نصر من الله

نقاط على الحروف

طوفان الأقصى بين عزل "إسرائيل" وإحياء القضيّة الفلسطينية
08/06/2024

طوفان الأقصى بين عزل "إسرائيل" وإحياء القضيّة الفلسطينية

أطاحت معركة طوفان الأقصى بآمال الكيان الصهيوني التي استغرق في تشييدها عقودًا من الزمن، فبعد أن ظنّ هذا الكيان أن الظروف الدولية باتت مؤاتية لانخراطه في المنطقة ككيان معترف به، جرف الطوفان آماله الواهية ضاربًا عرض الحائط بكلّ مخطّطاته ومخطّطات حلفائه، ليعيد بذلك إحياء القضية الفلسطينية في أذهان العالم، وليساهم على نحوٍ غير مسبوق في عزله دوليًا وتجريده من جلباب "ضحية النازية" التي عزف على أوتارها لعقود من الزمن.

اعتقد الكيان أن تسلّله بانسيابية ككيان طبيعي في محيطه بات وشيكًا جدًا، وأن الطريق لهذا "الاندماج" الصعب أصبح ممهدًا وجاهزًا، لا سيما بعد تمكّنه من تطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية، وإقامة علاقات دبلوماسية معها بناءً على ما يعرف بـ"اتفاقيات إبراهام"، هذا فضلًا عن تعزيز علاقاته الأمنية والدبلوماسية مع عدد من الدول الإفريقية ودول أخرى كالهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وهذه الأسباب تضاف - بالطبع - إلى الدعم والتأييد المطلق لهذا الكيان من دول الغرب وأميركا، لكن هذه الجهود المتراكمة اصطدمت بطوفان الأقصى الذي زعزع كلّ أركانها.

معالم عزلة "إسرائيل" بدت واضحة على مستويات عدّة، خاصة في الميادين السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. لقد خسرت "إسرائيل" قبل كلّ شيء معركة الرأي العام العالمي، والخسارة المدوية كانت في القارة العجوز والولايات المتحدة الأميركية، حيث علا صوت التنديدات بجرائم الصهيونية وانتهاكها للقانون الدولي على نحو غير مسبوق في هذه الدول لا سيما في الصروح الجامعيّة، ووصل الأمر لحد المطالبة بتجميد صفقات الأسلحة مع هذا الكيان، كما فعلت محكمة هولندية، ليأتي مؤخرًا اعتراف عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية، كما وانضمت دول عدة كالبرازيل وكولومبيا وإسبانيا لجنوب إفريقيا في دعواها المرفوعة ضدّ الكيان المحتل في محكمة العدل الدولية.

وفي الإطار نفسه، فإن "إسرائيل" لم تلتزم بقرارات المحكمة الدولية وكذلك قرار مجلس الأمن القاضي بوقف الحرب على غزّة، لا بل ضاعفت هجماتها الإجرامية على القطاع، مما دفع هيئة الأمم المتحدة لإدخالها في ما يسمّى بـ "الـقائمة السوداء" منذ أيام. وكانت دول عديدة قد أعلنت بشكل مباشر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل"، منها كولومبيا، بوليفيا، جنوب إفريقيا، البرازيل، تشيلي، هندوراس وغيرها، بالإضافة إلى بلدية برشلونة.  هذه العوامل تضاف إلى قرار الجنائية الدولية الصادر مؤخرًا بإدانة قادة ومسؤولين "إسرائيليين" بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ما يعني الإضرار بمكانة الكيان المحتل عالميًا.

العزلة أخذت أيضًا منحًى اقتصاديًا، إذ بالإضافة إلى حركات المقاطعة التي أصبحت ثقافة عالمية، فإن تركيا وجهت أيضًا ضربة موجعة للقطاع التجاري في كيان العدو، عبر إعلانها في أيار/مايو الفائت عن وقف كلّ المعاملات التجارية بينها وبينه لحين وقف حربه الوحشية على قطاع غزّة. والجدير بالذكر أن حجم التبادلات التجارية بين الطرفين وصل لحد 9.5 مليار دولار سنويًا. في سياق متصل، كانت حكومة المالديف أيضًا، قد أعلنت نهار الأحد حظر دخول "الإسرائيليين" إلى بلادها، وأن رئيسها سيعيّن مبعوثًا خاصًا لتقييم الاحتياجات الفلسطينية، وإطلاق حملة لجمع التبرعات بعنوان "المالديف تتضامن مع فلسطين". 

إن العلاقة بين القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني لا تمشي في خط متوازٍ أبدًا، لأن حضور القضية يلغي معنى الوجود الوهمي لهذا الكيان، وهذا ما حصل فعلًا بعد معركة طوفان الأقصى. إن مسار عزل "إسرائيل" قابله على الدفّة الأخرى إعادة إحياء القضية الفلسطينية على المستويين العربي والدولي، بعد أن كادت هذه القضية تدخل في سراديب النسيان، وبعد رهان العدوّ وحلفائه على تعب الفلسطينيين وتراجعهم، في ظلّ  تخلي العديد من الأنظمة العربية عن دعم القضية.

يتذكر الرأي العام العالمي، إعلان رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ما سماه حينها بـ"الانتصار" في الأمم المتحدة في خطابه الذي ألقاه في 22 أيلول/سبتمبر من العام المنصرم، عندما لوّح بخريطة على وجهها الأول "دولة إسرائيل" على كامل فلسطين الانتدابية والجولان السوري، وعلى وجهها الآخر خارطة "الشرق الأوسط الجديد" المأمول إعلانه قريبًا بعد الانضمام الوشيك للسعودية لاتفاقيات "أبراهام"، لكن لم يمض على هذا الإعلان أكثر من أسبوعين، حتّى أطاحت معركة طوفان الأقصى بـ"انتصاراته" وأمنياته الوهمية تلك.

لقد أحدثت معركة طوفان الأقصى زلزالًا مدوّيًّا في المنطقة قلب الأمور رأسًا على عقب، لا سيما بعد أن نجح الطوفان في تحدي التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني المسيطر على النظام الدولي، ما دفع أركان هذا النظام للاستنفار في محاولة للحفاظ على ما تبقى من هذا الكيان المحتل، الذي فشل فعليًا في حماية مصالح حلفائه الأميركيين والأوروبيين، بل أصبح بحاجة لحمايةٍ من أساطيلهم، ومدّه بالمال والسلاح.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف