معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

في مثل هذا اليوم فرِحوا.. واليوم يألمون
14/05/2024

في مثل هذا اليوم فرِحوا.. واليوم يألمون

في الرابع عشر من أيار 2018، نقلت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في كيان الاحتلال من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، على سبيل التعامل مع القدس عاصمةً لـ"إسرائيل". وكان يومًا مبهجًا بالنسبة إلى الصهاينة، إذ ظنّوا أنّه يشكّل خطوة تثبّتهم في أرضنا أكثر، وتمنح الشرعية لوهمهم بالقدس عاصمة لهم.

عمّت الاحتفالات المستوطنات، رفعوا أعلام كيانهم، نشروا شرطتهم في شوارعنا تحسّبًا لأي حدث قد يمسّ باحتفاليّتهم الكبيرة، والتي تحدّث عبر الشاشة فيها رئيس الولايات المتحدة في حينه دونالد ترامب، ليقول إنّ: "إسرائيل دولة ذات سيادة من حقها اختيار عاصمتها"، وأن: "القدس هي العاصمة التي أسسها الشعب اليهودي لنفسه في الماضي السحيق". وفي ذلك اليوم، أيضًا، عمّ الغضب الشارع الفلسطيني، وكذلك سرى شيء من الإحباط في بعض النفوس التي ظنّت أنّ الصهاينة بذلك قد اكتسبوا شرعية إضافية لكيانهم، لتثبت الأيام أن وحدهم أهل القضية أصحاب القرار، وأن "الشرعية" التي تمنحها أميركا لأيّ جهة ما هي إلّا حبر يتلاشى تحت طلقات المقاومة.

اليوم، بعد مرور ستة سنوات على ذلك اليوم، يقف الصهاينة على حافة زوالهم، يواجهون حقيقة أنّ لا شرعية لوجودهم على هذه الأرض، ولا أمان لهم فيها. يستجدون "نصرًا" وهميًا يستر سيل الهزائم التي لحقت بهم منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر. ما عادت قضيّة اختيار العاصمة وإعلانها أولوية عندهم، فالأولويات اليوم تقع في كيفية إخفاء أعداد قتلاهم وحجم خسائرهم العسكرية والاقتصادية والمعنوية، وفي سبل منع هزيمتهم من التأثير على المستوطنين ودفعهم إلى هجرة معاكسة، بعد أن ثبت لهم بالدليل القاطع أنّ هذه الأرض لا يمكن أن تكون وطنًا لهم، ولو دعمتهم ألف بعثة دبلوماسية من كلّ دول الغرب والأعراب.

في 14 أيار/مايو 2018، قال نتنياهو، وملامح السرور تعلو وجهه: "هذا يوم كبير للقدس ولدولة "إسرائيل" وسيكتب في ذاكرتنا القوميّة لأجيال قادمة". ولكن لم تمهله الأجيال، فالمقاومة محت برصاصات الحق وبالدم المقاتل ما خطّته يد الاستكبار زورًا على صفحة التاريخ، وحوّلت كلّ أيام "إسرائيل" إلى أيام حداد لا يتجرّأ فيها المستوطنون حتّى على الحضور عند قبور قتلاهم.. وجعلت هذا النتنياهو نفسه، يقف مربكًا حائرًا بملامح تعلوها الهزيمة ليقول: "نخوض حرب وجود ومصابنا جلل، ويمزق قلوبنا ومع ذلك ما نزال صامدين". وجعلت "دولة إسرائيل" عاجزة حتّى عن اتّخاذ قرار واضح يتعلّق باليوم التالي!

في العام 2018، أراد الصهاينة أن يكون يومهم هذا ذكرى احتفال سنوي تشعرهم في كلّ مرّة أكثر أنّهم في "وطن" لهم، وظنّوا "السفارة الأميركية في كيانهم" على أرض "قدسنا" مصدر قوّة لهم ودليل "حقّهم" بالوجود.. وفي العام 2024، يعرف الصهاينة أنّ كلّ يوم يمرّ عليهم يقرّبهم من نهاية وجودهم وكيانهم أكثر: منهم من يبحث عن سبل العودة إلى "أوطان المنشأ"، ومنهم من يجد في الهروب إلى الأمام فرصته الوحيدة لمحاولة النجاة أو على الأقل تأجيل إعلان الهزيمة التي حُسمت أصلًا في صباح 7 أكتوبر، ومنذ ذلك اليوم هي تتراكم وتترسّخ أكثر.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف