خاص العهد
إيطاليا قاطرة أوروبا للعودة إلى سورية
ما كادت الرسالة التي بعثت بها ثماني عواصم أوروبية إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل حول سورية والتي تضمنت العديد من الملاحظات حول سياسة دول الاتحاد الأوروبي تجاه دمشق وطرحها التساؤلات عن نتائج سياسة المقاطعة والعقوبات المنتهجة أوروبيًا ضدّ هذا البلد وإطلاقها توصية واضحة بضرورة إعادة التواصل المباشر مع دمشق وضرورة تعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي من أجل هذه الغاية، حتّى قرنت إيطاليا القول بالفعل من خلال إعلانها عن تعيين سفير لها في العاصمة السورية.
ماذا وراء هذه الخطوة؟ وهل كان لإيطاليا - الدولة الأوروبية ذات الثقل والتي تتمتع بعلاقات وثيقة مع واشنطن - أن تغرد خارج السرب الغربي منفردة، أم أن هذا السلوك ينطوي على موافقة أميركية ضمنية في ما يبدو أنه تغيير في مقاربة العلاقة مع هذا البلد بعد فشل إسقاطه؟
العلاقات السياسية قبل الأمن
يرى المحلل السياسي أسامة دنورة أنه ومنذ بداية انسداد الأفق أمام مشروع إسقاط الدولة السورية، بعد أن ذهبت الدول الأوروبية بقضها وقضيضها إلى خيارات جذرية في التعامل مع الأزمة السورية وإعلان القطيعة الدبلوماسية والسياسية الشاملة معها والانخراط في سياسة العزل والعقوبات الاقتصادية من جانب واحد ضدّها ومساهمة بعضها في دعم الإرهاب بغطاء سياسي أو عن طريق الدعم المباشر، بعد كلّ هذا كان لا بد لهذه الدول من تغيير المسار.
وفي حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري لفت دنورة إلى أن هذه السياسات برمتها أفلست، الأمر الذي جعل بعض الدول التي لم تنخرط في هذا المشروع بدرجة كبيرة أكثر قربًا من فكرة المبادرة إلى استعادة العلاقات مع سورية والمطالبة بذلك.
وأشار المحلل السياسي إلى وجود عدة عوامل سرعت في إنضاج هذا الأمر، أهمها: أزمة اللاجئين التي تتطلب في النهاية تحسيًنا للأوضاع الأمنية والاقتصادية على الساحة السورية من قبيل الانتهاء من موضوع المجموعات الإرهابية والتحرر من الاحتلالات الأجنبية ورفع العقوبات التي تتسبب في الهجرة الإنسانية ذات الطابع الاقتصادي، وأهمية التنسيق الأمني مع الدولة السورية، مشيرًا إلى مراعاة شروط سورية التي كانت تتحدث عن أن التنسيق الأمني لا يمكن إلا أن يكون موازيًا أو بعد استعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية ما بين سورية والدول الأوروبية.
ولفت دنورة إلى أن هذا الأمر هو في طريقه للتحقيق وهو يستدعي بالضرورة وجود مجال للتنسيق في ما يتعلق بالمجموعات الإرهابية لا سيما أن عددًا كبيرًا من هذه المجموعات الإرهابية موجود اليوم على شكل خلايا نائمة ضمن أفواج من اللاجئين الذين ذهبوا إلى القارة الأوروبية دون أن يعني هذا بحال من الأحوال وجود تعاون أمني حالي في ما يتعلق بهؤلاء الإرهابيين، كما أنه لا يعني بحال من الأحوال كذلك أن هنالك تطابقًا أو تقاربًا في الرؤية السياسية ما بين هذه الدول والدولة السورية التي تتواصل من موقع الحوار النقدي والاختلاف من دون أن يقودها هذا الاختلاف إلى أساليب تخرق من خلالها القانون الدولي وتنتهك سيادة الدول.
