آراء وتحليلات
نتنياهو .. من تغيير الشرق الأوسط إلى استجداء عودة المستوطنين
"لقد بدأنا للتو، وسنعمل على تغيير الشرق الأوسط"، من منّا لا يذكر تلك العبارة الشهيرة التي أطلقها رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو في 20 ايلول/سيبتمبر الفائت، بُعيد جريمة اغتيال القائد في حزب الله الشهيد إبراهيم عقيل، وبعد أيام قليلة من مجزرة البيجرات الوحشية التي كان مخططاً لها أن تتسبب بقتل 5000 مواطن لبناني، وقبل أسبوع من جريمة اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)؟.
ولم يكتفٍ نتنياهو في حينها بإطلاق تلك العبارة، بل ذهب و قادة آخرون سياسيون وعسكريون في الكيان الصهيوني إلى إطلاق سقوف مرتفعة لأهداف حربهم التي أعلنوها على لبنان بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وقاد الجميع حملة تهديدات عالية الوتيرة هدفت لفرض شروط الاستسلام على المقاومة الإسلامية-حزب الله وعلى لبنان حكومة وشعباً، وشملت تلك الأوهام الدعوة لنزع سلاح حزب الله، وطرده من الجنوب، وإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح حتى حدود نهر الليطاني، ودعوات للحزب للاستسلام، وتطبيق القرار 1559، وترافق كل ذلك مع تهديدات تلتها، محاولات للاجتياح البري، فيما تولت القوى الغربية ممثلة بسفاراتها في بيروت وعلى رأسها السفارة الأمريكية في عوكر التلويح بتفجير حرب أهلية في لبنان، من خلال التحريض على المقاومة والنازحين عبر وكلائهم من القوى السياسية اللبنانية، بينما كان المبعوث الأميركي هوكشتاين يكرر زياراته إلى لبنان حاملاً معه تهديدات نتنياهو ومن خلفه تهديدات بلاده.
لقد كانت كل تلك التصريحات والطموحات والتهديدات أقرب ما تكون إلى حفلة جنون أو سكر، قبل أن يهدر سيل المقاومة فيوقظ نتنياهو ومن يقف خلفه من تلك الأوهام، ليكتشفوا بعدها أن الشرق الأوسط الجديد لم ولن يكون إلا شرقاً مقاوماً.
بالأمس، وبعد 77 يوماً فقط من إطلاق عبارته الشهيرة، خرج نتنياهو معلناً إفلاسه وهزيمة كيانه وسقوط مشروعه لبناء شرق أوسط جديد، بعد اجتماع "الكابينت" الذي صادق مرغماً على وقف إطلاق النار مع لبنان، بعد أسبوع من قيام حزب الله بدك وسط "تل أبيب" بالصواريخ النوعية وفرضه لمعادلة "تل أبيب" في مقابل بيروت بعد أن أذاقهم طعم المسيرات الانقضاضية التي وصلت حتى مكان إقامة نتنياهو في "قيسارية"، وكادت تودي بحياته، وكل ذلك دفع بواشنطن للمسارعة إلى إرسال مبعوثها عاموس هوكستاين إلى المنطقة، لاستجداء وقف لإطلاق النار تحت سقف القرار 1701، ووفق معادلة لا زيادة ولا نقصان على القرار الذي فرضه الرئيس نبيه بري، متسلحاً بقوة حزب الله ومقاومته وقدراته وبطولات مجاهديه الأسطورية على الحدود الجنوبية التي سحقت الهجوم البري "الإسرائيلي" بآلياته ودباباته وجنوده على أبواب القرى الحدودية.
بدا نتنياهو في خطابه البارحة متخبطاً ومتناقضاً في كلامه ومربكاً، خلال محاولاته تسويق هزيمته على صورة انتصارات وإنجازات أمام الجمهور "الإسرائيلي"، وبينما كان يتحدث عن تدمير قدرات حزب الله الصاروخية بنسبة 70 إلى 80% كانت صواريخ حزب الله تدك حيفا ومنطقة الكريوت، فيما كانت المسيرات تدك كريات شمونة ومستوطنات الشمال.
أكاذيب نتنياهو:
أولاً، حول قدرات حزب الله، قال نتنياهو: "لقد دمرنا قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ.. حزب الله لم يعد بنفس القوة السابقة. وقضينا على كل قادته ومعظم بنيته التحتية.. لقد أعدنا حزب الله عقوداً إلى الوراء.. وسنرد بقوة على أي محاولة من حزب الله لإعادة التسلح".
