نصر من الله

آراء وتحليلات

من سينجح في تطويع الآخر: بايدن أم نتنياهو؟
24/05/2024

من سينجح في تطويع الآخر: بايدن أم نتنياهو؟

خمسة أشهر فقط هي المدّة المتبقية لموعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي يتنافس فيها الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن مع الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب. ومع اقتراب موعد الانتخابات، وفي ظلّ استطلاعات الرأي الحالية التي تظهر بأنّ ترامب متقدم على بايدن الذي تراجعت شعبيته نتيجة عوامل عدة، كان للسياسات الخارجية الجزء الأهم منها، وخاصة ما يتعلق منها بالفشل في أوكرانيا، والأكثر منه كان الفشل في الشرق الأوسط منذ "طوفان الأقصى" الذي انطلق في 7 أكتوبر 2023 وما يزال مستمرًا.

هذا ما انعكس سلبًا على إدارة بايدن وسمعتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعجزها عن التوفيق بين دعمها المطلق لـ"إسرائيل" ووقف التدهور الذي أصاب سمعتها داخليًا وخارجيًا. وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة بايدن تحقيق إنجاز تسوية استراتيجية في الشرق الأوسط أساسها التطبيع السعودي - الإسرائيلي ليشكّل عاملًا نوعيًا ومؤثرًا يضمن لها التأثير في الناخب الأميركي ويعيد تعويم خياراتها على الصعيد الداخلي، فإنها ما تزال تصطدم بتعنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرفض وقف العدوان على غزّة ومقايضة التطبيع مع السعودية بالالتزام بإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يضعف من آمال إدارة بايدن لتحقيق هذا الإنجاز إلى حد التبخر.

وتبدو إدارة بايدن في سباق مع الزمن لإنجاز رؤيتها، والتي باتت كما هو معلوم مرهونة بنجاح الضغوط التي تمارسها على نتنياهو. في المقابل؛ يدرك نتنياهو تأثير عامل الوقت على إدارة بايدن، ويستمر في ممارسة سياسات المراوغة للتفلت من ضغوط بايدن وإدارته، بل إنه انتقل إلى مرحلة مجابهة تلك الضغوط بضغوط معاكسة، سواء عبر اللوبي اليهودي في واشنطن أو عبر التحالف مع اليمين الأميركي المتمثل بالجمهوريين.

ظهر ذلك مؤخرًا، بشكل واضح، في أكثر من مناسبة، حين يكثّف الجمهوريون من انتهازهم لتلك المجابهة بين بايدن ونتنياهو لتسجيل المزيد من النقاط على حساب بايدن وحزبه. فبعد تمريرهم لمشروع تزويد "إسرائيل" بما تحتاجه من سلاح وذخيرة في الكونغرس ردًا على قرار إدارة بايدن بتعليق شحنات قنابل ثقيلة لـ"إسرائيل"، يسعى الجمهوريون اليوم لطرح مزيد من مشاريع القرارات من خلال الكونغرس لصالح نتنياهو وحكومته لتكون عائقًا امام إدارة بايدن وخططها وقراراتها، ولتسهم في مزيد من الحرج للديمقراطيين في الداخل الأميركي.

كما سارع الجمهوريون، مؤخرًا، إلى طرح مشروع قرار لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية ورئيسها بسبب توصياتها بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت، وهو ما اضطرّ معظم الديمقراطيين لإعلان تأييدهم لهكذا قرار، والذي من المتوقع صدوره بأغلبية كبيرة. ومن مشاريع القرارات الأخرى التي يلوح الجمهوريون بطرحها في الكونغرس مشروع قرار يهدف لوقف العمل في الميناء البحري على شواطئ غزّة، والذي جرى الانتهاء من بنائه والبدء بتشغيله منذ أيام تحت ذرائع إنسانية.

وآخر ممارسات الجمهوريين تمثلت بتقديم طلب يتضمن توجيه دعوة لرئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، في ظلّ معارضة الديمقراطيين الشديدة لتلك الخطوة، وهو ما دفع بعض النواب الديمقراطيين للقول بأن نتنياهو يسعى لإحداث انقسام في الولايات المتحدة كما أحدث انقسامًا في "إسرائيل". وسبق أن لجأ الجمهوريون لإجراء مماثل لهذا في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عندما قام نتنياهو بإلقاء خطاب أمام الكونغرس وتسبّب بحرج كبير للديمقراطيين.

ويمكن القول بأن إدارة بايدن قد دخلت في الوقت القاتل، ولم يعد أمامها الكثير منه، وإنها في حال فشل مخطّطها فستكون مضطرة في النهاية لتغير استراتيجيتها والانتقال إلى نهج أكثر دعمًا لـ"إسرائيل" ولحكومة نتنياهو لقطع الطريق على الجمهوريين وممارساتهم الانتهازية، وهذا بالضبط ما يسعى إليه نتنياهو مستغلًا التنافس الانتخابي.

وتشير المهلة التي أعطاها الوزير في حكومة الحرب الصهيونية بيني غانتس، والمدعوم من إدارة بايدن والديمقراطيين, لرئيس الحكومة نتنياهو والتي تنتهي في الثامن من حزيران المقبل إلى أهمية عامل الوقت المتاح أمام إدارة بايدن قبل الانقلاب على نهجها. وما يزال أمام واشنطن مهلة أسبوعين قبل انتهاء مهلة غانتس، وهي تحاول استغلال تلك المدة للتأثير على نتنياهو وإحداث خرق في جدار المأزق. فبعدما أوفدت مستشار الأمن القوميّ جاك سوليفان إلى كلّ من الرياض و"تل أبيب"، تسعى وعبر إطلاق جولة جديدة من المفاوضات إلى التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. إذ تشير المعلومات إلى أن مدير المخابرات المركزية الأميركية وليم بيرنز سيعقد مفاوضات مع رئيس "الموساد" ديفيد برنياع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن في أوروبا.

وعلى الرغم من المحاولة الأميركية الجديدة ووفقًا للإعلام الإسرائيلي، لم تمنح حكومة الحرب الصهيونية تفويضًا واسعًا للوفد الإسرائيلي للوصول إلى صفقة خلال تلك المفاوضات على الرغم ما سربه موقع "إكسيوس" الأميركي عن موافقة إسرائيلية على تقديم بعض التنازلات.

خلاصة القول؛ إن فشل إدارة بايدن في تطويع نتنياهو سيعني بالضرورة أن نتنياهو سينجح في تطويع إدارة بايدن، والتي ستكون مضطرة في هذه الحال إلى إظهار مزيد من الدعم لـ"إسرائيل" لتعويض خسائرها السياسية والانتخابية، ولضمان رأب الصدع والانقسام داخل الحزب الديمقراطي، وهو ما يعني بالضرورة العودة إلى المربع الأول من الصراع، والذي سيشهد تصعيدًا مفتوحًا لا يمكن التنبؤ بحدوده، فهل تكون الغلبة من نصيب بايدن أم نتنياهو؟ لعلّ الأسبوعين القادمين سيحملان الجواب الحاسم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات