آراء وتحليلات
المقاومة وبيئتها الشعبية تُسقط مشاريع التغيير "الجيوغرافي" و"الديموغرافي"
ما تزال مسألة استهداف قوات الاحتلال الصهيوني للمعابر البرية الحدودية بين سورية ولبنان الخاصة لانتقال المدنيين والعمل التجارية و"الترانزيت"، والتي كان آخرها استهداف معبري المصنع وجوسيه، تثير العديد من التساؤلات حيال فعالية هذه الاستهدافات في التوصل لما تسميه حكومة الاحتلال من وقف طرق الإمداد للمقاومة الإسلامية اللبنانية، وقطع كل طرق وصول السلاح إليها عبر سورية.
هذه الذريعة التي طالما استخدمها الكيان لتوسيع دائرة النار لتسويغ اعتداءاته على الجغرافية السورية هي ذاتها المسوغات والذرائع لزيادة طوق الحصار والخناق على لبنان وشعبه، في ظل تصعيد هذا الكيان من وتيرة استهدافاته العدوانية على لبنان بنهجه "سياسة الأرض المحروقة" تجاه العديد من المدن والمناطق، ولاسيما قرى الجنوب اللبناني على طول الحدود مع فلسطين المحتلة وصولًا إلى عمق يصل إلى نهر الليطاني. وكذلك التدمير الممنهج الذي شهدته وتشهده الضاحية الجنوبية، فضلًا عن قرى ومناطق واسعة في البقاعين الغربي والشمالي.
لو أردنا التسليم بسردية الكيان الصهيوني بأنّ هذه المعابر المدنية والتجارية تستخدم في نقل بعض شحنات الأسلحة خلال أوقات الهدوء، فهل يمكن لحزب الله، الذي يضع في حساباته العشرات من الخطط والاستراتيجيات البديلة، أن يستخدم هذه المعابر خلال الحرب، وهو يعلم بأنّ كل أدوات الرصد والتجسس والاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية والأطلسية في المنطقة تترصد هذه الحدود، داخل فلسطين المحتلة أو حتى في القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة بما في ذلك قواعد التجسس النشطة في قبرص؟ كما أن طبيعة الصراع الطويلة مع كيان، مثل الكيان الصهيوني، يفرض على جبهة المقاومة عمومًا، وحزب الله بالأخص، التفكير إما بطرق بديلة في حال اشتداد المواجهة، أو حتى بتنويع هذه الطرق لكي لا تلفت الانتباه في أوقات الهدوء.
بناء على ما تقدم من تفنيد زيف إدعاء العدو الصهيوني لهذا العدوان على المعابر، وإرسال رسائل غير مباشرة للحكومة اللبنانية بعدم الشروع بإصلاحها وتفعيلها مرة جديدة، يجعلنا أمام مقاربة جديدة قديمة يسعى إلى تطبيقها العملي، بعيدًا عن موضوع طرق إمداد الحزب بالسلاح.
هذه المقاربة تتمثل بإحداث تغيير ديموغرافي داخل لبنان، من خلال دفع وإجبار أكثر من مليون نازح لبناني من جمهور المقاومة للانتقال باتجاه العراق في ظل ضعف الإمكانات والظروف المعيشية الصعبة في سورية، وإغلاق الحدود البرية معها كلها. إلّا أن المشروع لم ينتهِ عند هذا الحد؛ بل هناك شق آخر منه يتضمن استغلال وجود ما يزيد عن مليون نازح سوري في لبنان إضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين، بحيث تسعى الولايات المتحدة وكيان الاحتلال لتوطنينهم وتجنيسهم لإحداث هذا التغيير الديموغرافي الذي ينعكس مباشرة على التوازنات في المشهد السياسي اللبناني.
وكي لا نُتهم باختراق الروايات ونظرية المؤامرة، ولتأكيد ذلك نعرض مجموعة من الأدلة والمعطيات التي تؤكد هذه المقاربة والسعي لتطبيقها وفقًا للآتي:
أولًا: هذا المشروع ليس بجديد؛ تعود جذوره إلى عدوان العام ٢٠٠٦م، عندما قدّم خطط الأمريكي لإرسال سفن لنقل شيعة لبنان باتجاه العراق بذريعة حمايتهم، وهو ما أشار له الشهيد القائد سماحة السيد حسن نصرالله في إحدى خطبه.
ثانيًا: شهدت الأيام الأولى من العدوان الصهيوني على لبنان، انتقال ما يزيد عن ٥٠٠ ألف شخص من لبنان إلى سورية، بينهم ما يزيد عن ٣٠٠ ألف نازح سوري، وعودة هؤلاء إلى سورية يسقط المشروع الأمريكي في استثمار ملف النازحين السوريين وتسيسسه ضد الدولة السورية، ويدحض الرواية الأمريكية والغربية بعدم وجود ظروف ملائمة لعودة هؤلاء من ناحية ثانية. ومن ناحية ثالثة؛ تجبر المنظمات الدولية والدول على تقديم المساعدة إلى سورية لتأمين ما يحتاجه هؤلاء؛ وهذا يعني كسرًا لقانون قيصر الذي تصر واشنطن على إبقائه لتطويق سورية، ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الأردني لزيارة سورية والتذكير باللاجئين الموجودين في الأردن.
ثالثًا: تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي "إيتمار بن غفير" ووزير المالية "يتسائيل سموتريتش" وما تروج له "قناة ١٢ العبرية"، في المرحلة الماضية، عن ضرورة إحداث تغيير ديموغرافي في الجنوب اللبناني، ونقل سكان تلك المناطق إلى دولة أخرى، ضمن توجه الكيان لتغيير معالم الشرق الأوسط، حيث تعدّ العراق هي أفضل الخيارات لتوجههم لمعايير عدة وفقًا لسردية هؤلاء المتطرفين.. وهو ما يتقاطع أيضًا مع مخطط "الترانسفير" الذي أعد لأهل غزة باتجاه سيناء المصرية، والذي كشفت عنه وسائل الاعلام قبل عام تقريبًا.
رابعًا: حجم الدمار الذي تعرضت له قرى الجنوب والضاحية وغيرها من المناطق، والتي أدت إلى نزوح ما يقارب من مليون شخص عن ديارهم، بالتزامن مع التحريض الذي شُنّ ضدهم من قبل بعض الداخل اللبناني، لتضييق الخيارات أمام بقائهم في لبنان ودفعهم للتوجه نحو العراق لما يقدمه من تسهيلات في الإقامة والتعليم والاستقبال للانتقال إليه، في ظل تزايد احتمالات توسع رقعة الصراع على مستوى المنطقة.
هنا المسعى الأمريكي-"الإسرائيلي" واضح في استثمار مسألة النزوح لإحداث عملية تهجير وتغيير ديموغرافي في لبنان وعبر وضع العراقيل أمام عودة اللبنانيين. إلّا أن هذا الكيان، ومن يقف معه، لم يتعلموا مما حصل في كل التجارب السابقة، بما في ذلك التجربة الفلسطينية في تمسك أهل القطاع بمناطقهم بالرغم من كل المجازر والقتل والتدمير الذي يشهده القطاع، وخاصة مدن الشمال في جباليا وبيت لاهيا. كما أنهما لم ولن يدركا مدى تعلق أهل الجنوب اللبناني بجذورهم وترابهم التي حرروها بفضل تضحياتهم، وبقدرة المقاومة التي وعدت شعبها بأكمله وليس فقط بيئته وحاضنته الشعبية بالنصر المؤكد.
لعل قدرة المقاومة على استعادة السيطرة والتحكم والقيادة بعد مصابها الجلل، وزيادة حجم عملياتها في داخل فلسطين المحتلة، وإيقاعها الخسائر البشرية واللوجستية الكبيرة بقوات الاحتلال، تجعل أهل الجنوب أكثر أملًا وثقة بالنصر القريب والعودة المؤزرة إلى تراب جنوبهم، لتسقط عنده كل مشاريع الأعداء، بفضل تضحيات مقاومته وتمسك أهله بجذورهم.
سورياالعراقالمقاومةالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024