آراء وتحليلات
محور فيلادلفيا ومناورة نتنياهو لإفساد المفاوضات!
ثمة إجماع كبير على أن نتنياهو يفسد عملية التفاوض برمتها عبر فرض شروط جديدة، وأهمها التمسك بالسيطرة على معبر رفح وممر فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وهو ما شكل إفسادًا مضاعفًا للتفاوض، حيث قفز بالخلاف من مستوى خلافي مع حماس إلى مستوى أكبر وهو خلاف مع الوسطاء وتحديدًا الوسيط المصري.
والجديد والذي شكل فخًا تاريخيًا لنتنياهو، هو تحول قصية المحور لخلافات داخلية صهيونية عمقت من الانقسامات، فهي أدت الى خلافات علنية بين رئيس الحكومة ووزير حربه، والأهم أن هناك تفنيدًا لدعاوى نتنياهو جاءت عبر أعضاء وازنين كانوا أعضاء في مجلس الحرب حتى وقت قريب، مثل بيني غانتس وآيزنكوت.
واللافت أن الخلافات بين غانتس وآيزنكوت من جهة ونتنياهو من جهة أخرى ليست على مبدأ احتلال محور فيلادلفيا بل على توقيت احتلاله، فبينما يرى آيزنكوت عدم أهمية المحور وأن الجيش "الإسرائيلي" يستطيع الحماية دون احتلاله، ويجاهر بفشل نتنياهو والكيان بتحقيق أي هدف، وأن الصفقة هي المخرج الوحيد، يرى غانتس أن على نتنياهو التحلي بالثقة لمواجهة الضغوط الدولية للعودة إلى احتلال المحور عند الحاجة، وإذا لم يكن واثقًا فعليه التنحي، ويرى أن أبراج المراقبة والتنسيق مع الجانب المصري كافيان، وأن الصفقة أولى من كلفة التمسك بالمحور في المرحلة الراهنة.
وهذه الخلافات العلنية غير المسبوقة تشي بافتقاد الكيان لرؤية إستراتيجية موحدة لإدارة معركة تم توصيفها بالوجودية، وهو أمر لم يكن ليحدث لولا صمود المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد.
وتتعدد الآراء والتحليلات في تفسير نهج نتنياهو ولماذا يفسد التفاوض ولا سيما وسط مناخ سياسي ضاغط، تشكل الجبهة الداخلية الصهيونية أحد محاذيره السياسية مع تنامي الاحتجاجات والإضرابات، ويشكل صمود المقاومة وجبهات الإسناد أخطر محاذيره الأمنية والعسكرية مع نذر الانزلاقات وتوسع المعارك.
ورغم أن الكثيرين يذهبون لتحليل يبدو سلسًا ومباشرًا، وهو المتعلق بإطالة نتنياهو أمد الحرب خوفًا على مستقبله السياسي وحرصًا على ائتلافه الحكومي، فإن الأمور والشواهد تقول، إن هناك تحليلاً أعمق وأكثر خطورة، وهو الإصرار على تصفية القضية وعودة احتلال غزة وعودة الاستيطان بها، وكذلك العودة لاحتلال الضفة، وهي مقامرة كبرى من نتنياهو واليمين الصهيوني.
وهنا تجدر الإشارة إلى قضية المعابر ومحور فيلادلفيا، ولماذا يتمسك نتنياهو بالسيطرة عليه وعلى محور نتساريم، وما دلالات ذلك الكاشفة للنوايا والخطط الصهيونية:
1- محور فيلادلفيا والذي يشكل شريطًا طوله 14 كيلومترًا (8.7 ميلًا) على طول حدود غزة مع مصر وعرضه نحو 100 مترًا (330 قدمًا) ليس مجرد موقع أو تمركز عسكري وإنما يشكل المنفذ الوحيد لغزة خارج السيطرة الصهيونية التي تحكم الحصار على القطاع بحرًا وجوًا وبرًا، وهو رمز لاستقلال غزة باعتباره أصبح ممرًا بين غزة ومصر تحت سيطرة فلسطينية بعد انسحاب الكيان من غزة عام 2005 .. أي هو رمزيًا يعني الاستقلال، ولوجستيًا وعمليًا يعني مدخلات القطاع من جميع السلع والاحتياجات.
وبالتالي، فإن الكيان بالإصرار على احتلال المحور يريد احتلال غزة عمليًا والسيطرة على مقدراتها وامتلاك قرارها وقطع الشرايين المغذية لأي سلطة وطنية بها سواء حماس أو ما يتفق عليه الشعب الفلسطيني.
