نقاط على الحروف
الأسرة.. المعسكر الأوّل
في أسبوع الأسرة لهذا العام، والحال حرب، تستحضر كلمة الأسرة العديد من الصور التي عكست العلاقة الوثيقة بين المفاهيم الأسرية في ثقافتنا وبين المقاومة كمفهوم ومنظومة. وصار ظاهرًا أكثر أنّ الأسرة هي المعسكر الأوّل الذي يتولى إعداد المقاوِم وتجهيزه بالعتاد الإنساني والثقافي والأخلاقي والعقائدي، المؤهِّل للانخراط في العمل المقاوم، بل الصّانع لمعنى "الرّوح لي بتقاتل".
في داخل الأسرة، تُزرع المفاهيم الأولى التي تؤسّس لمفهوم المقاومة داخل نفس الطفل، ويُعزّز ارتباطه بفطرة الثورة على الظلم وقتاله وفكرة نصرة المستضعفين بكلّ الإمكانات. ومن هنا، تتشابه إلى حدّ التطابق مشاهد أسر الشهداء ومواقفها البارزة في الحرب.
جمع هذه الأسر يشكّل المجتمع المقاوم الذي يُذهل اليوم العالم كلّه لا بصموده فقط، بل بوعيه العالي وبيقينه الثابت بالنصر مهما كانت الأثمان موجعة.
نحن اليوم في مرحلة متقدّمة من المعركة، وتخوض الأسرة خلالها تحديات عظيمة هي امتحان للمفاهيم التي بُنيت عليها: الصّبر، التسليم، الفداء، التكافل، الرّضا، الاستعداد المستمرّ للبذل، وغير ذلك من القيم التي تعتني الأسرة بتنميتها في روح أفرادها وتثبيتها نظريًا إن صحّ القول. الحرب إذًا هي امتحان لمدى ذوبان هذه القيم في روح الفرد وتأثيرها على شكل وطبيعة ارتباطه بمجتمعه.
وتمثّل أسر الشهداء أوضح ترجمة لهذه الحال القيمية في المجتمع: أسر ربّت كلّ منها قمرًا، عملت على تغذية فطرته بأجمل وأعلى القيم، ثمّ رفعته شهيدًا، ولم تشعر بعد أنّها اكتفت بالبذل، فلا عجب أن ترى أمّ الشهيد في عزّ لوعتها تقسم أنّ قلبها على أتمّ الاستعداد لتقديم البقية من أبنائها شهداء. ولا عجب أن تسمع والد الشهيد بصوتٍ يغزوه الشوق يتلو اعتزازه بفلذة كبده ويغبطه على أحسن خاتمة. الزوجات في أوجع لحظات الوداع، يقفن بجلدٍ وصبر ويعاهدن شركاء أعمارهن على تربية أيتامهم على خطاهم ونهجهم. الأبناء، ذوو جرح اليتم الطريّ، يلوّحون في الوداع وبكلمات فطرتهم المحفوظة بأمان في كنف الأسرة، يعدون آباءهم الشهداء بأن يظلّوا مقاومي.. الأخوة والأخوات يتحلقون حول شهيدهم، يودعونه ويعتزون بما أنجبت أسرتهم، والصبر سمة حضورهم رغم الجرح البليغ ورغم مرارة الفراق.
هذه الأسر التي عرفناها بعد ارتقاء أقمارها، وغيرها مما لا نعرف عنها بعد لأن القمر ما زال ملثّمًا مجهولًا في الأرض، هي روح المقاومة وجبهة إسنادها. فالعمل المقاوم لا يقتصر على البطل الباذل روحه في الميدان، بل هو عمل مركّب تتضافر فيه جهود مختلفة ومنها جهد الأسرة في التربية والتنشئة وفي الدعم المعنوي والعاطفي وكذلك في تولّي مسؤولية الأسرة بغيابه. والمقاتل، الذي يمضي إلى ساحة الجهاد مطمئنًا لا يمسّه قلق، بعض اطمئنانه يتأتّى من حقيقة أنّ عياله في أمان الأسرة من بعد حفظ الله ورعايته.
في الحرب، ونحن نخوض كمجتمع المواجهة مع الصهيونية وأدواتها، ونرى فاعلية التربية الأسرية السليمة في صناعة الجيل المقاوم الناصر للحقّ في كلّ ميدان، وأمام عظمة البذل الذي نراه صادرًا من أسر ربّت على خطى النّورين عليهما السلام، ندرك أكثر من أيّ وقت مضى أنّ وراء كلّ قمر شهيد أسرة طاهرة، وندرك أن هذه الأسر هي أوّل المعسكرات وأكثرها تثبيتًا للوعي الثوري والقيمي.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
17/12/2024
صيدنايا.. درة الدجل الإعلامي
17/12/2024
قناة الـMTV تُضبط مجدّدًا بالجرم المشهود!
14/12/2024