آراء وتحليلات
"الشبح" لا تحسم معركة.. والتوقعات من باطن الأرض وفوقها
سعى الصهاينة بأيديهم وأرجلهم لامتلاك الطائرة الحربية "أف 35" الأميركية المتطورة، والتي تسمى "الشبح"، ولا يمكن للرادارات رصدها ما بين السحاب، معتقدين أنه يمكنها حسم مصير المعارك على الأرض.. طائرة "الشبح" تلك وغيرها من الطائرات الحربية والطوافات وأساطيل البحار، ومنذ اختراعها وحتى اليوم لم تستطع حسم المعارك على الأرض، بل كانت عبر التاريخ اليد العليا لأصحاب الإرادة، أولاً، ولمن يستطيع حسم المعارك على الأرض، ثانياً، ولمن يعد العدة كاملة، ثالثاً.
منذ أن اخترع "تيودور الصقلي" المنجنيق في العام 399 قبل الميلاد، لم يستطع اختراعه حسم المعارك على الأرض، ولكن ما حسم المعارك التحام الجيوش وقوة المقاتلين وعزمهم وشدتهم. ولم يحمِ المنجنيق مقدونيا، آخر معاقل اليونان، عندما باتت جيوشها غير قادرة على التحكم بالأرض. فالتاريخ علمنا أن الأرض لمن يقاتل من أجلها ويحميها، وعبر التحام الجيوش المباشر في الميدان.. فلم يستطع الإغريق هزيمة "طروادة"، إلا عندما دخلوا حصونها المنيعة بالخديعة، فبنوا حصان طروادة الضخم، وهرّبوا بداخله جنوداً فتحوا الأبواب، بعد جولات كر وفر لعشر سنين.
وبعد اختراع المنجنيق سار العالم بخطوات توسعت باضطراد نحو تطوير السلاح، حتى اخترع سلاح الطيران والقنابل النووية والصواريخ البالستية والدقيقة وغيرها.. واليوم يمتلك الصهاينة واحدة من أهم الطائرات القتالية العالية التقنية وفخر الصناعة الأميركية، "الشبح"، "أف 35" التي تستخدم في قصف سورية المرة تلو الأخرى، بعد أن استطاع دفاع الجو السوري إسقاط طائرة "أف 16" في العام 2018. وهي التي ستستخدم في المعارك القادمة، ولكن هل يمكن لها أن تحكم السيطرة على الأرض؟ بالتأكيد كلا! إذ لا يمكن حسم معارك الأرض من السماء، هذا ما أثبتته التواريخ والمعارك والأيام لنا.
لم يستطع من سمي بـ"الحلفاء" هزيمة النازية خلال الحرب العالمية الثانية التي امتدت زهاء 6 سنوات، تبادل فيها الطرفان القصف الجوي من العام 1939 حتى العام 1944، لتنتهي الحرب بعد أن قاموا يومها بإنزال النورماندي في السادس من حزيران/ يونيو 1944، وابتدأ الهجوم السوفياتي على الأرض من الشرق، وخلال أقل من عام تمت هزيمة النازية في أيلول/ سبتمبر 1945، وانتهت واحدة من أكبر الحروب العالمية.
اليوم، لم يعد القتال مع الصهاينة حصرياً من فوق الأرض بل أصبح من فوقها ومن تحتها. خلال المراحل التاريخية حفرت الأنفاق تحت المدن، واستخدمت من أجل نقل الماء والمؤن لأهلها في زمن الحصار والذهاب للعمل في الأرض أو للهرب في حال اجتياح أسوار المدينة. تماماً كما استخدم الفلسطينيون الأنفاق ما بين الرفحين، الفلسطينية والمصرية، للتموين بالغذاء والدواء ونقل المرضى..
