آراء وتحليلات
تحالف دول الساحل.. بين التحديات والإمكانات
تطور لافت من شأنه أن يترك تداعياته الإقليمية على مستوى الخارطة الجغرافية للقارة الأفريقية بمختلف مجالاتها، في اثر إعلان كلّ من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مطلع تموز الجاري، توقيع معاهدة عُرفت باسم "تحالف دول الساحل" بهدف تشكيل "اتحاد كونفدرالي" يضمّ الدول الثلاث التي شهدت انقلابات عسكرية متتالية، كان آخرها ما شهدته النيجر من انقلاب تموز 2023م، والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم وأجبر من خلاله الجيش الفرنسي على سحب قواته منها نهاية العام الماضي، على غرار ما شهدته مالي في العام 2020م، وبوركينا فاسو في العام 2022م.
اللافت في هذا التوجّه الذي تبنته عواصم الدول الثلاث المحكومة من المجالس العسكرية، يكمن في الدرجة الأولى بإعلان هذه الدول خروجها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والمعروفة بـ"إيكواس" قبل أيام من اجتماع هذه المجموعة في العاصمة النيجرية "أبوجا"، والتي كان من المقرر أن تشهد طرح عملة "إيكو" الموحدة في التداول بين أعضائها، ما جعل هذه المجموعة التي تضم خمس عشرة دولة أمام خطر التصدع والانفكاك.
أما التطور الثاني هو تبني الدول الثلاث قرار تشكيل الاتحاد الكونفدرالي في ظل فشل كلّ التجارب والنماذج الإفريقية السابقة، والتي كان أبرزها "اتحاد الدول الإفريقية" الذي ضم غانا وغينيا عند تشكيلها في العام 1958م قبل أن تنضم إليها مالي بعد ثلاثة أعوام وقبل الإعلان عن تفكك الاتحاد بعامين أي في العام 1963م. ويتمثل هذا التطور في سحب استثمارات مجموعة الإيكواس من هذه الدول، والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، وهو ما قد يعرضها لخطر نشوب أزمات اقتصادية تتفرع عنها أزمات اجتماعية وأمنية وسياسية.
مع أن هذا الإعلان ليس بجديد، وتعود جذوره إلى شهر أيلول 2023م، بعد تلويح إيكواس بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الأوضاع لما كنت عليه قبل 26 تموز 2023م، وحلّ المجلس العسكري، إلا أنه يواجه تحديات عدة، تبرز في ما يلي:
- مساعي دول الأخرى في مجموعة الإيكواس لإفشال هذه التجربة، نتيجة خشيتها في حال نجاح هذا الاتحاد _ الهادف للتخلص من كلّ أشكال الوصاية الغربية وتحقيق السيادة الوطنية عبر استثمار الإمكانات الوطنية من اندفاع المزيد من الدول نحو تشكيل اتحادات مثيلة أو الانضمام لهذا الاتحاد، فضلًا عن تجرؤ القوات العسكرية بباقي دول ايكواس والبالغة 12 دولة بخطوات جريئة للقيم بانقلابات مثيلة لما حصل في الدول الأعضاء للاتحاد الجديد.
- لجوء الدول الغربية، ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وباقي أعضاء ايكواس، لتبني إجراءات وسياسات، قد تصل إلى مرتبة فرض عقوبات اقتصادية قاسية وتغذية الصراعات الداخلية، لعدم تحقيق الأهداف المنشودة لهذا الاتحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم توسع نفوذ الدول الصاعدة، ولا سيما روسيا والصين في هذه الدول عبر استثمارات اقتصادية واتفاقات عسكرية تحدّ من هيمنة نفوذ الغرب وتأثيره فيها.
- العامل الثالث والبارز يكمن في قدرة الدول الثلاث على إحداث توازن داخلي في ما بينها، يضمن عدم حصول تفاوت يسمح لدولة دون أخرى، الإفادة من هذا التكتل لتعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها، وهو ما يتطلب الاتفاق على تقاسم السلطة بشكل متداول، والتمويل والإيرادات وفقًا لصيغة متفق عليها.
مقابل هذه التحديات، لا يمكن أن نغفل وجود عوامل ومؤشرات وظروف تتيح لهذه الدول، في تقديم نموذج يحتذى به من خلال تحالفها الذي اُتفق في أن تتولى مالي رئاسته خلال العام الأول، ويمكن ذكر أبرز هذه المؤشرات في ما يلي:
- تمتلك الدول الثلاث قوة بشرية يفوق عددها مجتمعة، 74 مليون نسمة، يمكن استغلالها في المجالات العسكرية والصناعية والزراعية، بشكل يساعدها في بناء قوة عسكرية واقتصادية فريدة، في ظل امتلاك هذه الدول لثروات باطنية خام؛ مثل الفوسفات والحديد واليورانيوم والمنجنيز والذهب.
- تعاني الدول الثلاث من تداعيات فرض العقوبات الاقتصادية ومحاولة تطبيق حظر سياسي وعسكري عليها من مجموعة الإيكواس والدول الغربية. وهذه الظاهرة، قد تدفع عواصم الدول المتحالفة للتعاون بهدف التخلص من هذا التهديد، سواء من خلال تبادل الخبرات والإفادة من البنى التحتية في كلّ دولة أم من خلال البحث عن شركاء دوليين جدد يسهمون في النهوض بواقع التنمية المستدامة في هذه الدول.
- هناك عوامل إيديولوجية تتسم بها الدول الثلاث المتحالفة، من أبرزها الحقد على السياسة العنصرية الفرنسية التي مورست تجاههم واستنزفت مقدراتهم وثرواتهم. كما أن هذه الدول تشترك بخاصية حكمها من المجالس العسكرية، فضلًا عن تشابه التحديات والمخاطر الأمنية المحيطة المهدّدة لهذه الدول الثلاث، والتي يعد الإرهاب وانتشار السلاح والمخدرات من أبرزها.
دول القارة الإفريقية اليوم بحاجة بشكل جدي للبحث عن مسارات وطرائق وآليات تنهض بها من صفاف الدول المتخلفة التي تشهد صراعات ونزاعات، بمختلف أشكالها وتعبيراتها المتوحشة نتيجة الفقر والفساد والفوضى والإرهاب وتدفق السلاح والمخدرات والتدخل الخارجي. وقد يكون ما قامت به الدول الثلاث من تشكيل اتحاد في ما بينها أحد المسارت النهوض بالواقع القائم، وخاصة إن كان هدف هذا التحالف هو مصلحة الدول الإفريقية وشعوبها، وليس الاستبداد بالسلطة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024