ولفت دنورة إلى أن التوافق في ما يتعلق بمحاربة المجموعات الإرهابية التي سبق أن دعمتها الكثير من هذه الدول الغربية بشكل أو بآخر سوف يكون متاحًا لاحقًا إذا استمر هذا المسار التقاربي أو أعيد وصل ما انقطع من الدول الأوروبية مع الدولة السورية، مشيرًا إلى أن الجميع أمام مرحلة جديدة تعتبر بشكل أو بآخر مكملة لمرحلة سابقة تميّزت بعودة العلاقات السورية مع الدول العربية، كما أنه من الممكن القول بأن المقاربة لا ترتبط فقط بأزمة اللاجئين بل بما يتعلق أيضًا بغياب الدور السوري عن منطقة الشرق الأوسط بعدما أصبح ملحوظًا من قبل الأطراف الغربية أنه دور مفتقد والدولة السورية التي كانت تتمتع بعلاقات تواصل جيدة مع جميع الأطراف الدولية كانت دائمًا تلعب دور صمام أمان وتتيح فرصة ألا تكون الصراعات مسدودة الأفق أو ذات محصلة صفرية في ما يتعلق بتطورها المستقبلي خاصة وأن المنطقة اليوم تشهد نوعًا من التأزم وقابلية التصعيد بين بعض أطرافها دون وجود أفق واضح للحل الوسط في ظل انعدام التواصل بشكل فعال بين الطرف الغربي وطرف جبهة المقاومة.
وشدد المحلل السياسي على أن الدولة السورية ومن واقع انتمائها المتجذر في جبهة المقاومة وموقعها المركزي فيها من جهة وعلاقاتها التاريخية مع الدول الأوروبية التي يحكمها القرب الجغرافي والتواصل الحضاري من جهة أخرى، مؤهلة تاريخيًا للخروج من الطرق المسدودة في المواجهات التي كانت تحدث في هذه المنطقة مشيرًا إلى أن جميع هذه العوامل لعبت دورًا في نضوج فكرة عودة العلاقات مع سورية في ما بدا من المؤكد أن حالة القطيعة لا يمكن لها أن تستمر مع دولة مثل سورية بثقلها الجيوبوليتيكي والسياسي والحضاري والتاريخي.
وختم دنورة حديثه لموقعنا بالتأكيد على أنه كانت هناك مراحل طويلة من سياسة الإنكار لهذا الدور وهذه الأهمية ومراحل طويلة من سياسة الإنكار لفشل المؤامرة التي استهدفت فيها سورية، واليوم بدأت هذه السياسات بالتلاشي والإضمحلال والاهتزاز على خلفية دور بعض الدول التي لم تكن ضالعة بدرجات عالية من التآمر على سورية والتي انخرطت بشكل أو بآخر في الاتّجاه العام الذي قادته الدول الاستعمارية المعروفة لكنّها اليوم هي التي سوف تقوم بدور البادئ في استعادة التواصل ما بين سورية وهذه الدول الغربية.
أسباب داخلية وموافقة أميركية
من جانبه، وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري، يرى المحلل السياسي عدي حداوي أنه وبالنظر إلى المكانة التي تتمتع بها إيطاليا كدولة أطلسية تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع والحلف الوثيق الذي يربطها مع واشنطن فإنه لا يمكن تقبّل فكرة أن تكون خطوتها باستعادة العلاقة مع سورية بعيدة عن الموافقة الضمنية الأميركية مشيرًا إلى أن هذا هو نهج واشنطن المتبع في استعادة العلاقات مع الدول حيث تغضّ النظر بداية عن انفتاح حلفائها عليها قبل أن تقوم هي بذلك لاحقًا.
وختم حداوي حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن صعود اليمين الأوروبي في صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة شكّل كذلك عاملًا ضاغطًا في هذا الإطار لافتًا إلى أن أحزاب اليمين قد تزيد مشاركتها في صناعة القرار الأوروبي خاصة وأن لها حساسيتها الخاصة لموضوع الهجرة الشرعية واللاجئين.