آراء وتحليلات
رسائل سورية المقاومة متعددة الأبعاد؟!
حدثان لا ثالث لهما، شهدتهما القمة العربية الإسلامية غير العادية الثانية التي انعقدت في الرياض ”السعودية“ منذ أيام. الحدث الأول هو الرد الصهيوني السريع على ما تمخض عن هذه القمة من مخرجات وقرارات تضمنها البيان الختامي وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، والمتمثل بتصريح وزير الحرب الجديد للكيان المغتصب "يسرائيل كاتس" والذي جاء فيه: "إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار أو أي تهدئة في لبنان حتى تتحقق أهداف الحرب"، مضيفاً وفق زعمه أن " تل أبيب لن توافق على أي ترتيب لا يشمل نزع سلاح حزب الله وانسحابه لما بعد الليطاني وإعادة سكان الشمال، وضمان حقها في منع الإرهاب"، أما الحدث الثاني الذي جاء من داخل قاعة المؤتمر، فقد تجلى في دقائق معدودة لم تتجاوز الست لما احتواه خطاب الرئيس السوري بشار الأسد من أبعاد ودلالات، مما يجعلنا أمام تساؤل إستراتيجي حول أي رسائل أراد الأسد إيصالها في هذه الدقائق القليلة؟ وبداخل قمة ضمت الكثير من خصوم سورية؟
من المؤكد أن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بما تضمنه من عناوين رئيسية، وتراتبية منهجية، جاء بتوقيت سياسي مهم ومحوري وحساس تمر به المنطقة بأكملها في ظل ما يسعى الكيان لتنفيذه من خلال استهداف قوى المقاومة لتغيير معالم "الشرق الأوسط" بشكل عام، وبشكل خاص بتوقيت سياسي كانت سورية خلاله نقطة الارتكاز المحورية بدورها وموقفها وجغرافيتها وتحالفاتها التي ركز عليها بعض المصطادين بالماء العكر، عقب عملية طوفان الأقصى، ليحولها نقاط ريبة وشك عبر تصوير تراجع دمشق عن ثوابتها الداعمة للمقاومة، بل ذهبوا أبعد من ذلك عندما صوروا أن سورية تساوم لحل أزمتها بالتخلي عن المقاومة وفق السرديات والروايات التي حيكت على مدى أكثر من ثلاثة عشر شهراً لينسفها الأسد بدقائق معدودة.
في المضمون نقاط عدة تضمنها الخطاب، شكلت ما يمكن وصفه بمقترحات منطقية وبرنامج عمل واقعي، كبديل ورديف عن خطابات الاستنكار والشجب والتنديد والاستنجاد بالحظيرة الدولية ومنظماتها الصورية وقرارتها التي بقيت سكينة الأوراق والدروج، لتتمثل هذه الواقعية في:
أولاً - الخطاب تضمن حض العرب والمسلمين على الاستفادة من إنجازات المقاومة في فلسطين ولبنان لتعزيز دور وموقع المفاوض العربي في سبيل وقف المجازر الصهيونية المرتكبة، ولا سيما أن هذا الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية سعيا منذ أكثر من عام للتفاوض تحت ضغط النار للوصول لأهدافهما، وهي نقطة ليست من شأنها فقط وقف العدوان، بل الدعوة لدعم هذه المقاومة التي تمكنت من مواجهة كل أشكال التوحش والإرهاب من ناحية، ومن ناحية ثانية لدفع العرب من أجل دعم هذه المقاومة، وذلك بغرض إسقاط ذريعة تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة. إذاً الأسد الذي أشار في بداية حديثه إلى أنه سيتجاوز الحديث عن شرعية المقاومة وصمود الشعبين اللبناني والفلسطيني، عبر من خلال ذلك عن تمسك الموقف السوري الثابت بدور المقاومة التي خذلها هذا المؤتمر مجدداً بعدما تحاشى التأكيد على شرعيتها ودورها ومكانتها وتأثيرها في منع تحقيق المشروع الصهيوني.
ثانياً - الرئيس الأسد الذي رُوّج على أنه سيكون قاب قوسين أو أدنى للتطبيع مع الكيان نتيجة ما تعرضت له سورية على مدى ثلاثة عشر عاماً من اعتداءات مباشرة وضغوط وحصار وإرهاب خارجي وإغراءات ...إلخ، وضع برنامج عمل حقيقي للعرب والمسلمين في حال رغبتهم بوقف العدوان والمجازر في فلسطين ولبنان كونها تشكل أولوية. هذا البرنامج يستند بالدرجة الأولى للإرادة السياسية لوقف هذا العدوان، والتي على ما يبدو أنها غائبة حتى اللحظة، وتوظيف الأدوات وآليات التأثير ليس فقط في الكيان الصهيوني بل في داعميه، سواء كان ذلك بالمقاطعة أو التلويح برعاية المقاومة ودعمها، فالخيار الوحيد لاستعادة الحقوق، لا يكمن في سلام الضعفاء كما حصل بعد مؤتمر مدريد ١٩٩١م، بل بمواجهة النار بالنار. وهو ما يفسر قول الرئيس الأسد: "منذ عام مضى التقينا وعبرنا، أدنا واستنكرنا، ومنذ عام والجريمة مستمرة، فهل نلتقي اليوم لكي نستنسخ الماضي الراحل وأحداثه، أم لنبدل في مسار المستقبل القادم وآفاقه، ففي العام الماضي أكدنا على وقف العدوان وحماية الفلسطينيين، وكانت محصلة السنة عشرات الآلاف من الشهداء وملايين المهجرين في فلسطين وفي لبنان" .
ثالثاً - وهي من الأبعاد التي تجمع التوقيت والمضمون والشكل في آن واحد ببعدها الإستراتيجي والعقائدي والانتمائي لسورية، حيث جاء هذا الخطاب بالتزامن مع ما سربته وسائل إعلام "إسرائيلية" عن زيارة أجراها وزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة نتنياهو، "رون ديرمر" بهدف لعب دور روسي للضغط على سورية لمنع وصول السلاح للمقاومة في لبنان وفلسطين، ولنشر القوات الروسية على الحدود السورية اللبنانية كحل وسط ممكن أن تقبل به سورية لمراقبة الحدود بديلاً عن نشر قوات دولية، وبالتالي توقيت الخطاب وما تضمنه من موقف حازم وواضح بالرغم من التلويح بعمل عسكري صهيوني واسع ضد سورية واستمرار الاعتداءات عليها والتي تجاوزت أكثر من ١٤٨ اعتداء صهيوني منذ بداية العام ٢٠٢٤، وحتى التهديدات المتكررة من المسؤولين الصهاينة باغتيال الرئيس الأسد شخصياً أو أحد أفراد عائلته، والتي كان آخرها الصادرة على لسان المتطرف اليميني "جدعون ساعر" الذي انضم حديثاً لوزارة نتنياهو قبل أن يتقلد منصب وزير الخارجية_ وغير ذلك، لن يمنع سورية الجريحة من التخلي عن موقفها الداعم للمقاومة والمدافع عنها، كما أنه ليس لروسيا الاتحادية أي مصلحة في تحقيق مآرب الكيان بحصار المقاومتين اللبنانية والفلسطينية لاعتبارات عدة، أبرزها: القيام بمثل هذا الدور سيجعل التمركز الروسي في المنطقة منبوذاً وربما تصل لمرحلة العداء بين بعض الشعوب والأنظمة مع روسيا، كما أن المصالح الروسية هي الأخرى مهددة من العدوان "الإسرائيلي" في المنطقة كونه يسعى لتغيير هذا الشرق الذي تشترك واشنطن مع "تل أبيب" في السعي لتغييره بما يعزز الوجود والهيمنة الأمريكيَّين عليه، وهذا ما قد يؤدي لتراجع النفوذين الروسي والصيني، والنقطة الأهم أن روسيا ذاتها لم تمانع كما كشف سيد شهداء المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله عام ٢٠٢٠ من إرسال بعض الأسلحة الروسية التي بيعت لسورية للمقاومة في فلسطين واستخدمها حزب الله 2006 وفي مقدمتها "الكورنيت"، بل يمكن القول، إن هناك اتصالاً وتنسيقاً روسياً مباشراً مع حزب الله، ازداد وتوطد وتعزز بعد التعاون المشترك بمواجهة الإرهاب في سورية، إضافة إلى أن العلاقة السورية الروسية، ليست علاقة مبنية على التبعية كما هو حال العديد من الدول العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل علاقة مبنية على التنسيق والتشاور والتحاور، وهناك العديد من الدلائل على ذلك، بما في ذلك محاولات روسيا منذ عام 2018 التوسط وليس فرض عودة العلاقات بين سورية وتركيا.
ختاماً، سورية بالعموم والرئيس الأسد بشكل خاص، أوصلت رسائل بأبعاد إستراتيجية أعمق بكثير من كل الدعايات والتهم والسرديات الإعلامية التي تم ويتم تلفيقها عن دور وموقف وتحالفات سورية، فسورية كما قالها الرئيس الأسد في رسالة التعزية بسماحة سيد الشهداء لا تنسى المعروف واختلاط الدم، والمقاومة لا تنكر دور سورية في تنمية قدراتها، وسورية لم ولن تتخلى يوماً عن دعم المقاومة، فقوة سورية من قوة هذه المقاومة وانتصاراتها، وقوة المقاومة بصمود سورية ولعب دورها الداعم لها، وهي المقاربة التي حاول الرئيس الأسد تلخيصها بالقمة بشكل مبسط ومتكامل، فالمعركة واحدة والمصير واحد وهو مايتطلب المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة لفرض السلام، عدا ذلك سيكون الجميع مشاركاً بشكل مباشر أو غير مباشر في سفك الدماء العربية.
سوريابشار الاسدالمقاومةمؤتمر القمة العربية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024