آراء وتحليلات
الاختراق الأوكراني في كورسك الروسية.. ماذا وراءه؟
على الرغم من التحذيرات، التي توالت عن تحضير القوات الأوكرانية لعملية هجومية في اتّجاه مقاطعتي كورسك وبيلغورود، التي طالما كانت مستبعدة كون هذا المحور هو شريان الغاز الروسي الحيوي الوحيد المتبقي العابر للحدود مع أوكرانيا باتّجاه دول الاتحاد الأوروبي الممتدة من صربيا إلى إيطاليا، فقد وقع الاختراق الميداني للأراضي الروسية في مقاطعة كورسك، الذي يعد الإنجاز الميداني الأبرز للقوات الأوكرانية منذ بدء الحرب.
وأشارت تقارير مراقبين إلى أن التوغل بدأ بمجموعات خاصة صغيرة متعددة ومتفرقة استغلت ثغرات الدفاع الروسي، وأسست رأس جسر لانتقال ما يزيد عن عشرة آلاف مقاتل إلى داخل الحدود الروسية، بمسافة تقدر بأكثر من 30 كيلومترًا، انتشروا بين القرى والبلدات، ليشكلوا خطرًا على المدنيين الروس، الأمر الذي استدعى حركة نزوح غير منظم كبيرة لأكثر من 150 ألف مواطن روسي اضطرّوا إلى إخلاء منازلهم. كذلك، فإن تموضع القوات الأوكرانية بين المدنيين الروس يعيق عمل القوات الروسية لاستعادة تلك المناطق.
وبحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن نظام كييف يسعى لتحسين مواقعه التفاوضية تنفيذًا لوصايا رعاته الغربيين، وتعطيل التقدم الروسي في منطقة الدونباس. وبعد وعده بتقييم ما حصل، حدد بوتين المهمّة الأساسية بطرد العدوّ من المناطق التي احتلها تزامنًا مع إجراء تحقيق في الأسباب، وتفعيل نظام مكافحة الإرهاب في مقاطعات كورسك وبيلغورود وبريانسك.
بيد أن ما يمكن فهمه من كلام الرئيس الروسي هو أن هذا التفاوض مرفوض مع من يقوم بمهاجمة المنشآت النووية، ولا سيما أن الخرق الأوكراني أصبح يشكّل تهديدًا متزايدًا لمحطة كورسك للطاقة الكهروذرية، التي أصيبت بهجوم طائرة مسيّرة انقضاضية بحسب المصادر الرسمية، ولم يشكّل الهجوم خطرًا على عمل المحطة، ولم يؤد لأي تسرب إشعاعي حتّى الآن. غير أن القوات الأوكرانية أصبحت على مسافة تقرب من 30 كلم من المحطة. وعلى ما يبدو، فإن نظام كييف ومن خلفه دول غربية يسعون للسيطرة على محطة كورسك الكهروذرية لجعلها ورقة تفاوض مقابل محطة زابوروجيا النووية التي تقع تحت سيطرة القوات الروسية.
وللمفارقة، فقد أشارت المصادر الميدانية إلى مواصلة تقدم القوات الروسية على عدة محاور على طول خط التماس في منطقة الدونباس. والاتّجاه الذي جرى فيه الاختراق كان يبدو خارج حسابات المواجهة، لأنه مرتبط بمصالح دول غربية تسعى لاستمرار حصولها على الغاز الروسي عبر أوكرانيا رغم الحرب الدائرة منذ 22 شباط/فبراير 2022.
كما يبدو للمراقبين، فإن الأوكرانيين قرروا اختراق الدفاعات الروسية الضعيفة في هذه الجبهة، مستغلين فترة التغييرات القيادية في الدفاع والقوات المسلحة الروسية، والتي طالت كبار المسؤولين الروس، وكذلك عملية التطهير الواسعة النطاق المستمرة في تلك الأجهزة. ومن غير المستبعد أن يكون الخرق الحاصل قد حدث نتيجة تسريب وخيانة عظمى أقدم عليها المتضررون من حملة التطهير داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، الذين كانوا يديرون الأعمال التجارية العابرة لخطوط الجبهة من الجانبين، والذين لا يزالون يملكون خيوطًا وموالين لهم داخل التشكيلات العسكرية الروسية.
وتخشى القيادة الروسية انتقال التهديد لمناطق أخرى غير كورسك مع مواصلة القوات الأوكرانية محاولاتها المدعومة من الغرب الهادفة لزعزعة استقرار الوضع السياسي وتهديد الجبهة الداخلية الروسية؛ ما يستوجب الاستعداد لأي تطوّرات للوضع لاحقًا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024