2- عدم اكتراث الكيان بمصر واعتراضاتها وعدم خوفه من تبعات انتهاك بروتوكولات "كامب ديفيد" وملحقاتها، هو استهانة كبرى بمصر التي تحولت إلى مجرد وسيط، بل وإهانة لجيشها وشعبها، خاصة بعد تهديدات مصرية كبيرة أعلنتها مصر رسميًا بأن معبر رفح ومحور فيلادلفيا خطوط حمراء، وقد انتهكها العدو ولم يحدث رد فعل مصري له وزن مقابل، بل كل ما يصدر إعلان للرفض وإدانات ومناشدات بائسة.
3- الإصرار على السيطرة على محور "نتساريم" بالإضافة لممر "فيلادلفيا"، يكشف مزيدًا من النوايا الصهيونية لإعادة الاستيطان، فالمحور يقطع أوصال غزة ويفصل شمالها عن جنوبها وفيه تمركزات لافتة بمراقبتها يمكن الربط بين مستوطنات غزة في أثناء احتلالها وبين الوضع الراهن للتمركز الصهيوني.
وهناك شواهد كشفها موقع "بي بي سي" الذي نشر تقريرًا يرصد نوايا إعادة الاستيطان في غزة، واستشهد بكلام "دانييلا فايس"، رئيسة منظمة استيطانية متطرفة تسمى "ناتشالا" أو "الوطن"، والتي تعمل منذ عقود على التوسّع في المستوطنات الصهيونية سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، والتي كشفت أنَّ لديها بالفعل قائمة تضم 500 عائلة مستعدّة للانتقال إلى غزة فوراً.
وتقول فايس: "لديَّ أصدقاء في تلّ أبيب، وهم يقولون: احتفظوا لي بقطعة أرض قرب الساحل في غزة، لا تنسوا، فساحلها جميل، ورماله الذهبية كذلك"، وأخبرتهم فايس أن قطع الأراضي على الساحل حُجزت بالفعل!
4- خرج نتنياهو بمؤتمر صحفي يعرض خريطة للكيان تخلو من الضفة الغربية وتبعيتها لفلسطين واعتبرها أراضٍ صهيونية، وذلك في أثناء شرحه لحتمية السيطرة على محور فيلادلفيا، وهو دليل كاشف لنوايا ابتلاع القضية وعدم الاكتراث بصفقات للتبادل ولا بحياة الأسرى واحتجاجات أهاليهم، وهو إصرار كامل على التصفية والمضي بالشوط لنهايته.
خطورة العجز والتواطؤ العربي:
ويبدو أن حالة العجز العربية هي ما يغري نتنياهو وأميركا بذلك، حيث يستمر تحييد كل أوراق الضغط العربية، بل وتستمر مصر في التعامل بضعف كامل مع احتلال معبر رفح ومحور "فيلادلفيا" وانتهاك اتفاقية "كامب ديفيد" وتكتفي فقط بإعلان الرفض دون إبراز أي أنياب أو أي خطوات عملية تغير من حسابات الكيان.
هذا العجز والتواطؤ يفتح المجال لتهجير الشعب الفلسطيني، لأن السيطرة على مقدرات غزة وتحويلها إلى مدينة منكوبة وغير مؤهلة للعيش مع السيطرة على معابرها وخاصة مع مصر، يسمح للعدو بتهجير الأهالي ودفعهم نحو الحدود المصرية، وهو ما تخشى منه مصر داخل أروقتها الإستراتيجية والأمنية، ولكنها لا تفعل شيئًا رادعًا للحيلولة دون ذلك، كما أن الممارسات الشبيهة بالضفة مع التلميح بأن الأسلحة تدخل من الأردن ينذر بسلوك تهجيري مشابه تجاه الأردن.
هل تسمح المقاومة وجبهاتها بتمرير المخطط:
تقوم مقامرة نتنياهو على قراءة إستراتيجية مخطئة، وهي أن التواطؤ الدولي والتخاذل العربي، يكفيان لتمرير هذه التصفية ولا يأخذ بعين الاعتبار أنه بحال أصر على المضي في شوط التصفية، فإن المقاومة بكامل جبهاتها "الإسنادية" لن تسمح بذلك مهما كانت الانزلاقات وصولًا للحرب الشاملة، وهو ما يقتضي أن يفقهه نتنياهو وإدارة "البيت الأسود" في واشنطن.
حركة المقاومة الإسلامية ـ حماسغزةبنيامين نتنياهوجبهة المقاومة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024