آراء وتحليلات
هل تصدر مذكرة اعتقال نتنياهو ووزير حربه؟!
تتجه الأنظار إلى مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث يترقب الجميع أن تصدر المحكمة قراراتها لاعتقال بعض قادة الكيان الصهيوني وعلى رأسهم رئيس حكومة العدو "بنيامين نتنياهو"، ووزير حربه "يوآف غالانت" على خلفية حرب الإبادة الجماعية والتجويع وجرائم القتل ضد الإنسانية التي يمارسها كيان الاحتلال ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ ما يزيد عن 11 شهرًا، والتي تسببت حتى اليوم بسقوط ما يزيد عن 42 ألف شهيد فلسطيني وما يقارب 100 ألف جريح و 10 آلاف مفقود، بالإضافة لسياسة الحصار المطبق ومنع وصول المساعدات الإنسانية والغذاء.
وبعد صمت وتجاهل لشهور عدة منذ انطلاق أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت 2023، اضطرت "الجناية الدولية" للتحرك وتوسيع التحقيقات خاصة بعد الدعوة التي أقامتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل" والتوصيات التي صدرت عنها بهذا الخصوص في 26 كانون الثاني/يناير الماضي، والتي تضمنت مطالبة "إسرائيل" باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، وأن تقدّم "إسرائيل" تقريراً للمحكمة حول استجابتها لهذه التدابير بعد شهر من الجلسة، واتخاذ كلّ التدابير الفورية لحماية المجموعة الفلسطينية في غزة.
وفي ظل تجاهل "إسرائيل" لتوصيات محكمة العدل الدولية، وجد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان نفسه مضطراً للتحرك والقول، إن التحقيق توسع ليشمل التصعيد في الأعمال العدائية والعنف منذ الهجمات التي وقعت في السابع من تشرين الاول/أكتوبر 2023.. فطلب في أيار/مايو الفائت من المحكمة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه "غالانت" وثلاثة من قادة "حماس"، ومنذ أيام طالب "خان" بتسريع صدور مذكرات الاعتقال، وذكرت تقارير صحفية نقلاً عن خان قوله بأنه يتعرض لضغوط شديدة من دول عدة وخاصة من بعض دول "الناتو" لمنعه من إصدار مذكرات الاعتقال التي يصرّ على إصدارها بسرعة قبل سفر نتنياهو إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الموقف "الإسرائيلي":
تسود حالة من الارتباك و القلق و التوتر في الأوساط السياسية و العسكرية والقيادية للكيان الصهيوني، ومنذ أن أعلن المدعي العام التوسع بالتحقيق سارع نتنياهو لمهاجمة "الجنائية الدولية" والتنديد بتحركها وقراراتها التي وصفها بأنها ذات دوافع سياسية ولا تستند إلى تحقيق مهني على الأرض، ولجأ أيضاً منذ أشهر إلى طلب المساعدة من إدارة بايدن للضغط على المحكمة لمنع صدور مذكرات الاعتقال بحقه ووزير حربه "غالانت"، ووصل به الأمر إلى اتهام المحكمة بمعاداة السامية وأن قراراتها تستهدف "الدولة اليهودية"، وقبل ذلك وخلال زيارته الأخيرة لواشنطن وإلقائه لخطابه في الكونغرس حاول التسويق لحزمة من الأضاليل الفاضحة، مستغلاً التأييد المطلق الذي تلقاه من أعضاء الكونغرس، حيث ادعى أن كيانه يدافع عن نفسه ضد الإرهاب، وأن الجيش "الإسرائيلي" لم يقتل مدنيًا واحدًا في غزة. وعلى الصعيد الداخلي، فقد رفض نتنياهو فتح تحقيق قضائي "إسرائيلي" بشأن الحرب في غزة كان من الممكن أن يجنبه إجراءات "الجنائية الدولية" وذلك بسبب خشيته من أن يؤدي هذا الإجراء إلى التأثير في وضعه كرئيس للحكومة وبالتالي على مستقبله السياسي، وعليه فإن نتنياهو فضل مواجهة المحكمة خارجياً على مواجهتها داخلياً، متسلحاً بالدعم الأميركي والغربي له، خاصة في ظل قدرته على التأثير قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
الموقف الغربي و الأمريكي خصوصاً:
لا يختلف الموقف الغربي والأمريكي خصوصاً حول هذه القضية عن غيرها من القضايا والقرارات الدولية التي تدين "إسرائيل"، فلطالما شكلت واشنطن طوق حماية للكيان "الإسرائيلي" في وجه القرارات الدولية الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة وغيرها التي تدين "إسرائيل"، ولطالما عملت واشنطن والغرب الجماعي على عرقلة صدور قرارات تدين كيان الاحتلال وسياساته في الاحتلال والقتل والإبادة .
دول أوروبية عديدة أدانت توصيات مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، وانتقدت سعيه لإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة الكيان "الإسرائيلي"، وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا، وتمكنت "إسرائيل" من حشد مرافعات لصالحها في المحكمة قدمت من 26 دولة في مقابل 64 مرافعة ضدها، وجوهر المواقف الأوروبية خصوصاً تطابق مع الموقف "الإسرائيلي"، متذرعاً على سبيل التضليل بحق "إسرائيل بالدفاع عن نفسها في وجه الإرهاب"، ومتجاهلاً كونها دولة احتلال تمارس أبشع الجرائم بحق أصحاب الأرض الفلسطينيين .
وأما واشنطن فقد كان موقفها أشد وضوحاً لصالح حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" وانتقدت بشدة نوايا المحكمة، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "إن الولايات المتحدة لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وبأنه لا يمكن المقارنة بين "إسرائيل" وحركة حماس"، ولاحقاً قال بايدن إن واشنطن لا تعتقد بأن "اسرائيل" ارتكبت أو ترتكب إبادة جماعية في غزة، بينما ذهب مجلس النواب الأمريكي لإقرار مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، كما يفرض عقوبات على المحكمة إذا حققت أو حاكمت أشخاصًا محميين من واشنطن أو حلفائها.
استنتاجات :
1- إن المحكمة الجنائية الدولية مارست التسويف لفترة طويلة نسبياً قبل التحرك مكرهةً ضد الكيان "الإسرائيلي"، وهو ما يؤكد عدم حياديتها وعدم استقلالها، وأنها تكيل بمكيالين خدمة لأجندات سياسية أميركية و"إسرائيلية".
2- إن توصيات المحكمة بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة فلسطينيين تؤكد أنها تساوي بين الضحية والجلاد، وبين القاتل والقتيل، وهو ما يضع المزيد من علامات الاستفهام حولها.
3- إن معارضة واشنطن لقرارات المحكمة ومحاولاتها لعرقلة عملها يكشف الوجه الحقيقي لأمريكا ومعاداتها لمبادئ العدالة والمساواة التي تدعيها منذ عقود طويلة وتستغلها سياسياً ضد خصومها .
4- إن الموقف الأميركي الفاضح من المحكمة وقراراتها يؤكد أن واشنطن شريك رئيسي في حرب الإبادة الجماعية التي تمارس في غزة، وهو ما حاولت إخفاءه عبثاً منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة.
5- إن صورة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي والتي حاولت تسويقها لعقود كدولة راعية لحقوق الإنسان قد سقطت بإعلانها صراحة عن دعمها وحمايتها للمجرمين الصهاينة الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب وجرائم إبادة جماعية، وعبر انحيازها الفاضح.
6- إن ادعاءات واشنطن الكاذبة بأنها تمثل وسيطاً نزيهاً للسلام في المنطقة قد سقطت أيضاً، وهو ما يعني بالضرورة مزاحمتها لهذه المهمة من قبل قوى دولية أخرى.
في الختام؛ حتى لو صدرت قرارات الاعتقال من قبل "الجنائية الدولية" سواء بشكل عاجل أو تأخرت لفترة طويلة، فإنه من المستبعد كلياً تنفيذها، خاصة أن واشنطن كانت وما زالت على استعداد للدخول في مغامرات حتى لو كانت عسكرية في سبيل حماية الكيان "الإسرائيلي" ، بل إنه ليس من المبالغة القول، إن واشنطن قد تدفع لاحقاً باتجاه حل هذه المحكمة كلياً استجابة لطلب حليفها "الإسرائيلي".
بنيامين نتنياهوالمحكمة الجنائية الدولية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024