نقاط على الحروف
حرّروا على قدر فلسطين..
تختبر وسائل الإعلام العربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر سيلًا من التحديات العسكرية والصحافية في آن. قد تكون الحرب الحالية في غزة وجنوب لبنان من أقسى الظروف التي تتحكّم بالقنوات والمحطات الإخبارية والمواقع الإلكترونية ومُختلف وسائل الخدمات الإعلامية التي تواكب التطوّرات الميدانية.
على مدى الأشهر الـ11 من القتال الدائر والإبادة المستمرّة والمقاومة الشرسة في غزة ولبنان، وجدت بعض وسائل الإعلام العربية، بمعزل عن أهوائها القومية، نفسها في ورطة تقنية عنوانها كيف نتعامل مع الأخبار الواردة من مصادر العدو. الارتباك وعدم المسؤولية طبعا الأداء الإخباري، ولاسيّما على صعيد الصياغة التحريرية.
كتابة الخبر العسكري والميداني وإعلام الجمهور عمّا يحصل في جبهة العدو أو في الأرض المحتلة والحرص على خلوّه من العبارات "الاسرائيلية" والدعاية الصهيونية التي ظهر ضعفها وركاكتها لدى الرأي العام العالمي، هي القاعدة الأساسية عند التعامل مع تطوّرات الحدث الفلسطيني.
لا مكان لمفردات العدو
واذا انطلقنا من مبدأ أن المحطّة أو المنصّة الإخبارية التي تنشر مستجدّات المعركة العسكرية والسياسية في الأراضي المحتلة وصولًا الى جنوب لبنان، من زواية تأييد القضية الفلسطينية، فيجب تثبيت الآتي:
هذه الحرب بقدر ما استطاعت تهشيم صورة التفوّق "الاسرائيلي"، بيّنت عدم إدراك بعض المؤسسّات الإعلامية لأهمية العناية بالمفردات المُستخدمة أثناء تقديم الأخبار. لا مكان لمصطلحات العدو في المحطة أو القناة أو الموقع الذي يعتنق فلسطين والحقّ العربي في الدفاع عن نفسه بوجه اعتداءات "اسرائيل" في كلّ الدول وليس فقط ضمن الأراضي المحتلة.
وبصورة مباشرة، لا يصحّ أن يستخدم المحرر العربي، أكان لبنانيًا أم فلسطينيًا، أو من جنسية أخرى، ما يركن إليه المحرّر أو الصحافي أو المعلّق "الاسرائيلي" في تقريره. لهذا على وسائل الإعلام العربية أن تزيل "الرهائن" و"المحتجزين" و"المختطفين" من قاموسها، اذا ما أرادت الإشارة الى الأسرى الصهاينة الذين هم بحوزة حركة حماس.
وفي الغوص في مصائب اللغة الإعلامية أثناء تغطية الحدث الفلسطيني، لا بدّ من التحذير من أكثر من مصطلح يدخل في صُلب الدعاية الصهيونية.
"البلاد" لا يمكن أن تُستخدم للدلالة على "اسرائيل" في تصريحات قادة العدو وشخصيّاته. كذلك لا يجوز في السياسة التحريرية لأية وسيلة تُناصر فلسطين أن تنعت المستوطنات والمستعمرات بالبلدات "الاسرائيلية" بكلّ سذاجة. "البنى الوطنية" أيضًا لا يمكن أن تكون مُصطلحًا عاديًا في أخبار العدو التي تُنشر على الصفحات العربية.
"السجناء" الفلسطينيون لا يمكن أن تمرّ بخفّة في محطات العرب ومنصّاتهم، هم معتقلون وأسرى بيد عدوّ الأمة. ولا يجدر بوسائل الإعلام أن تصف أيّ فصيل مقاوم في فلسطين المحتلة بـ"الميليشيا" وتنأى بنفسها عن صراع المصطلحات.
وبعد، قد يكون مفيدًا تذكير الزملاء المحرّرين في كلّ وسيلة إعلام عربية بضرورة الابتعاد عن مفردات أخرى كـ"حدود "اسرائيل" الشمالية والجنوبية و"الأراضي الاسرائيلية"؟ الأمر ينسحب على وزارات العدو المختلفة كـ"التراث" و"الدفاع" أو "الأمن" أو "الثقافة"، التسليم بأسمائها كما هي إثمٌ وذنب. أمّا استعارة أو استلاف كلّ كلمات العدو بلا مجهود يُبذل، فليس سوى كسل وتقاعس عن أداء المهمّة.
بعيدًا عن المصطلحات والمفردات، أدبيات التحرير الإخباري للتطورات في الأراضي المحتلة يجب أن تظهر بما ينسجم وحجم المواجهة. ليست المسألة متعلّقة بكلمات منفردة، بل هي أشمل. ترك التصريحات والبيانات على ما هي عليه، بلا توجيه سياسي، بلا تصرّف، بلا تدخل، وكأنّ رئيس حكومة العدو أو وزير حربه أو رئيس أركانه أشخاص ألِفناهم، ليس تحريرًا صحافيًا مُطعّمًا بأسلوب الإعلام المقاوم أو المُناصر لأصحاب الحقّ والأرض، بل تواطؤ على القضية بأدقّ تفاصيلها المحكية والملفوظة والمكتوبة.
مسؤولية الوعي
الأمر يتطلّب وعيًا لكلّ حرف يُكتب في سبيل نقل ما يحصل على الأراضي المحتلة وفي الجبهة اللبنانية أيضًا، والابتعاد عن التعاطي بما يوحي بالإيجابية مع حرب بنيامين نتنياهو النفسية وكلّ اليمين الصهيوني المتطرّف، وعدم التهادن مع منطق معارضي استمرار المعركة الحالية، لأن عقلية العدو تبقى كما هي. الأمر يتطلّب منّا أن نكون تلامذة غسان كنفاني يوميًا، عميد أدب المقاومة، والترصّد لكلّ بيان ملغوم، أو تصريح مليء بالتهويل وتحريف الأنظار عن الحقائق.
الانسجام مع الهوية العربية يجب أن يكون هدفًا لتغطية وسائل الإعلام. ولا ينبغي في الخلاصة أن تكون المحطات والمواقع الإخبارية نسخةً مُعرّبة لصحافة العدو ولغته العبرية.
فلسطين المحتلةالكيان الصهيونيالمقاومةوسائل الإعلام
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024