الخليج والعالم
عاشوراء العراق .. هتافات "يا حسين" تملأ الآفاق
مع انقضاء اليوم الأخير من شهر ذي الحجة والدخول في الليلة الأولى من شهر محرّم الحرام، تنطلق مسيرة العزاء والعشق الحسيني الواسع في العراق من أقصاه إلى أقصاه، لتمتد وتتصاعد وتيرتها وتبلغ الذروة في العاشر من محرّم، من دون أن تنقطع أو تتوقف حتى موعد زيارة الأربعين، أو أبعد من ذلك بقليل، أي حتى نهاية شهر صفر، حين تحلّ ذكرى استشهاد الرسول الأكرم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وحفيده الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
الرايات السوداء بدلاً من الحمراء
لعل رفع الرايات السوداء فوق قبة ضريح الإمام الحسين وقبة ضريح أخيه العباس -عليهما السلام- تمثل نقطة الشروع بموسم العزاء الحسيني، ومعها تعلو هتافات وصرخات "ياحسين"، في كل مكان لتملأ الافاق. ولا يقتصر رفع هذه الرايات السوداء على قبتي ضريحي الإمامين في كربلاء المقدسة؛ بل إن الشيء نفسه يحصل في مدينة النجف الأشرف، حيث ضريح أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- وفي الكاظمية المقدسة حيث ضريحي الإمامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد- عليهما السلام- وفي سامراء المقدسة حيث ضريحي الإمامين علي الهادي وولده الإمام الحسن العسكري -عليهما السلام- واكثر من ذلك؛ الرايات السوداء ترتفع في مختلف المراقد والأضرحة الدينية والمساجد والحسينيات، فضلاً عن اتشاح الشوارع والأزقة والمباني والبيوت بالسواد، لترتسم صورة حزن عاشورائية معبّرة.
مجالس العزاء
منذ الليلة الأولى لشهر محرّم الحرام، تبدأ مجالس العزاء الحسيني بالانعقاد في المساجد والحسينيات والمراقد والأضرحة والمواكب والهيئات الحسينية، وحتى البيوت. وعلى وجه العموم؛ غالبية الناس، سواء من الرجال أو النساء أم الصبيان والفتيات والأطفال، يحضرون مجالس العزاء.
تتضمّن تلك المجالس تلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم قراءة زيارة عاشوراء، بعدها يرتقي المنبر الخطيب الحسيني ليتناول أبعادًا وجوانب من واقعة الطف، وما سبقها وما تبعها من وقائع وأحداث، وربطها بمجريات الواقع الحاضر، وكيفية استلهام الدروس والعبر الإنسانية منها، لأجل تحصين المجتمع ورفع مستوى وعيه وثقافته. وبعد المحاضرة الحسينية؛ يرتقي المنبر الرادود الحسيني ليثير في ما يقرأه من قصائد، بالفصحى أو العاميّة، مشاعر الحضور ووجدانهم، ويجعلهم يعيشون مأساة كربلاء بكل تفاصيلها وجزئياتها.
بعض المجالس الحسينية تنتهي عند ذلك، وبعضها الآخر تكمل برامجها بمواكب الزنجيل والتشابيه والمشاعل، علمًا أن كل ليلة من الليالي العشر تخصص لواحد من رموز واقعة الطف، ليركز الخطباء والشعراء والرواديد محاضراتهم وأحاديثهم وقصائدهم عن هذا الرمز وطبيعة أدواره وتضحياته في نصرة الإمام الحسين (ع).
اللافت، في الأعوام القلائل الماضية، هو أن انعقاد مجالس العزاء الحسيني لم يعد مقتصرًا على أوقات الليل، بل إن العديد من المجالس الحسينية باتت تقام خلال ساعات الصباح أو بعد صلاة الظهرين، وذلك بسبب الزخم الكبير في أوقات الليل، فضلا عن إتاحة الفرصة لمن لا يستطيع الحضور ليلاً أن يحضر ويشارك في مجالس الصباح أو الظهر.
اليوم العاشر .. ذروة الحزن والمأساة
عند حلول ليلة العاشر من شهر محرّم، تكون أجواء الحزن قد بلغت ذروتها مع استعراض الوقائع، وما جرى مع أهل البيت- عليهم السلام- بكل تفاصيلها المأساوية المروعة، لتتواصل إلى يوم العاشر، حين تشهد شتى المجالس الحسينية قراءة المقتل الحسيني في ساعات الصباح الأولى، ثم التشابيه التي تصور ما جرى في كربلاء بمثل هذا اليوم قبل ألف وثلاثمئة وخمسة وثمانين عامًا. وبعد صلاة الظهر؛ تنطلق ركضة طويريج من أطراف المدينة وتمتد إلى عدة كيلومترات لتنتهي عند الصحن الحسيني الشريف، بمشاركة حشود غفيرة من المؤمنين القادمين من مختلف مدن العراق ومحافظاته إلى جانب الزوار العرب والأجانب من مختلف الدول، لاسيما المجاورة للعراق.
بعد ذلك، وحينما ينتهي نهار عاشوراء ويحل الظلام من جديد، تنطلق مواكب إيقاد الشموع وقراءة الأدعية والابتهالات والصلوات إحياءً لما يعرف بليلة الوحشة، وليس من قبيل المبالغة والتهويل إذا قلنا إن كربلاء المقدسة، وبالتحديد في اليوم العاشر من محرّم الحرام، تحتضن العالم كله، لتعكس الشعار الخالد: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء".
من اليوم العاشر وحتى الأربعين، تتواصل مظاهر الحزن والمواساة والعزاء، حيث تتوافد الملايين من كل الأنحاء سيرًا على الأقدام نحو كربلاء المقدسة.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
23/11/2024