آراء وتحليلات
العدوان الصهيوني على إيران.. حدوده وكارثية حماقاته
منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وبعد تنفيذ الجمهورية الإسلامية لعملية "الوعد الصادق 2" واستهداف العمق الصهيوني بالصواريخ الباليستية، وهناك صراخ صهيوني وتوعد بردود قاتلة وساحقة. وفي المقابل هناك جدية إيرانية في إيصال رسائل الردع للكيان، ومن يساعده، بأن أي حماقة أو استهداف لإيران سيقابل بهجوم كاسح وتدمير شامل للبنية التحتية الصهيونية.
إذ لولا معادلة الردع الإيرانية والجدية الشديدة والمصداقية، والتي أسفرت عن هجومين تاريخيين غير مسبوقين في ستة أشهر، في نيسان/ابريل الماضي وتشرين الأول/أكتوبر الجاري، لما تأخر العدوان الصهيوني في هجومه على إيران حتى اليوم، ولما مرت هذه الأسابيع من المشاورات والمداولات، والتي تعكس ارتباكًا ومعضلة صهيونية وأمريكية حقيقية، تتمثل بصعوبة ابتلاع الضربة الإيرانية وهو ما يعني سقوط الردع الصهيوني والأمريكي، وصعوبة الإقدام على أي هجوم قوي لا يستطيع الكيان تحمل تداعياته المدمرة والدخول في حلقة مفرغة من الضربات، والتي ستقود انزلاقاتها السريعة إلى حرب شاملة.
مع تأخر العدوان الصهيوني المرتقب، خرجت إلى الساحة تصريحات وتسريبات لافتة، تكشف الكثير من خطورة الوضع ومن حقيقة أطراف الصراع ومدى خطورة الانزلاقات المحتملة لأي حماقات صهيونية، ويمكن رصدها بترتيبها الزمني وقراءة دلالاتها على النحو الآتي:
1. مع تنامي التهديدات الصهيونية الكلامية عن استهداف المنشآت النووية الإيرانية، خرجت تحذيرات روسية من مجرد التفكير في ذلك، حيث حذر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف "إسرائيل" من مجرد التفكير في خيار ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، مؤكدًا أن شنها سيكون "كارثيًا ونفيًا كاملًا لكل المبادئ القائمة في مجال ضمان السلامة النووية" .
هذا يعني أن سقف الخيارات الصهيونية للبقاء في المستوى الإقليمي من الصراع من دون تخطيه إلى مستوى الصراع الدولي مرهون بتصرفاتها تجاه إيران، وأن يدها ليست مطلقة لتأسيس سابقة نووية تجر كارثة دولية لا يستطيع تحملها أي طرف دولي يمتلك مشروعًا نوويًا، وخاصة في المغسكر المواجه لأميركا.
2. أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة (18 تشرين الأول/أكتوبر)، علمه بطبيعة الرد الذي تعتزم "إسرائيل" القيام به ضد إيران، وذلك خلال زيارته للعاصمة الألمانية برلين، ولكنه أحجم عن الخوض في التفاصيل، وهو ما استدعى تحذيرًا إيرانيًا بأن من يعلم الموعد والتفاصيل فهو مشارك وعليه تحمّل التداعيات.
3. قد يكون التحذير الإيراني لأمريكا، هو سبب ما سُرّب في اليوم التالي لتصريح بايدن، بأنّ هناك مستندات صنفت بسرية للغاية، عبر حسابات على تليغرام في 19 تشرين الأول/اكتوبر، ثم تطرقت إليها شبكة "سي أن أن" و"أكسيوس" لاحقًا.
مع أن هذه التسريبات لا تكشف أسرارًا عسكرية؛ بل تتحدث عن رصد أمريكي لاستعدادات الكيان لشن ضربات جوية وباليستية ونقل أصول عسكرية وإخفائها تحسبًا لانتقام إيران، إلا أن الهدف لا يبعد عن كونه التشويش على حقيقة المشاركة الأمريكية في العدوان، وتسييد حالٍ مفادها أن علم أمريكا بالضربة، والذي كشفه بايدن، جاء من خلال الرصد وليس المشاركة أو الاتفاق، وهو ما يعني أن أمريكا تريد النأي بالنفس عن أي انتقام إيراني مباشر للمصالح الأمريكية.