يكفي أي مراقب لسير المعارك أن يكتشف كذب نتنياهو من خلال التدرج المتصاعد لاستخدام حزب الله سلاحه النوعي، سواء من حيث الكثافة والعدد، أو من حيث النوعية و التكنولوجيا المستخدمة، وشمل ذلك سلاحي الصواريخ و المسيرات التي غطت في الأسابيع الأخيرة كامل الجغرافيا، من الحدود وصولاً إلى "تل أبيب" في ظل عجز منظومات الدفاع الجوي "الإسرائيلية" عن مواجهتها، وبعد أن بدأ الحديث في الكيان عن انخفاض مخزون صواريخ الدفاع الجوي والعجز عن تعويض الفاقد، في ظل غزارة صواريخ ومسيرات حزب الله وتطور مدياتها وتأثيرها، ويضاف كل ذلك إلى القدرة اللوجستية لحزب الله على إمداد خطوط الجبهة البرية على الحدود بالعتاد والمجاهدين.
ثانياً، حول أهداف الحرب على لبنان، قال نتنياهو: "من أهداف وقف إطلاق النار فصل الساحات وعزل حماس. بعد وقف إطلاق النار في لبنان ستصبح حماس وحدَها".
وهذا الادعاء من قبل نتنياهو يحمل أيضاً إلى جانب الكذب والتضليل الكثير من المراوغة، ويمكن تفنيده من ثلاثة جوانب: أولها، أن وقف إطلاق النار محدد بمدة 60 يوماً من المقرر أن تشكل فرصة أمام "إسرائيل" لوقف عدوانها على غزة، وبالتالي فإن موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار تأتي في سياق إتاحة الفرصة لحصول ذلك، كما كان إسناده طوال عام من الطوفان أساسياً لمنع سقوط غزة والمقاومة فيها، وثانيها، أن وحدة الساحات لا تقتصر على جبهة لبنان وغزة، بل تتعداها إلى اليمن والعراق وغيرها، وكلاهما ربط عملياته وما زال، بوقف العدوان على غزة، وثالثها، أن حماس نفسها أعلنت أنها في حالة تنسيق كامل مع حزب الله في السياسة و الميدان، وبالتالي، فإن ادعاء نتنياهو كاذب بالمطلق، وهو ما أكده بايدن نفسه ووزير خارجيته بلينكن، عندما أشارا إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان سيساعد على وقفه في غزة.
ثالثاً، حول البرنامج النووي الإيراني، قال نتنياهو: "اتفاق وقف إطلاق النار يعني أننا سنركز على التهديد الإيراني الآن..أنا مصمم على القيام بكل شيء لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي...إزالة التهديد الإيراني أولوية لضمان أمن إسرائيل".
إن كلام نتنياهو حول أولوية مواجهة البرنامج النووي الإيراني يشكل اعترافاً بصفرية نتائج حربه على لبنان، وعودة إلى الوراء من خلال اجترار ذات الخطاب "الديماغوجي" الذي كان يكرره منذ سنوات، قبل طوفان الاقصى حول إيران وبرنامجها النووي. ومن المهم التذكير بأن "طوفان الأقصى" قد أضاف واحدة من أهم معادلات الردع الجديدة التي تمثلت بعمليتَي "الوعد الصادق 1 و2" اللتين جعلتا نتنياهو وكيانه يحسبان ألف حساب، قبل التفكير بالاعتداء على البرنامج النووي الإيراني. كما أنه من الجيد في مكان الانتباه إلى أنه في الوقت الذي كان نتنياهو يطلق تلك الأكاذيب، كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتحدث من أوروبا عن قيام طهران بتركيب آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة في المفاعلات النووية الإيرانية.
رابعاً، حول سورية ودورها المقاوم، قال نتنياهو: "إنجازات الجيش الإسرائيلي حصلت في 7 جبهات.. نواصل التصدي لمخاطر المسيرات في سورية، والأسد يلعب بالنار".
لا بد من تذكير نتنياهو بأن سورية الأسد التي لم تستطع الحرب الكونية التي شنت عليها على مدار سنوات طويلة بقيادة صهيو-أمريكية أن تغير من موقعها الرئيسي في محور المقاومة، أو أن تغير من مبادئها و دعمها المفتوح لحزب الله وللمقاومة الفلسطينية، هي اليوم أكثر التزاماً وثباتاً على هذا النهج، بالرغم من كل ما أصابها، ولعل الحرب الأخيرة على لبنان خير دليل على ذلك.
خامساً، حول عودة المستوطنين والرهائن، قال نتنياهو: "سنعيد جميع المواطنين في الشمال إلى منازلهم...ملتزمون بإعادة من تبقى من الرهائن من غزة".
لعل ما قاله نتنياهو في هذا الخصوص، كان الأقرب إلى التصديق منه للتكذيب باعتباره اضطر للخضوع كسبيل وحيد لوقف إطلاق النار وعودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، ويبدو أنه بات يدرك أيضاً أن الخضوع هو السبيل الوحيد لإعادة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، وأنه سيكون مضطراً لوقف العدوان هناك كخيار وحيد لذلك.
سادساً، لا بد من الإشارة إلى أن نتنياهو انحدر في أهدافه التي حددها للحرب على لبنان من "تغيير الشرق الأوسط" إلى "استجداء عودة المستوطنين" عبر وقف إطلاق النار. هذا الانحدار يمثل أكبر دليل على اعترافه بالهزيمة والعجز، وبالخطر الوجودي على كيانه، والخطر الذي يتربص به وبمستقبله السياسي، وهو الذي بات مطلوباً للعدالة كمجرم حرب في الخارج، وكفاسد وفاشل في الداخل، ولعل الأدلة على هزيمته وفشله في الداخل "الإسرائيلي" تكون الأكثر تعبيراً عن حجم الكذب الذي ساقه، ويمكن لنا رصد بعض المواقف في هذا المجال للتأكيد، منها:
* رئيس الأركان الأسبق وعضو "الكنيست" الحالي غادي آيزنكوت: القول إن الجيش اللبناني سيفكك قدرات حزب الله هو مجرد مزحة.
* رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى عميت صوفر: إن كل منزل على الحدود الشمالية هو موقع إرهابي لحزب الله.
* رئيس بلدية “كريات شمونة” أفيخاي شتيرن: إن اتفاقية الاستسلام تجعل السابع من أكتوبر أقرب إلى الشمال أيضاً، وهذا يجب ألا يحدث”.
* وزير الأمن القومي بن غفير، قال: "أعارض اتفاق إطلاق النار. هذا ليس وقف إطلاق النار. إنها عودة إلى مفهوم التهدئة مقابل التهدئة.. وهذا الاتفاق لا يلبي هدف الحرب المتمثل في إعادة سكان الشمال إلى ديارهم سالمين".
* رئيس المعارضة "الإسرائيلية"، يائير لابيد هاجم نتنياهو، وقال إن الحكومة لم تقدم على مدى عام كامل أي مبادرة سياسية ولذلك "تم جرها إلى اتفاق مع حزب الله..في الوقت نفسه الجيش يتآكل، بينما تروجون لقوانين التهرب، وتصفية نصر الله، وتفجيرات الضاحية".
* زعيم "حزب معسكر الدولة" بيني غانتس: إنه من المستحيل الحديث عن وقف إطلاق نار مؤقت في لبنان، مؤكداً أن انسحاب القوات الآن والديناميكيات التي ستنشأ عنه سيصعّبان الأمر على "إسرائيل"، ومن ثم سيسهل على حزب الله إعادة تنظيم صفوفه.
* يضاف إلى كل ذلك استطلاع رأي أجرته "القناة 12" العبرية، وتبين من خلاله أن 69% من "الإسرائيليين" لا يعتقدون أن "إسرائيل" انتصرت.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن نتنياهو وإمعاناً في الكذب والتضليل حاول الخلط بين اتفاقه الثنائي مع واشنطن حول وعودها له بحماية الكيان الصهيوني وتقديمها ضمانات له بذلك، وبين اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، في محاولة منه للإيحاء بتحقيق إنجاز ما والتغطية على الهزيمة.
والحقيقة، هي أن حزب الله غير معني بكل ما جاء في كلام نتنياهو ووعود واشنطن له ولإسرائيل، والتي حاول نتنياهو تسويقها على أنها اتفاق مع حزب الله ولبنان.
حزب اللهبنيامين نتنياهوالمقاومةالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024