معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

بايدن بين أحلام اليقظة والأخطاء المتكرّرة
16/07/2024

بايدن بين أحلام اليقظة والأخطاء المتكرّرة

كيف يمكننا أن لا نضحك ونحن نستمع للرئيس الأميركي، جو بايدن، وهو يقدم رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلنسكي على أنه "الرئيس بوتين"، رئيس روسيا. حدث ذلك عندما كان بايدن يتحدث خلال مؤتمر صحفي رسمي في واشنطن، منذ أسبوع تقريبًا، تم فيه تقديم مساعدات الناتو مجتمعة لإذكاء الحرب الأميركية - الروسية في أوكرانيا.  كيف يمكننا أن لا نضحك ونحن نرى زيلنسكي وهو يستجيب لاعتذار بايدن، الذي برر أن خطأه هو نتيجة تركيزه على هزيمة بوتين، وليس على أنه كان تائهًا في عالم آخر غير الذي هو فيه. 

ردة فعل زيلنسكي الطفولية كانت أسوأ من هفوة بايدن، والتي جاء فيها: "أنا أفضل منه!"، فرد بايدن "بالتأكيد أنت أفضل منه بكثير!".

لا يمكننا أن نرى في تلك اللحظة سوى جد يداعب حفيده: أنت أفضل منه حبيبي! أنت أفضل منه بكثير وأنا أعترف لك بذلك! ففي حين يحاول الرئيس بوتين أن يبني دولته القوية على أسس التطور العلمي وأن يحافظ على حدودها ويبني التحالفات القوية مع الدول المحيطة به من خلال تنظيم وتقوية روسيا الاتحادية والدخول في تحالفات بريكس وشنغهاي من أجل تغيير النظام العالمي الأحادي والعمل على بناء نظام جديد يكون فيه متسع للجميع، وضمن التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يزخر به العالم، عوضًا عن فرض قيم أحادية غربية وغريبة على العالم، يبادر زيلنسكي الصغير بأخذ بلاده نحو الخراب. ولهذا جاء تعليق بايدن الذي برر به لنفسه خطأه الفظيع، "الرئيس بوتين، أنا تركيزي منصب على هزيمة بوتين". بهذا يبرر بايدن شروده الذهني والتباس الأسماء عليه. 

بالتأكيد ليست المرة الأولى، التي تلتبس فيها قراءة الأسماء على رئيس في أي مكان في العالم، كما أظهر تقرير لـ CNN محاولةً تبرير خطأ بايدن، الذي ينحصر تركيزه اليوم على تحقيق انتصار خلال الشهرين القادمين، وليس أمامه سوى العزيز زيلنسكي لتحقيقه وهو الأمل المتبقي له من أجل الحفاظ على موقعه حتّى وإن تطلب ذلك تقديم أوكرانيا قربانًا على مذبحه.

ولذا، جاء رد بايدن "أنت أفضل منه بكثير". فزيلنسكي ما زال يؤمن بأن رئيسًا منهكًا، عفوًا "عظيمًا"، مثل بايدن يقف وراء الحرب المشتعلة في بلاده، سيحافظ على مكانته وسيأتيه بالانتصار. يبدو الأمر وكأن بايدن يشجع الأوكراني الصغير على المغامرة بقتال الدب بيدين عاريتين ليثبت شجاعته، حتّى يأتي يوم قريب يكتشف فيه أن القوّة الحقيقية التي تملكها روسيا هي في شعبها المتأصل في أرضه، وأن القضية ليست بوتين فقط كما يحاول الجد تصويرها. وبذا لربما بعد الحرب قد تستطيع أميركا ضم الجيش الأوكراني المبعثر والمرتزقة التي أرسلتها من بقاع أوروبا البيضاء، لأن أميركا لم يكن بإمكانها أن تغامر وترسل ذوي الأصول الإفريقية أو اللاتينية أو الشرق أوسطية وتدعي أنهم أوكرانيون فيفتضح عمق تدخلها في الحرب. فبفضل زيلنسكي استطاعت أميركا إعادة تشغيل شركات المرتزقة في العالم، والمرتزقة الذين بفضلهم بنى المؤسسون الأوائل أميركا هم حالة طبيعية تحاول دائمًا تغذية مصادرها. وفي اللحظة التاريخية التي تخسر فيها أوكرانيا الحرب، لا أحد يعلم إذا ما كان زيلنسكي سيدري أم لن يدري ما اقترفته يداه بدخول الحرب المروعة، التي انخرط فيها بغباء لصالح دول هرمة، وخاصة لجهة التهجير الجماعي لأجيال شابة خسرتها أوكرانيا لصالح أوروبا العجوز.