4. فُضحت مطالبات خليجية بضرب إيران، عن طريق قناة "الحرة"، والتي نقلت عمدًا عن مصدر "إسرائيلي" رفيع معلومات تفيد بأن دولًا خليجية بعثت برسائل إلى "إسرائيل" تؤكد ضرورة أن يكون ردها على إيران صارمًا وواضحًا، كما طالبت بإعلامها مسبقًا قبل الرد المتوقع، لتتمكن من اتخاذ احتياطاتها في حال تعرضها لهجوم مضاد.
كما نقلت "الحرة"، عن المتحدث السابق باسم الجيش "الإسرائيلي" جوناثان كونريكوس، أن "إسرائيل" قد تكون أقرب ما يمكن إلى أقسى الخيارات، وبرأيه أن العالم سيشهد تغيرًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط، وأنها تنخرط مباشرة مع أصحاب المصلحة في المنطقة، كي تكون مستعدة للنتائج. وهذا ممّ لا شك فيه يوضح الاصطفاف الخليجي في تطورات الصراع القادمة، وهو ما يؤكده إعلام هذه الدول الذي يعكس موقفها الحقيقي بصرف النظر عن تصريحاتها الدبلوماسية المنافقة. كما لا يخلو الأمر من حرب نفسية على إيران توهمًا لانتزاع تنازلات سياسية أو ضغوط متوهمة على المقاومة تزامنًا مع زيارات هوكستين وبلينكن وأمين عام الجامعة العربية للعاصمة بيروت.
حدود العدوان الصهيوني المرتقب:
بخصوص العدوان الصهيوني؛ فقد امتلأت مراكز الفكر الأمريكية بتقارير عسكرية واستراتيجية تخلص إلى عدة نقاط مهمة يمكن رصدها باختصار كما يلي:
أولاً: هناك اتفاق على أن "اسرائيل" لا تستطيع مواجهة إيران بمفردها، وخاصة إذا ما أقدمت على استهداف أي منشأة نووية. وفي تقدير لمركز "صوفان"، يخلص إلى أن "اسرائيل" لا تمتلك القدرة العسكرية بمفردها على تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، وأن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن الحل الدبلوماسي وحده هو القادر على فرض قيود دائمة وقابلة للتحقق على البرنامج النووي الإيراني. كما طالبت "إسرائيل"، منذ مدة طويلة، الإدارات الأميركية بتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم "إسرائيلي"، ولكنها تلقت ردًا باردًا.
ثانيا: هناك نصائح بعدم توسيع الصراع؛ وأن إدارة التصعيد وعدم وصوله لحرب شاملة هو الخيار الأفضل، وهو خلاصة تقرير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية " Csis" ، والذي خلص إلى أنه على الرغم من المبادرات الدبلوماسية، سيكون التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار صعبًا، وأفضل ما قد يتمكن المفاوضون من تحقيقه هو إدارة تصعيد العنف ومنع اندلاع حرب شاملة.
ثالثا: توقعات الخبراء تتمحور في أربع فئات من الأهداف التي يمكن للصهاينة العمل تجاهها، والفئة الأولى هي اغتيال كبار القادة الإيرانيين، والفئة الثانية هي استهداف البنية الأساسية للطاقة في إيران، والفئة الثالثة هي استهداف البنية الأساسية النووية، والفئة الرابعة هي استهداف مواقع الصواريخ وغيرها من المواقع العسكرية، ويقول بعض الخبراء أن الأمر يمكن أن يكون مزيجًا بين هذه الفئات.
رابعًا: معظم التوصيات تذهب إلى أن الحل يجب أن يبدأ من غزة، وأن التطور الحالي للتصعيد قد يجبر أمريكا على التدخل بنفسها والانجرار علنًا للحرب، وهو ما يثبت تسليم بصلابة المقاومة وصمودها وقناعة الخبراء بأن المقاومة لن تتنازل وستمضي في الشوط إلى نهايته.
قد يرى البعض ارتباطًا بين موعد العدوان على إيران والانتخابات الأمريكية، ولكن في ظل انحياز جميع الإدارات للصهاينة وفي ظل وجود نخبة حرب أمريكية تدير الصراع بعيدًا عن البيت الأبيض، فإن العدوان الصهيوني يخدم جميع الأطراف الأمريكية كونه قرارًا أمريكيًا بالأساس، وأن أمريكا لو أرادت إيقاف الكيان الوظيفي الصهيوني عند حدوده لفعلت، وبالتالي علينا توقع عدوان غادر، وربما بأي مستوى بما فيه المستويات النووية التي يستبعدها الكثيرون، وعلى العدو توقع رد ساحق، وألا يتوقع تنازلًا واحدًا صغيرًا عن إسناد غزة أو تفكيك وحدة الساحات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024