آراء وتحليلات
الـ"هايتك".. مصابٌ بالشلل في الكيان المؤقت
لم تكشف معركة طوفان الأقصى عن حقائق ووقائع جوهرية متصلة بالكيان المحتل في الميادين السياسية والعسكرية والاستخباراتية فحسب، بل إن ما أنتجته المعركة من مظاهر الهشاشة والضعف انسحب أيضًا وعلى نحو لا سابق له، على الميدان الاقتصادي في الكيان الذي تغنى لعقود بثبات وقوة قطاعاته الإنتاجيّة التي يتقدمها قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يعدّ- بكل ما تحمله الكلمة من معنى- عصب الاقتصاد الصهيوني.
أسطورة القطاع التكنولوجي "الإسرائيلي" اهتزّت بكل أركانها، ولم تنجح قوة الردع الصهيونية "الهشّة" في تحييده عن الصفعات التي أُلحقت به، علمًا أن هذا القطاع بالتحديد يشكل أحد أهم أوجه الدعم الأميركي والغربي غير المنقطع للاقتصاد "الإسرائيلي"، والذي يصب بالطبع في هدف الرأسمالية العالمية المرتبط باحتكار الثروة التكنولوجية.
يرى خبير الحوكمة الرقمية، ومؤسس شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان الأستاذ ربيع بعلبكي أن الكيان الصهيوني يعمد إلى الاستثمار في الشركات الناشئة بشكل كبير جدًا و"معظم استثماراته هي في مجالات الثورة الصناعية الرابعة الرقمية وخاصة حلول الأمن السيبراني والتجسس وبرمجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والحلول الذكية الصحية والغذائية والزراعية المتقدمة، وهو يبيع ويستثمر هذه الحلول في معظم بلاد العالم وخاصة أفريقيا".
القطاع الذي يعمل فيه 6 آلاف شركة، ويشكّل نحو 20% من الناتج المحلي، ونحو نصف صادرات البلاد، و30% من عائدات الضرائب، وصادراته تعدّ مصدرًا أساسيًا للاحتياطات بالعملة الأجنبية لكونه يمثل 53% من اجمالي الصادرات، اكتسب أهميته منذ عقود من الزمن، وخير دليل على قوة هذا القطاع في دعم الاقتصاد "الإسرائيلي" هو معرفتنا أن الصناعة التقنية نجحت في تجنيب هذا الاقتصاد آثار أسوأ الأزمات الاقتصادية التي حدثت في العالم، بما في ذلك الركود الكبير بين 2008 و2009.
وفقًا لبعلبكي، أحدثت معركة طوفان الأقصى تأثيرًا كبيرًا في عمل وإنتاجية هذا القطاع، فقد أبلغت 70% من الشركات التقنية "الإسرائيلية" عن وقوع أضرار في عملياتها؛ وصرف آلآف الموظفين واستدعاء نحو 8% من العاملين في هذه الشركات إلى الخدمة الاحتياطية بالجيش، بينما اضطر آخرون للتطوع. مما يعني أن التأثر طال ليس فقط الشركات ذات الطابع غير الرقمي بل أيضًا خسارة زبائن حلول المعلوماتية والتخزين والخدمات الرقمية، فضلًاً عن انخفاض أعمال الاستثمار في الاقتصاد الرقمي إلى 80% والتصدير إلى 20 % وتوقفت أموال الدعم والمنح المالية والتي كانت تصل إلى 10 مليارات شيكل سنويًا معظمها تستثمر في شركات التكنولوجيا الناشئة.
بعلبكي أوضح أن الدعم الكبير لهذا القطاع من أميركا ودول الغرب ومنعه من الانهيار يرتبط في أحد أسبابه، "بقلق البنوك الأميركية من أن تصبح قروضها في خطر، أي أن تتحول لديون معدومة في حال عجز التسديد أو التعثر نهائيًا،" مما يكبد البنوك الأميركية خسارات كبيرة تصل إلى إعلان الإفلاس كما حصل ببنك "سيلكون".
هذا السبب يضاف له عوامل أخرى، أهمها الجذور الاقتصادية العميقة التي تربط بين الكيان المحتل وأوروبا، والذي تحول في الوقت الحاضر إلى استثمارات ضخمة متبادلة معها، ليصبح الكيان بذلك واحداً من أكبر الاستثمارات الغربية في تاريخ الحكم والتسلط الغربي. فأوروبا التي أغرقت وتغرق كيان العدو بشتى أنواع المساهمات والدعم بكل أشكاله، تسعى عبره لتكريس سيطرة القوى الرأسمالية الغربية على موارد الشرق الأوسط لاحتكار الموارد الطبيعية، التكنولوجيا، القطاع المالي العالمي، الاتصالات، والتسليح. وبالتالي فإن عمدة التكنولوجيا "الإسرائيلية" مبنية على تدفق المعرفة التكنولوجية من الغرب، وبالأخص من أميركا.
وعن إمكانية استعادة القطاع التكنولوجي في كيان الاحتلال لدوره ومركزه بعد الحرب، أشار بعلبكي إلى أنه "لا يمكن للعدو أن يعيد القطاع الخاص بالاقتصاد الرقمي كما كان سابقًاً، وذلك بسبب تقلص الثقة في قدرة الكيان الصهيوني على حماية الاستثمارات و حتى تشجيعها، لأن إعادة الثقة أصبحت أمرًا شبه مستحيل، مما سيدفع الحكومة المؤقتة للكيان الغاصب للّجوء إلى أساليب ملتوية وعقود إذعانية لتعويض خسائرها الداخلية عبر الضغط مع شركائها في الأسواق العربية خاصة والأفريقية عمومًا.
تكثر الأسئلة اليوم عن مستقبل قطاع التكنولوجيا الفائقة في ظل الحرب الراهنة غير واضحة الأفق، لا سيما وأن اندلاع حرب إقليمية كبرى سيعود –وفق الخبراء والمحللين- بنتائج كارثية على هذا القطاع وبالتالي على الاقتصاد الصهيوني ككل بحكم أنه يشكل العمود الفقري لهذا الاقتصاد، إلا أن إمكانية انحدار هذا القطاع نحو المزيد من الانهيار ما زال احتمالًا جديًا وواقعيًا حتى في ظل الحرب الراهنة، والضربات المؤلمة التي قد توجهها جبهات المقاومة في أي لحظة للبنى التحتية المركزية لشركات الـ"HIGHTECH" إن كان في "يافا" أو في شمال فلسطين المحتلة، تمثل الخطورة الأكبر عليها في هذا الوقت الحساس جدًا من المعركة، والسؤال المعجّل المكرّر، هل سيكون الاحتلال فعلًا قادرًا على تحمل تبعات هذه الصفعات الاقتصادية؟.
الاقتصادالكيان المؤقتطوفان الأقصى
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024