آراء وتحليلات
دول الطوق ولعنة الجغرافيا والرد المرتقب لجبهة الإسناد
بلغة المنطق القومي والعسكري والاجتماعي والديني والإنساني، يعد الكيان الاسرائيلي كياناً محاصراً من كل الجهات، بدول عربية إسلامية، كانت تحمل أشد العداء للكيان، وما زالت شعوبها كذلك وإن تغيرت الأنظمة باتجاهات سفلى من العداء، والذي يمكن أن يوصف اليوم بأنه أصبح في خانة الصداقة والولاء، مع الأسف الشديد.
إن دول الطوق كما باتت تعرف، تتشارك مع فلسطين وأهلها قيم الإنسانية والعروبة واللغة والثقافة وقبل كل ذلك الدين، لكن على ما يبدو فإنه لم يبقَ لهذه العوامل أي تأثير اليوم.
بالنظر إلى قطاع غزة، بل إلى كل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، نتساءل عن سبب فرض الحصار الإسرائيلي على غزة، لماذا لا يكون الكيان الغاصب هو الطرف الذي يعاني من الحصار وليس غزة.
كانت الجغرافيا تلعب دوراً محورياً في هذا السياق، ولكنها في الحالة الفلسطينية فقدت الشيء الكثير من هذا الدور، لصالح السياسة، وهي سياسية الانبطاح للعدو الإسرائيلي، تحت عناوين ما أنزل الله بها من سلطان، مثل اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة، وهي بأي حال من الأحوال لا تعني أبداً، السماح للكيان فرض حصاره المتوحش والنازي على أهالي القطاع الذين يتجاوز عدد سكانهم مليونين ونصف المليون إنسان.
لم تعد الجغرافيا، وما ترافق معها من عوامل الدين واللغة ووحدة الأرض والثقافة، قادرة على القيام بدورها، المفترض. قد نتفهم ذلك جزئيًا، في حالة حروب مثل سيف القدس ووحدة الساحات، وما قبلهما، فقد كانت حروباً قصيرة، وقليلة الدمار والقتل، نسبيًا، وسمحت مدتها القصيرة بغض الطرف عن كل هذه المحفزات للإسناد والإنقاذ، إن صح التعبير.
أما اليوم، وبعد عشرة أشهر من التوحش المدعوم غربيًا، بقيادة واشنطن، وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والدمار الهائل الذي لحق بقطاع البنية التحتية والمشافي والمدارس والمساكن المدمرة بنسبة تصل إلى 80 بالمئة وفق آخر التقديرات، فقد بات من غير المقبول إنسانياً وأخلاقياً ودينياً وقومياً، أن تبقى دول الطوق وما بعد الطوق، في حالة من الصمت والسكوت والتخاذل.
نعم، هذا غير مقبول، إلا أن الطامة لم تعد هنا مع الأسف الشديد، فقد تحولت الدول إياها إلى أسوار تمنع وصول أدنى أذى إلى الكيان الغاصب، ولأول مرة في التاريخ تكتب الصحافة الغربية عناوين من قبيل: الجيش العربي يدافع عن إسرائيل، لقد مثلت تلك الحالة صدمة كبيرة جدًا، للحيثيات المشار إليها آنفًا، وللمواقف العربية المؤكدة في قمة الخرطوم، واللاءات الثلاث، كيف تحولت هذه اللاءات في وجه فلسطين مع الأسف الشديد.
أي لعنة حلت بالجغرافيا العربية، لتتحول إلى سور يصد عمليات الإسناد الإيرانية واليمنية والعراقية لغزة بمواجهة الكيان الغاصب، هل ما تزال تلك الجغرافيا عربية فعلًا؟ نعم هي عربية، لكن قرارها لم يعد عربياً، أصبح بيد واشنطن، لمصلحة إسرائيل.
في خطابه الأخير، وبمرارة تحدث السيد القائد عبدالملك الحوثي، عن الأسوار وطبقات الدفاعات التي يجب على الصورايخ والمسيرات اليمنية أن تتخطاها، وتناور وتتخفى عنها، وهي عربية مع الأسف الشديد مجدداً.
كان سماحته يدرك جيداً من البداية، أن هناك حماية عربية للكيان، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولذلك حثهم وطلب إليهم، فقط أن "استمروا في الرقص والتصفيق، واتركوا الحرب لأهلها"، فلا هم اكتفوا بالرقص، ولا هم تركوا الحرب لأهلها، بل انخرطوا بكل قوة في الدفاع عن إسرائيل أكثر من دفاعهم عن أنفسهم، والجملة الأخيرة من كلام السيد الحوثي (حفظه الله).
الآن .. مع الأسف العميق.. يبدو أن إيران في حال نفذت ضربتها على الكيان، فإن دولًا عربية ستعتبر ذلك انتهاكًا لسيادتها، وهذا لَعمري لمن أشد نكبات ونكد الدهر، إن كانوا قد تخلوا عن واجب الدين والعروبة والجوار الجغرافي، فلماذا ينخرطون ضدها؟ هذه الجغرافيا التي كان يفترض بها أن تستقبل المجاهدين، وتفتح الحدود أمامهم ليعبروا إلى غزة وكل فلسطين فيقدموا الدعم والإسناد لأهلها وصولاً إلى تحريرها، أصبحت تستقبل الدفاعات والجنود الأمريكيين لحماية الكيان. والادعاء أن هذه اتفاقيات تعاون، هذا ليس صحيحاً، هي ليست اتفاقيات تعاون، وإنما تهاون، وتخاذل وتقاعس عن القيام بالدور الإنساني والقيمي والأخلاقي والديني.
لنا أن نتخيل الآن، أن مهمة الرد التي أشار إليها السيدان الجليلان العزيزان من صنعاء وبيروت، والبحث عن الهدف الحقيقي، واحد من أهم أسباب تأخر ذلك هو الجغرافيا. إنها اللعنة التي تحل على أهلها، بعد تخليهم عن واجبهم. للمرة الألف.. مع الأسف الشديد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024