آراء وتحليلات
مسرحية بلينكن - نتنياهو لابتزاز العرب
وقائع أم تبادل أدوار بين ثنائي النفاق؟! يعلن وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن موافقة رئيس حكومة العدو بينيامن نتنياهو على المقترح الأمريكي الأخير الملغوم، فيسارع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منح مباركته ويرمي الكرة في ملعب حركة حماس، وهو يعلم مسبقًا أن المقاومة الفلسطينية لن ترضى بأقل من وقف صريح لإطلاق النار مقدّمةً لتنفيذ باقي بنود الصفقة وصولًا إلى عودة فلسطينيي القطاع إلى منازلهم المدمّرة تمهيدًا لبدء ورش إعادة الإعمار الموعودة.. ساعات قليلة؛ ويفجّر نتنياهو المبادرة ويؤكد رفضه أي مقترح يتضمن إنهاء الحرب التي ستستمر حتى القضاء على حماس، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت".
لا تراجع عن أهداف العدوان
لم يتوقف الأمر عند تأرجح المواقف الملتبسة، بل حمّلت "تل أبيب" بلينكن التي وصفته بـ"الهاوي والساذج وعديم الفهم"، مسؤولية "قتل المفاوضات" وأنه بإعلانه قبول نتنياهو للمقترح الأمريكي حاول تجيير الموقف لحسابات داخلية عشية مؤتمر الحزب "الديمقراطي". والصحيح أن نتنياهو أصرّ على تحقيق جميع أهداف الحرب، ولم يوافق على انسحاب جيش الاحتلال من محور فيلادلفيا، بل شدّد على ضرورة إغلاق الحدود الجنوبية لقطاع غزة لضمان عدم تجدّد "التهديدات الأمنية على كيانه. كما لم يفلح "الاتصال الحاد" بين بايدن ونتنياهو في تغيير موقف الأخير، وتأكيدًا على هذا المنحى أمعنت آلة القتل الصهيونية في ارتكاب مجازر جديدة في القطاع وزيادة وتيرة الاعتداءات في مناطق الضفة الغربية وتوسيع دائرة الاستهدافات العدوانية على مناطق الجنوب والبقاع اللبناني، وتهديد لبنان بأنه سيحاسب على ما أسموه "الإرهاب الذي ينطلق من أراضيه ما لم يتخلّص من حزب الله".
ابتزاز أمريكي – "إسرائيلي"
تجري فصول المسرحية السياسية – الإعلامية وعملية الابتزاز الأمريكي – "الإسرائيلي" في وقت تأمل القاهرة فيه أن تحتضن الحل وأن يكون لها الدور المثمر في إيصال الحرب المشتعلة إلى خواتيم التهدئة، خصوصًا بعد أن خابت المساعي في اجتماعات الدوحة العقيمة. أما على الأرض فقد واصلت واشنطن عسكرة المنطقة بدفع حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" وأسطول المدمّرات المرافقة لها، فضلًا عن الغواصة "جورجيا" إلى البحر الأبيض المتوسط، بهدف "زيادة الدعم الأمريكي لحماية "الإسرائيلي" وردع إيران ووكلائها" وفقًا لتعبير بيان "البنتاغون"، وهذا يقود إلى خلاصة منطقية عبّر عنها مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط "ديفيد شنكر" بالقول إن: "إسرائيل تحبذ اندلاع الحرب عاجلًا ام آجلًا مع معرفتها أن ثمنها سوف يكون باهظًا".
هواجس ما بعد الحرب
يبدو حتى اللحظة أن نتنياهو ماضٍ في تنفيذ أجنداته السياسية والعسكرية على الرغم من سيل المواقف المعلنة في العواصم الغربية، وحتى داخل الكيان المؤقت نفسه، والتي تحذّر من الاستمرار في الغرق داخل مستنقع الحرب في غزة فضلًا عن التورّط في حرب الشمال التي تأخذ "إسرائيل في دوامة وجودية قد تصل قريبًا إلى نقطة " لا عودة". وعلى الرغم مما يُحكى عن تحوّلات طرأت على حسابات الحرب بما يحجّم احتمال انزلاقها إلى حرب شاملة، إلا أن المأزق الذي أدخل به نتنياهو المنطقة يطرح مجموعة من الهواجس التي بدأت تتمظهر في العقل الغربي حيال الدور الذي تضطلع به كيان الاحتلال وفقًا لما كان مرسومًا له ولإنشائه، خصوصًا مع التشكّلات الجوهرية التي شهدتها مراحل الصراع العربي – الصهيوني، وأبرزها تشكّل جبهة المقاومة بما تحمله من تهديد فعلي وحقيقي لمشروع الهيمنة الغربية التي تمثّل "إسرائيل" رأس الحربة فيه.
الكيان عبء استراتيجي
يعزو محللون منطلق هذه الهواجس، بشكل أساسي، إلى الاتجاه الأوروبي الذي يحبّذ بقوة وقف الحرب الدائرة في قطاع غزة، نظرًا إلى المخاطر التي ستتركها نتائج هذه الحرب على الاستقرار الداخلي لدول القارة العجوز. وهي العالقة اليوم في دوّامة الاستنزاف بفعل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية مع ما قد تحمله هذه الحرب من تطوّرات تنذر بتوسّع دائرتها وتفاقم آثارها المدمّرة وتعمّق أزمات هذه الدول في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الديمغرافية. ويدعو المحللون إلى الوقوف مليًّا عند بعض التساؤلات التي بدأت تتحدث عن ضرورة تقييم الجدوى من إقامة "إسرائيل"، بصفتها مشروعًا استراتيجيًا بني أساسًا بهدف حماية المصالح الغربية عمومًا والأوروبية خصوصًا، ولكنه تحوّل إلى عبء استراتيجي يتطلّب استنفارًا عالميًا لحمايته، وبدلًا من أن يكون مركزًا محوريًا يؤمن خاصيّة التحكّم والسيطرة على دول المنطقة، أصبح بؤرة متوتّرة دائمة الاشتعال استدرجت تشكيل جبهة مقاومة بمحاور قوية لا تهدّد الكيان الغاصب وحسب؛ بل هي قادرة على تحدّي ومواجهة القوى الغربية الكبرى.
حسابات الميدان هي الفصل
كانت الإدارة الأمريكية إلى أمد قريب تمسك بمفاتيح التحكّم والإدارة، وتنظّم الأدوار وترسم المسارات العامة والخاصة للدول في المنطقة، ولكنها باتت تفتقد إلى الكثير من نقاط القوة التي تمكّنها من إبقاء سيطرتها على مجريات الأحداث. وما يجري اليوم على جبهتي غزة ولبنان مع السيف المصلت من إيران والعراق واليمن خير دليل على عجز واشنطن عن الإمساك بمقاليد الأمور وتثميرها لصالحها. وعلى الرغم من أن الأنظمة العربية والإسلامية تبدو اليوم خاملة بلا حراك إزاء ما يجري في فلسطين المحتلة من مجازر وتدمير وتهجير، إلا أن حسابات الميدان على محاور جبهة المقاومة أثبتت نجاعة الأثر، وأظهرت القدرة على كسر المعادلات وتحطيم قوالب الهزيمة التي ركن إليها معظم العرب. وستجد شعوب هذه الأنظمة نفسها مدفوعة في لحظة الانتصار إلى نقطة الاختبار الفاعل، خصوصًا مع بدء ظهور إرهاصات سقوط المشروع الصهيوني.
لعلّ هذا المعطى يشكّل الهاجس الجوهري الآخر عند المعسكر الغربي، وهو الذي قد يدفع نتنياهو إلى حافة الانتحار، ويقود الكيان المؤقت إلى الانهيار.
الولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيحركة المقاومة الإسلامية ـ حماسغزة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024