آراء وتحليلات
النفاق الأميركي حول عدم توسعة الحرب: شراكة حتمية في دفع الأثمان مع "الإسرائيلي"
يقدم الموقف الأميركي نفسه منذ ما بعد عملية طوفان الأقصى على أنه معارض لتوسعة الحرب في الشرق الأوسط وأنه يضغط لمنع تحولها إلى حرب إقليمية، ويسعى لإبقائها في الحيز الجغرافي الميداني الحالي. لكن مجريات الأحداث المتسارعة تؤكد أنه كلما قفز "الإسرائيلي" خطوة أو خطوات تصعيدية إلى الامام تلامس حافة الحرب توفر له واشنطن الدعم العسكري والأمني والغطاء السياسي، في حين أنها لا تقوم فعليًّا بأي شيء من أجل منع التصعيد وتوسعة الحرب. ما هو موجود هو كلام سياسي - إعلامي فقط متناقض مع الوقائع الميدانية. حتّى استضافة بنيامين نتنياهو في الكونغرس كانت دعمًا مباشرًا له رغم شيوع السردية التي تتحدث عن تسببه بمشكلة في العلاقات الأميركية "الإسرائيلية" وتعطي أرجحية لإطالة أمد الحرب بسبب حسابات شخصية متصلة برئيس الوزراء الصهيوني. معنى ذلك أن هناك توزيع مهام أميركيًّا - "إسرائيليًّا" لتوفير تغطية زمنية للبرنامج التنفيذي المشترك الذي بدآه بعد ٧ أكتوبر.
يمكن الاستدلال بهذا الخداع الأميركي بالرواية المستقرة أن وزير الحرب "الإسرائيلي" أرييل شارون تعهد للرئيس الأميركي رونالد ريغن بعدما تجاوز نهر الأولي - صيدا، وهي آخر خط لمحافظة جنوب لبنان، بعدم اجتياح بيروت خلال غزو جنوب لبنان عام ١٩٨٢. لكن حصل عكس ذلك تمامًا، وتم اجتياح بيروت واحتلالها وتدمير جزء كبير منها وسقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين. ورغم الكلام عن معارضة أميركية ونكث "إسرائيلي" بالالتزام تجاه واشنطن فإن الذي حصل هو أن الولايات المتحدة شكلت بقيادتها قوة متعددة الجنسيات ونزلت إلى بيروت وصارت قوة محتلة إضافية تحاول حماية "اليوم التالي في لبنان" الذي تمثّل بانتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة لصيقة بواشنطن و"تل أبيب"، وفرض توقيع "اتفاق ١٧ أيار" لـ"السلام" اللبناني الإسرائيلي. وتولت واشنطن الإشراف على إدارة لبنان السياسية الجديدة مباشرة من خلال تموضع قوات المشاة البحرية الأميركية في بيروت والجوار واتّخاذها موقفًا طرفًا في الصراع الداخلي اللبناني ومشاركتها عبر المدمرة نيوجرسي وغيرها من القطع الحربية الأميركية بأعمال عدائية كبيرة مباشرة ضدّ فريق من اللبنانيين. كلّ هذا حصل والرواية الإعلامية الأميركية تقول إن أرييل شارون أخل بالتزاماته والولايات المتحدة كانت ترفض اجتياح العاصمة.
الآن تتكرّر نفس الخديعة لتمرير برنامج تنفيذي ممماثل؛ في السابق كان الهدف إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتشكيل سلطات دستورية جديدة في بيروت بمظلة أميركية "إسرائيلية" توّجها "اتفاق ١٧ أيار"، واليوم البرنامج المشترك يريد أن يقضي على حماس ويبني سلطة جديدة في غزّة. ويوغل "الإسرائيلي" في توحشه ويضع المنطقة على حافة الحرب لتنفيذ هذه الأجندة، فيما الأميركي يكرّر نفسه ويكرّر المفردات والمواقف التي يريد أن يسوق بها لنظرية نأيه بنفسه عن الأحداث، قبل أن يظهر عسكريًّا في الميدان على شاطئ غزّة بوصفه جسرًا إنسانيًّا لنقل المساعدات إلى الغزاويين إلى أن تتكشف الوظيفة العسكرية الأمنية للميناء العائم الذي ثبت بالدليل الحسي الشراكة الميدانية الأميركية في أدق تفاصيله خلافًا للمزاعم السياسية والإعلامية، تمامًا كما وجد الأميركي نفسه في قلب الميدان اللبناني بعيد اجتياح ١٩٨٢! مما يظهر تلك الوقاحة الأميركية في استغباء الشعوب، إلى أن وضعت منظمة سرية تطلق على نفسها اسم "الجهاد الإسلامي" حدًّا لهذا الإنزال الأميركي في لبنان وأخرجته من مسار "اليوم التالي في بيروت"، والذي أكملته انتفاضة السادس من شباط ضدّ الحكم الجديد في بعبدا برئاسة أمين الجميل.
لا يمكن لواشنطن أن تنفي علمها مثلًا بعمليتي اغتيال القائدين الكبيرين السيد فؤاد شكر والأستاذ إسماعيل هنية أو نفي أي تنسيق معها لتنفيذهما، فحتّى أقرب أصدقائها لن يصدقها ويقتنع أن "تل أبيب" تتجرأ إلى هذا الحد من الاستفزاز الذي لن يمر دون عقاب خارج السيناريوهات، والأنكى من ذلك أن واشنطن تتوعد بتوفير الحماية للكيان الصهيوني في حال معاقبته على هاتين الجريمتين التصعيديتين اللتين وضعتا المنطقة فعليًّا على حافة الحرب الكبرى وليس توسعة المواجهة الحالية فحسب.
الأرجح أن الأداء الأميركي بات مكشوفًا وسيل النفي الإعلامي والسياسي لا يغير في واقع الأمر شيئًا، والتورط الأميركي سيقود حتمًا إلى شراكة في دفع الأثمان مع الإسرائيلي، مع التذكير بأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت مكشوفة عشية اجتياح لبنان، في حين أن حركة حماس محمية اليوم بعد الله تعالى بمحور جهادي قوي جدًّا أثبت فعاليته في جبهات الإسناد الحالية لغزّة، والآتي أكثر بشارةً ونصرًا بالمشيئة الإلهية الحتمية.
الولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونياسماعيل هنيةفؤاد شكرالسيد محسن
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024