لذلك، زيلنسكي، أنت أفضل من بوتين بكثير، لأنك تؤمن بأن بايدن أفضل من ترامب وأنت اليوم ورقته "شبه الرابحة"، فأنت تعرف أنه عليك التحرك وبقوة وسرعة لتسابق الزمن، وأنت تعرف أن نهايتك ستأتي مع دونالد ترامب، ولذلك ستحاول أميركا مع أصدقائها الأوروبيين التخلص منه بانتصار أنت ستحققه، لأنه إذا عاد ترامب فالحرب ستنتهي لصالح روسيا. ولأنك، زيلنسكي، رجل صغير والصغار لا يمكنهم الوقوف وحدهم، فهم بأمسّ الحاجة للمساعدات والاستشارات التي ترسلها الناتو من الأموال والأسلحة والتي ستبيعها أنت لصالح حسابك الخاص. لقد استطاعت أميركا بفضلك أن تثبت للعالم أنها تستطيع أن تفعلها مرة أخرى في أوكرانيا فتقود حروب الوكالة لمصلحة أميركا كتلك التي افتعلتها بدعم الإرهاب خلال قيادة الرئيس السابق باراك أوباما ضدّ أعداء أميركا في الشرق الأوسط وأسقطت دولها في مهب الإرهاب التكفيري، لمجرد أنها دول وقفت ضدّ الاحتلال الأميركي وقرارات البنك الدولي ومنعتهما من اللعب بمصير بلادها. ولكن انتبه، أميركا خسرت حروبها وستسجل هذه البلاد انتصاراتها عبر تاريخها المقاوم. وانتصارك المتأمل به بايدن، جعله يذهب في عالم الخيال ليرى أن احتمال انتصاره في بلادك سيمكنه من أن يعيد فعلته في تايوان وأهلها ويحارب بهم الصين على أمل التخلص من منافَستها. 

هذا ما جعل بايدن شاردًا أو متأملًا أو ناسيًا! وما جعله يقول عند تسليم المنصة ليتحدث إلى الصحافيين خلال اجتماع الناتو الأخير في الأسبوع الماضي: "الآن أريد أن أسلمها [المنصة] لرئيس أوكرانيا الذي يتمتع بقدر كبير من الشجاعة والإصرار، سيداتي وسادتي، الرئيس بوتين". لقد عبّر بايدن عن مخاوفه فعليًا، لأن بوتين يملك الشجاعة والإصرار. ومنذ لقاء بوتين مع تاكر كارلسون على منصة إكس، وفي مناسبات عدة ومنها بعد خطابه الذي ألقاه بعد الانتخابات الروسية، قام بالتذكير بتاريخ روسيا وأن شرق أوكرانيا كان جزءًا من روسيا وحتّى أن معناها هو روسيا الصغيرة، وهو مصر على استعادة ما هو لروسيا في الأساس. 

خطأ بايدن بمناداة زيلنسكي باسم بوتين لم يكن الخطأ الوحيد خلال قمة الناتو الأخيرة، ففي مقال نشرته النيويورك تايمز، وخلال سؤال لمراسل رويترز حول إذا ما كان بايدن قلقًا من عدم قدرة كامالا هاريس على الفوز في حال ترشحت عوضًا عنه، أجاب بايدن أن نائبة الرئيس ترامب قادرة على الفوز ولذلك اخترتها نائبة لي. وهنا نؤكد على التأنيث لشخص هاريس بعد أن سماها باسم ترامب. جواب بايدن جاء في نهاية قمة الناتو في العاصمة واشنطن. ونقلت الخطأ الذي وقع فيه بايدن بحق زيلنسكي جميع المواقع الأميركية ومنها موقع مجلة التايم والتلغراف واكسيوس وذا هيل و... وغيرها، حتّى أن موقع ترامب على سوشال تروث، كتب حول خطأ بايدن "عمل عظيم يا جو!". إذ يبدو أن اختلاط الأسماء على جو بات أمرًا يتكرّر.

لقد أخطأ بايدن في حضرة 23 زعيمًا من قادة الناتو والصحافة معًا، ولذا يمكننا فهم الضجة الكبيرة التي أثارها كبار القياديين في الحزب الديمقراطي ومنهم هيلاري كلينتون وباراك أوباما. وأوردت التليغراف أن جيم هايمز، كبير الديمقراطيين في لجنة المخابرات بمجلس النواب، أكد أنه يجب على الديمقراطيين أن يقدموا: "أقوى مرشح ممكن" للتغلب على ترامب، وأنه "لم يعد يعتقد أنه سيكون جو بايدن". كما أن عددًا من الديمقراطيين كشفوا لمحطة أخبار CBS أنه بات من المستحيل إبقاء بايدن في السباق الرئاسي. فهل لدى الديمقراطيين مرشح يمكنه اجتياح ترامب، الذي كان خروجه من المشفى بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها السبت الماضي، للتحدث إلى مناصريه المتجمعين لتحيته، أقوى من أي خروج له في أي من اللقاءات الشعبية المفتوحة خلال جولاته الانتخابية، والذي يبدو أنه يسير نحو البيت الأبيض بخطى ثابتة خَطّتتها عنجهية بايدن له أكثر من أي سبب آخر.

الولايات المتحدة الأميركيةجو بايدن

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل