آراء وتحليلات
مخطط استيطاني جديد بعنوان "إلغاء فكّ الارتباط"
أكثر من مئتين وثلاثين يومًا عمّقت مأزق كيان العدو، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على المستوى الدولي وأمام الرأي العالم العالمي، جراء ما تكشّف من جرائمه وعدوانه الوحشي. هذا الانكشاف للعدو أحرجه ودفعه للتخبط عشوائيًا بردود فعله الغاضبة التي بلغت حدّ التهور. آخر تلك الردود الإسرائيلية كان تهديد دول أوروبية (إيرلندا – النروج – إسبانيا) لاعترافها بدولة فلسطين وتوعّدها بعواقب وخيمة. هذا علمًا أن للأوروبيين، ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، مواقف سابقة مساندة لفلسطين منها رفض توسيع الاستيطان، واليوم اختارت حكومة الاحتلال الردّ بتحدي الأوروبيين. وهو ما ترجمته حكومة الاحتلال من خلال مسارعة وزير الحرب يوآف غالانت لإلغاء ما يسمى بـ"قانون فكّ الارتباط".
لكن ما هو هذا القانون؟ وماذا يعني إلغاؤه؟
فكرة فكّ الارتباط أو الانفصال أحادي الجانب عن الفلسطينيين، ليست في حقيقة الأمر سوى قالب تجميلي غُلّف فيه انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني في العام 2005 من قطاع غزة، ومن أربع مستوطنات في الضفة الغربية تحت وقع ضربات المقاومة الفلسطينية. هذه الفكرة كان أول من طرحها، في العام 2000، رئيس حكومة العدو السابق إيهود باراك، وذلك عقب فشل مفاوضات "كامب ديفيد" بين حكومته والسلطة الفلسطينية في تموز العام 2000، لتعود الفكرة الى التداول لاحقًا، وتشكّل في ما بعد جوهر ما سُمي بـ"خطة" رئيس حكومة الاحتلال آرييل شارون للانسحاب في صيف العام 2005، من مستوطنات ومعسكرات جيش العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، إضافة إلى 4 مستوطنات شمالي الضفة الغربية، وهي: "غانيم" و"كاديم" و"حوميش" و"سانور".
لفكرة فكّ الارتباط جذور تاريخية ترتبط عميقًا بالذهنية والعقلية الصهيونية؛ ومنها:
• فكرة "الغيتو اليهودي" في المدن الأوروبية، في القرن التاسع عشر، حينها لم يكن إلا فكّ ارتباط أحادي الجانب من مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• الفكرة الصهيونية بأنّ "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". هو إنكار وجود هذا الشعب، ما سهّل تقبّل فكرة فكّ الارتباط عنه وتغييبه سياسيًا بعد العجز عن تغييبه جغرافيًا ووجوديًا.
• فكّ الارتباط يعبّر عن غطرسة وتعالٍ على الآخرين على قاعدة أنهم أقل مرتبة من "شعب الله المختار".
• يعبر عن الضعف والعجز عن تطويع الآخرين وإخضاعهم للرغبة أو الهيمنة الصهيونية.
• هو نتاج تلاقي فشلين صهيونيين، الفشل بفرض رؤية تسووية على الفلسطينيين عبر التفاوض، والفشل بفرض الاحتلال وأجندته على الفلسطينيين ببطش ووحشية الآلة العسكرية.
استنادًا إلى ما تقدم، أضحى ما تسميه حكومة الاحتلال اليوم بإلغاء "قانون فكّ الارتباط" ليس في الحقيقة سوى إعادة احتلال لتلك المناطق، عبر توسيع المستوطنات، من خلال اقتطاعها من الضفة وإعادة المستوطنين إليها في محاولة لقطع الطريق على قيام أي دولة فلسطينية مستقبليّة. وهذا ما غطاه الموقف الأميركي الذي علّق على الخطوة الأوروبية بالتأكيد أن قيام دولة فلسطينية أو ما يُسمى "حلّ الدولتين" لا يكون من خلال اعتراف الدول، إنّما من خلال التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وفي ذلك استخفاف بعقول البشر، هدفه تضييع الحقائق التاريخية، فالأرض هي بالأساس أرض فلسطينية محتلة، وهذا بحد ذاته يشرعن المقاومة. كذلك هدفه تمييع القضية الفلسطينية، سيما وأن كل مسارات التفاوض على مدى عشرات السنين على قاعدة "حلّ الدولتين" المزعوم لم تجد نفعًا، ولم تسفر عن أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين؛ فلا هي أعادت لهم أرضًا ولا أعادت اللاجئين ولا أي شيء من هذا القبيل.
اليوم؛ يؤكد التعنت والصلف الصهيوني مجددًا أن الكيان الغاصب لا مكان للعهود والتفاوض معه، وأنه مستعد في كل لحظة الى إعادة مسار الأمور إلى نقطة الصفر.. ما يثبت مجددًا أن نهج المقاومة هو النهج الوحيد الكفيل بتحرير أرض فلسطين من النهر الى البحر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024