدر "المحكمة الشعبية" أنه من الناحية النظرية، يمكن أن تكون نتائج هذه الملاحقات فعّالة للغاية. "ما نحتاج إليه هو دولة لديها الإرادة السياسية لمتابعة هذا." يؤكد المصدر ويستشهد بتحذير "الجيش الإسرائيلي" أعضاءه من السفر إلى الأماكن التي يمكن أن تتم فيها هذه الملاحقات القضائية، وفي إحدى الحالات في البرازيل، ساعد "الجيش" أحد جنوده الاحتياطيين الذين كانوا يقضون إجازاتهم هناك على الفرار بعد أن تم استدعاؤه للتحقيق بعد تقديم شكوى قانونية.
تداعيات "مأزقية" متعددة الاتجاهات
ترى المحامية الخنسا، أن قضية الملاحقات القانونية كفيلة بتلطيخ سمعة" إسرائيل" رغم اعتراضها على دعوى جنوب أفريقيا، حيث بات على كل مسؤول "إسرائيلي" عندما يظهر للعلن أو في اجتماع مع نظير له من دولة أخرى أن يدفع عن بلاده تهمة الإبادة الجماعية، كما أن منطوق هذا الحُكم من شأنه أن يُضعف استعداد حلفاء "إسرائيل" في ما يتعلق بتقديم الدعم لها، وأن يُقصي دولاً في الشرق الأوسط تحاول "إسرائيل" أن تدشّن معها علاقات طبيعية.
بدوره، رأى الناشط الحقوقي الفلسطيني الأستاذ إياد القيشاوي، أن الكيان المحتل يدعي أنه المكان الوحيد الآمن ليهود العالم، لكنه فشل في تأمين ذاته، وعرّض الصهاينة للتشهير والتحقير بسبب أفعالهم التي ظهرت في حرب الإبادة، وهذا المشهد يمزّق وحدة الجبهة الداخلية التي أصبحت مقتنعة بخطاب الشهيد السيد حسن نصر الله التاريخي عن "بيت العنكبوت". والجدير ذكره هو الازدياد الكبير جداً في نبذ الجاليات اليهودية للفكر الصهيوني والتخلي عن الكيان بالكامل، حيث تؤيد غالبيتها الملاحقات القانونية بحق مجرمي حرب الكيان لأنها ترى أن هذه الممارسات شبيهة بممارسات النازية.
ختامًا، لا بد من التأكيد أنه وحتى اليوم لا تزال جهود ملاحقة مجرمي الحرب "الإسرائيليين" تواجه تحديات كبيرة واستثنائية، بسبب السياسات الغربية التي تمتلك سجلًا طويلا في حماية "إسرائيل" وإفلات مجرميها من العقاب. وفي هذا السياق، تبقى الجهود الحقوقية غير الحكومية المتعلقة بجمع الأدلة وتوثيقها الخطوة التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذه المرحلة. من جهته لفت مصدر "المحكمة الشعبية" الى أن متابعة هذه الملاحقات القضائية أمر مهم، لأن ذلك يمنح المجتمع الدولي فرصة لإظهار أنه لا يتسامح مع الإبادة الجماعية ولا يتسامح مع الإفلات من العقاب، وبالتالي المساعدة في إعادة بعض الثقة والشرعية إلى مفهوم "القانون الدولي".
غزةالمحكمة الجنائية الدوليةالجيش الاسرائيليمحكمة العدل الدوليةالقانون الدولي