لكن عمل الأنفاق تطور اليوم وبات لها وظائف مختلفة، استفاد منها المقاتلون عبر التاريخ، وتعلم الفدائيون الفلسطينيون من تجارب المقاتلين من أجل الحرية في "فيتنام" ضد المستعمر الأميركي، والذين هاجموا جيوشه لسنين طويلة وأثخنوا به جسدياً ونفسياً، حتى انسحب ذليلاً من رأسه حتى أخمص قدميه في آب/ أوغسطس 1973.. كذلك بدأ المقاومون الفدائيون في لبنان باستخدام الأنفاق التي حفرت في الجنوب منذ بداية السبعينات.. وهذه الفكرة استفادت من فعاليتها المقاومات الفلسطينية في داخل فلسطين. ومنذ تحرير لبنان في العام 2000، وخاصة بعد انتفاضة الأقصى الثانية في أيلول/سبتمبر 2001، ابتدأ العمل على تطوير الأنفاق في الجانب اللبناني.
دخلت الأنفاق حيز معارك المواجهة مع الصهاينة بقوة في العام 2006، وأثبتت فعاليتها. وهنا نعود للحديث عن عدم فعالية سلاح الطيران. فبعد انتهاء حرب تموز 2006، ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى انتصاراتها، كانت نتائج القصف العنيف من البحر والجو دمارًا كبيرًا على الأرض، ومع ذلك سقطت نظرية رئيس أركان العدو دان حالوتس الذي هلل له الإعلام العبري يوم تعيينه لكونه آت من سلاح الجو وكتب "التوقعات من السماء".. فلم يحسم حالوتس المعركة بسلاحه الجوي، وانتصرت المقاومة في 2006 وثبت "رجال الله" في الميدان، وجاء انتصارها تتويجاً أولياً لجبهةٍ مقاومة تمتد عبر دمشق وبغداد إلى طهران، ومتكاملة مع بعضها بعضًا.
انتصرت المقاومة لأنها ثبتت في الأرض وقاومت بإرادة وعزيمة من فوقها ومن تحتها وبكل إيمان وبسالة، على الرغم من أنف الأميركيين الذين ساوموا الرئيس السوري بشار الأسد على دعم المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق أو احتلال دمشق، فكان على موقف سورية المبدئي في تحرير الأرض من الاحتلالات. وأخبرني أحد المطلعين، في كل مرة كان يسأل الرئيس الأسد إذا ما كانت المقاومة بحاجة لتدخل الجيش السوري، كان يقال له "ليس بعد". واليوم، وبعد أن نشرت المقاومة في لبنان مشاهد نفق "منشأة عماد 4" يمكننا أن نرى عظمة ما وصلت له هذه الجبهة المقاومة بشكل فعلي، وما يمكن أن يخبئه باطن الارض من مفاجآت وحمم ليلقيها على العدو إذا دقت ساعة الصفر.
صحيح أن خبر انتشار الأنفاق بات أمراً اعتيادياً، فنحن نرى نتائج إنجازاتها في حماية المقاومين في فلسطين خلال معارك طوفان الأقصى، وكيف مكنتهم من اختيار نقاط الاشتباك بدقة متناهية. ونعرف قبلاً أنه خلال معارك تشرين التحريرية في العام 1973، كانت مقاتلات الجيش العربي السوري تنطلق من أنفاق خفية تحت الأرض، إذ تحضرت القيادة لهجوم جوي صهيوني مباغت على طائراتها كما حدث مع مصر في العام 1967، ونعرف أن مراكز صناعة الصواريخ تقع في أماكن خفية تحت الأرض في سورية، وإيران، ولكن الخبر في لبنان عن "عماد4" كان أمراً هاماً جداً كي يعرف العدو الذي يتأبط شراً بلبنان ومقاومته، أن المعارك لا تربح من السماء أو عبر البوارج والسواعر وحاملات الطائرات، بل بثبات المقاومين والرجال الرجال من تحت الأرض ومن فوقها.
حزب اللهالمقاومةالأنفاقالطائرات الحربية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024