آراء وتحليلات
تحالف دول الساحل.. تحالف إفريقي بدعم روسي
عُقدت في 16 أيلول/سبتمبر من العام 2023 اتفاقية تعاون دفاعي مشترك ما بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وخلال أقل من سنة، وفي السادس من هذا الشهر تموز/يوليو تطوّرت اتفاقية التعاون لتصبح تحالفًا كونفدراليًّا يعرف بـ"تحالف دول الساحل". وكانت بدأت في العام 2021 سلسلة من الانقلابات في الدول الثلاث، التي شكلت النواة التي انفصلت عن تحالف إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، والتي كانت تسيطر عليها فرنسا سياسيًا واقتصاديًا وحتّى عسكريًا. وتم خلال السنتين التاليتين على التوالي طرد القوات الفرنسية من هذه الدول، ومن ثمّ طُرد في نهاية شهر نيسان/إبريل من العام الحالي القوات الأميركية من النيجر. ويرى الغرب أن ما جرى هو مجموعة من الانقلابات العسكرية على الأنظمة المنتخبة "ديمقراطيًا" والموالية لهم، فيما يجري التلويح بأن هذه الانقلابات كانت مصلحةً روسيةً، فيما تعتبر الدول التي استقلت عن إيكواس وما يمثله، أنها ابتدأت مرحلة الاستقلال الحقيقية عن الغرب.
مرحلة الاستقلال الحقيقية عن الغرب باتت حقيقة، ونتائجها باتت ملموسة، فبحسب تقرير صادر عن بنك التنمية الإفريقي في 18 حزيران/يونيو، فإن إفريقيا تهيمن على قائمة 20 أسرع نمو اقتصادي في العالم. وتعدّ النيجر في مقدمة هذه الدول. وهو تقرير ملفت وملحوظ خاصة وأن النيجر تسير بخطى سريعة نحو تطوير اقتصادها ونموها منذ الانقلاب الذي حدث فيها في العام الماضي. ومع ذلك يواصل الإعلام الغربي بشكل عام والفرنسي بشكل خاص تصوير أوضاع هذه الدول الثلاث على أنها تبدو اليوم مأساوية، ومنها قناة "فرانس 24"، التي كتبت عن التحالف الساحلي الجديد الذي نشأ في 18 الشهر الماضي وعن خطر الإرهاب والفقر الذي تعيشه هذه الدول. ومع ذلك، ومن خلال ما كتب، يمكن استشفاف الاستياء الذي يشعر به الأفارقة بسبب السياسة الاستعمارية الفرنسية والأوروبية والتي تنظر إلى إفريقيا وكأنها بقرة حلوب للفرنسيين وأن مصادرها الطبيعية هي ملك لهم. ويقول إبراهيم تراوري رئيس بوركينا فاسو منذ الانقلاب في 30 أيلول/سبتمبر 2022 : "هؤلاء الإمبرياليون ليس لديهم سوى عبارة مبتذلة واحدة في رؤوسهم: إفريقيا بالنسبة لهم هي امبراطورية العبيد".
وفي إطار المصلحة الإفريقية المبتغاة، فإن الهدف من وراء إنشاء الاتحاد هو اقتصاديّ إلى جانب كونه تحالفًا عسكريًا. ومع ذلك، يعمل التحالف على تنسيق تجميع الموارد لبناء بنية تحية للطاقة والاتصالات، وتمكين التصنيع والانتاج المحلي والاستثمار في قطاعات الزراعة والمناجم والطاقة وإنشاء سوق مشتركة، وإنشاء عملة نقدية موحدة لمنطقة الساحل، أضف إلى ذلك السماح بحرية تنقل الأشخاص ما بين دول التحالف الكونفدرالي، مع هدف مستقبلي بتوحيد الدول المنضوية تحت التحالف. وقد حاول الرئيس السنغالي المنتخب حديثًا، باسيرو ديوماي فاي، عقد لقاء من أجل إصلاح الخلل ما بين الدول الثلاث وإيكواس. لكن بعد اللقاء، صدر من تراوري كلام حاد جاء فيه: "هكذا يرون إفريقيا. بالنسبة لهم [أي للغرب] هي [إفريقيا] ملكهم، أراضيها وباطن أراضيها ملك لهم، وهم لم يغيروا طريقة تفكيرهم حتّى هذا اليوم". ثمّ وصف تراوري دول إيكواس بأنهم "عبيد المنازل"، الذين يهتمون بالمصالح الغربية الاقتصادية أكثر من اهتمامهم بمصالح مواطنيهم، مع أن فاي كان قد أعلن عن نيته بالتخلص من سيطرة الاستعمار الفرنسي في بلاده خلال حفل تسلم منصبه.
بالعودة إلى كلام "فرانس 24"، المرتبط بالتحذير من الحركات الإرهابية المنتشرة في الدول الثلاث وخاصة في شمال مالي، وبالحرب ضدّ الإرهاب التي قادتها القوات الفرنسية والأميركية وبمساندة من الأمم المتحدة، فحتّى اليوم لا يبدو أن هاتين الدولتين قد قامتا بجهود حقيقة سوى الدفاع عن مصالحهما ومنشآتهما في إفريقيا، ولم يتم فعليًا خلال حرب استمرت لأكثر من خمس سنوات القضاء على الظاهرة التي غذاها الغرب في دول عدة من العالم بهدف السيطرة باسمها وباسم إقامة التحالفات ضدّها. واليوم، قررت الدول الثلاث المؤسسة لتحالف دول الساحل من جديد قيادة الحرب ضدّ الإرهاب بنفسها، وما يقلق الغرب أنها تعمل اليوم إلى جانب قوات فاغنر الروسية وبدعم منها من أجل تدريب وتنظيم وتسليح قوات الفيلق الإفريقي المنشأ من أجل حماية دولهم.
القلق من تواجد قوات فاغنر والتي تتولى تدريب وتسليح جيوش دول الساحل الثلاث، هو في أصله قلق أميركي وفرنسي من نمو النفوذ الروسي بعد خروج القوات الأميركية من مطار ميامي في الرابع عشر من الشهر الماضي، وإعلان الرئيس تراوري الحرب على الإرهاب. حرك تراوري لتحقيق ذلك جموعًا من عشرات آلاف المتطوعين من الدول الثلاث للانضمام للمعركة. وبحسب موقع "نيوز ري" الروسي، الذي نقل في الثالث عشر من هذا الشهر، عن وزير دفاع مالي، عبد الله ديوب، فإن التحالف سيكون عبارة عن مزيج من الجهود العسكرية والاقتصادية للدول الثلاث، وأن الأولوية بالنسبة لهذه الدول في المرحلة الحالية مكافحة الإرهاب. وبحسب موقع الجزيرة، فإن موسكو شجعت على التوقيع على إنشاء ميثاق التحالف، وحضر مفاوضات ممثلي الدول الثلاث لتحقيق الهدف وفد من وزارة الدفاع الروسية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، ونوقش خلالها التعاون العسكري التقني ما بينها من جهة وما بين روسيا من جهة أخرى.
دعم روسيا في المجال العسكري للتحالف الجديد لقي ترحيبًا في الأوساط الروسية، فقد رحب عضو الدوما (مجلس الشعب الروسي)، سيرغي التوخوف، بإعلان اتحاد كونفدرالي لدول الساحل في إفريقيا، الأمر الذي لن يسهل فقط مهمّة الفيلق الإفريقي التابع لاتحاد دول الساحل ومجموعة فاغنر في تحقيق الاستقرار في المنطقة، بل سيكون دعمًا من أجل وصول هذه الدول لمواردها المعدنية، وأكد أن روسيا ستستفيد من رواسب الذهب في مالي وبوركينا فاسو، والتي يمكن أن تصبح مصدرًا إضافيًا لتمويل الإنفاق العسكري الروسي، كما أن احتياطيات اليورانيوم في النيجر ستؤمن جزءًا من احتياجات الطاقة النووية الروسية.
هذا الكلام بالنسبة لأوروبا وأميركا معناه تزايد النفوذ الروسي عبر التحالف الساحلي وهو يعبر عن دعوة لدول الساحل الإفريقي الغربي للانفصال عن إيكواس، وهذا مصدر قلق للقوتين المتهالكتين في إفريقيا. وفي المقابل فإن روسيا تعتبر ذلك استثمارًا بالنسبة لها وللدول الثلاث، خاصة في مجال تطوير البنى التحتية وأهمها الكهرباء والصناعة والزراعة. ويعد إنتاج الكهرباء حاجة ماسة بعد أن قامت نيجيريا بقطع الكهرباء عن النيجر، على سبيل المثال، في محاولة فرنسية لليّ ذراع الأخيرة وإعادة السيطرة عليها. ومن الواضح أن الدول التي انفصلت عن إيكواس ماضية في تقرير مستقبلها وحدها وبقرار وطني على ما يبدو حتّى الآن.
روسياالولايات المتحدة الأميركيةفرنساافريقيابوركينا فاسوماليالنيجر
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024