نصر من الله

خطاب القائد

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من العمَّال
29/04/2024

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من العمَّال

نشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 24/4/2024 خلال لقاء جمع من العمَّال في حسينيّة الإمام الخميني (قده). وقال قائد الثورة الإسلاميّة أنّ سبب معاداة الاستكبار إيران وفرضه الحظر عليها هو أنّها دولة مستقلّة وليست مستعدّة لاتّباع سياساته الفاشلة منذ أعوام طويلة. ولفت سماحته إلى أنّ الغرب يطالب إيران بدعمها الإرهاب ويقول أنّ أهل غزّة إرهابيّين، بينما الكيان الخبيث وعديم الرحمة الذي يجزّر طوال 6 شهور بنحو 40 ألف إنسان وآلاف الأطفال هو الإرهابي.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقية الله في الأرضين.

أهلاً وسهلاً بكم كثيراً أيُّها الإخوة الأعزَّاء، والأخوات العزيزات، والعمَّال الأعزَّاء. أُبلِّغ من خلالكم، أيُّها الحضور المحترم، سلامي الصادق والقلبي إلى المجتمع العُمّالي للبلاد. بالتوفيق والتأييد، إن شاء الله. إنني سعيد جداً لوجود مناسبة «أسبوع العمّال» إذ يمكننا لقاء العمّال في هذه المناسبة، وتقديم الشكر لهم باللسان على الأقل، وهذه الفرصة مُغتنمة بالنسبة لنا. طبعاً، الشكر اللفظي لا يكفي، لكنه ضروري، وهنا أتقدم بالشكر الجزيل لعمّالنا على جهودهم ونُبلهم وهممهم، وعلى تقدم المجتمع العُمّالي إن شاء الله.

أستعرض عدَّة نقاط والتي قد يكون بعضٌ منها بيِّناً وواضحاً بالنسبة لكم. وسبب تركيزي على تبيين هذه النقاط أن تغدوَ عُرفاً، وتتحوَّلَ إلى «رأي عام»، وينبغي أن يلتفت المجتمع عامّةً إلى هذه المطالب. فإذا ما ظهر مطلب ما في الرأي العام على شكل عُرف، وفُهمَ، وعُلمَ، وقُبِل، فسيسهل حينها تَحقُّق تلك الرَّغبة، وستُقدِّم الحكومات والمسؤولون وجميع المعنيِّين العون لتحقيقها؛ ونحن نريد لها أن تتحقَّق.

النقطة الأولى هي حول قيمة العامل؛ طبيعي أنَّه قيل الكثير عن قيمة العامل، وقد ذكرنا نحن أيضاً كلاماً، وللآخرين كلامهم في هذا الخصوص، وأنتم أيضاً تعلمون. وأرفع جملة يمكن قولها في هذا المجال، هي أنّ َنبيَّ الإسلام الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قبَّل يدَ العامل الخشِنة، وفقاً للرواية. فهل هناك أسمى من هذا؟ هذه هي قيمة العامل. غاية الأمر أنَّه توجد نُقطة ها هنا؛ فجميع الدول والشعوب، وجميع الثقافات على اختلافها في العالم لديها «يوم العمّال»؛ فيوم العامل هو لكلِّ العالم، لكن النقطة المهمة هنا هي أن نظرة العالم المادي إلى العامل تختلف عن نظرة الإسلام إليه.

نعم، فالعالم المادي أيضاً يرى أهميَّة للعامل، لكن لماذا؟ ذلك لأنَّ العامل أداةٌ؛ أداة إنتاج الثروة لصاحب العمل. إن نظرة العالم المادي تجاه العامل هي نظرة أداتية؛ مثل البرغي والصمولة، مثل الآلة نفسها. الإسلام ليس هكذا؛ إن نظرة الإسلام للعامل والقيمة التي يوليها له مستمدة من القيمة التي يوليها للعمل. العمل! العمل! الإسلام يولي قيمة ذاتية للعمل.

وليس المقصود من تعابير «العمل الصَّالح» هذه الموجودة في القرآن، وضروب التعابير والإشادات بـ«العمل» الموجودة في الروايات المتعدِّدة، ليست الصّلاة والصّوم وحسب؛ فـ«العمل» يعني كلَّ نحوٍ من العمل؛ سواء العمل الذي يؤدّيه الإنسان بوصفه عبادة، أو العمل الذي يؤدّيه من أجل وضع اللُّقمة الحلال على المائدة؛ فهذا أيضاً عمل، وهو أيضاً عمل صالح؛ {إِلَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} (الشعراء، 227) تشمل هذا العمل أيضاً؛ فعنوان «العمل» هو عنوان عام؛ لذا ترون في قضيَّة سعد بن مُعاذ الذي كان قد استشهد، نزل الرسول الأكرم إلى داخل القبر، فأخذه وسجَّاه، ثمَّ حينما كان يُسوِّي هذا اللَّحد، جعل يقول: ناولوني الجصَّ، وناولوني الماء، وناولوني الطِّين؛ ليُحْكِم [اللَّحد]. فلماذا هذا الإحكام والواضح أنَّه سيخرب بعد بضعة أيام؟! أعطى الرسول جواب هذا السؤال المُقدَّر، لم يكن أحدٌ قد سأل، بيد أنَّه كان سؤالاً يُطرح. أجاب الرسول، وقال: نعم، نحن نعلم أنَّه سيتلاشى في غضون عدة أيام أُخر – سواء ذلك الجُثمان، أو ذلك اللَّحد – إلَّا أنَّ الله يُحبّ إذا عمل المرء عملاً أن يُتقنه، وأن يؤدّيَه بنحو صحيح؛ وهذا هو تعبير الرواية: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذا عَمِلَ أحدُكُم عملاً أن يُتقِنَهُ». إذاً، فجليٌّ أنَّ العمل الوارد في الروايات، يشمل هذا النحوَ من العمل أيضاً. ولهذا [العمل] تقديره الذاتي.

لذا جاء في روايةٍ – وهذه عن المجتمع، وعن المجتمعات الإنسانيَّة -: «من يعمل يزدد قوَّةً»؛ فالمجتمع الذي يوجد فيه العمل، ويُنجز فيه العمل، تزداد قدرته وقوَّته، «ومن يُقصِّر في العمل يزدَد فترةً»؛ وذاك المجتمع، وذاك الفرد الذي يُقصِّر في العمل، يزداد وهنه يوماً بعد يوم. العمل يخلق القوَّة؛ سواء لدى الفرد أو المجتمع؛ هذه هي [طبيعة] العمل. إذاً، للعمل قيمة ذاتية في الإسلام. فمَن الذي يؤدّي هذا العمل؟ إنَّه أنت؛ العامل. إذاً، للعامل قيمة ذاتية. انظروا، هذه هي الرؤية، وليست الرؤية أنَّه لولا هذا لبقي جَيبي خالياً؛ [فليست هي بأن] تنظر إلى العامل على أنَّه أداة؛ فالإسلام لا ينظر على هذا النحو، إنَّما يقول: إنَّ هذا يعمل، وللعمل قيمته الذاتية، إذن، فلهذا العامل أيضاً قيمته الذاتية. أريد أن أقول هذا لكي تلتفتوا أنتم أنفسكم، بما أنَّكم عمَّال، إلى قيمة وأهميَّة مكانة مهنة العامل، وتركِّزوا عليها، وأيضاً لكي يلتفت مجتمع البلاد وأهالي البلاد إلى مقدار ما للعامل من أهميَّة؛ هذه نقطة.

النقطة الثانية، وتتمحور حول المسألة الراهنة للبلاد، وهي مسألة الاقتصاد. إحدى القضايا المهمَّة لحاضر البلاد، هي قضية «الاقتصاد»؛ ولأجل هذا قد ركَّزنا في بضع السنوات هذه، وفي شعار العام، على النقاط الاقتصادية الحسَّاسة. وفي هذا العام أيضاً قلنا «الطَّفرة الإنتاجية»، لا «الزيادة الإنتاجية»؛ «الطَّفرة»! فكيف تحصل الطَّفرة؟ بمشاركة الشعب. عندي عقيدة راسخة أنا العبد، وهذا هو رأي جميع خبرائنا الاقتصاديين ذوي الرأي السديد أيضاً، أنّه إذا خاض الشعب مجال الاقتصاد، وبخاصة حقل الإنتاج، فستحصل طفرة في الإنتاج، وحينها تغدو البلاد ثريَّة، ويغدو آحاد الشعب أثرياء، ويمتلئُ جيب العامل، وتمتلئُ يد العامل، وتزداد فرص العمل، وتنخفض البطالة، وتزول المشكلات العُمّالية والاقتصاديَّة الجمَّة في البلاد. هذه هي مسألة الاقتصاد.

والآن، فمن هو في هذا الشعار - «الطَّفرة الإنتاجية» - ركن الإنتاج؟ العامل؛ أي عدا تلك القيمة الذاتيَّة، التي عرضتها سابقاً في النقطة الأولى، فالنقطة الثانية هي أنَّه في شعار هذا العام، وفي السياسة العامة التي ينبغي أن تُتَّبع، وبحمد الله فمسؤولو البلاد آخذون في اتِّباعها، ويعقدون الاجتماعات، ويُناقشون، ويجدون حلولاً إن شاء الله، فإنَّ للعامل دوراً بارزاً؛ أي إنَّ دور العامل الماهر ذي الروح المعنويَّة والمتحفِّز، هو دور لا يُنكَر ولا يُمكن إنكاره في الطفرة الإنتاجية، وهو يضطلع بدور مهمٍّ. وإذا أردنا أن التعبير بنحو صحيح، فإنَّنا نقول: [دور] العامل ورائد الأعمال. رائد الأعمال أيضاً مهمٌّ، ولا بدَّ أن يكون موجوداً حتى يتسنى للعامل أن يعمل. فالعامل ورائد الأعمال شريكان في الخطِّ الأمامي للمعركة الاقتصادية. ومن البديهي أنَّنا اليوم نواجه معركةً اقتصاديةً، وحرباً اقتصادية، وهذه الحرب أيضاً على غرار حرب الثماني سنوات في أوَّل الثورة هي حرب مفروضة؛ فتلك الحرب العسكرية كانت مفروضة، وهذه الحرب الاقتصادية مفروضة. فأمريكا بنحو، والدول المرافقة لأمريكا بنحو آخر، منكبَّةٌ في الواقع على محاربة إيران الإسلامية، والجمهورية الإسلامية؛ حرباً اقتصادية. وفي هذه الحرب الاقتصادية التي نواجهها، الخطُّ الأمامي والجبهة المتقدِّمة على الخط، تعود للعامل ورائد الأعمال؛ هذا هو [دور] هؤلاء. لكن لم يكن هذا منظوري من المسألة؛ منظوري أنَّكم يا من تُحاربون أمريكا هو أن تقدِّروا قيمة عملكم؛ أي إنَّ العامل ورائد الأعمال هما في الخطِّ الأمامي لهذا الصراع. فبقدر ما تعملون بنحو جيِّد، وبقدر العون الذي يُقدَّم لإنجازكم العمل جيداً – وهو ما سأعرض له لاحقاً –؛ بقدر ما يكون مؤثراً في هذه المعركة الاقتصادية. وهذه هي النقطة الثانية.

النقطة الثالثة، هي أنَّه ثمَّة واجبات ها هنا؛ سواء واجبات تقع على عاتق الحكومة والمسؤولين إزاء العامل – الأعمال التي ينبغي أن يُنجزوها للعامل – أو واجبات هي على عاتق العامل نفسه؛ أي على كلا الجانبين واجبات يجب تأديتها. وسألمِّح الآن بإشارة إلى هذه الواجبات. أوّلاً: فليلتفت الجميع إلى هذا، إنّ تحسّن وضع المجتمع العُمّالي له تأثير كبير في تحسّن وضع المجتمع بأسره. طبعاً، وفق التقارير التي أفادوني بها، لدينا نحو 14 مليون عامل، وإذا ما أحصينا عائلاتهم، يصبح أكثر من 40 مليوناً، أكثر من 40 مليون إنسان. حسناً، أربعون مليوناً ونيّف تعني نصف سكان البلاد، فإذا تم بذل جهد، وأُنجزَ ما يؤدي إلى تحسين وضع المجتمع العُمّالي؛ فهذا يعني أن وضع نصف مجتمع البلاد قد تحسّن. وهذا أمر بالغ الأهميَّة. وسأذكر الآن هذه الواجبات التي دوّنت بعضها. المسألة الأولى هي أنَّ إحدى أهم احتياجات المجتمع العُمّالي، والوزير المحترم أيضاً موجود هنا، ومسؤولو البلاد أيضاً يسمعون، هي قضية الأمن الوظيفي. ويعني «الأمن الوظيفي» أنْ يكون العامل مطمئناً تجاه مستقبله الوظيفي. نحن عانينا في مرحلة توقُّفاً في المعامل الكُبرى وأحياناً ذات التجربة الطويلة. وطبيعي أنَّه حينما يتوقًّف مصنع كبير، قد يُصبح آلافٌ من العمال عاطلين عن العمل؛ وهذا أمر بالغ الأهميَّة. واليوم، بحمد الله، في هذه السنة إلى السنتين، فُعِّل بهمَّة المسؤولين الكثير من المشاغل المتوقِّفة. وبحسب التقرير الذي قُدم إليّ، أُحيِيَ ما يُقارب عشرة آلاف مصنع كانت متوقِّفة [بالكامل] أو جزئياً؛ ينبغي مواصلة هذا العمل، ويجب توفير مختلف الأساليب من أجل أمن العمَّال الوظيفي. وبناء عليه، مسألة الأمن الوظيفي هي من الواجبات التي تقع على عاتق المسؤولين؛ أي على الأقل أنْ يعرف هذا العامل القنوع، والنبيل المشغول في عمله أنّ مستقبل عمله مضمون، ولن تحدث له أيّ مشكلة.

نقطةٌ أخرى هي قضيّة أنظمة التأمين الصحي التي أشار إليها الوزير الموقّر، وهي مهمّة للغاية. لقد تمّ إبلاغ السياسات العامّة للضّمان الاجتماعي الذي يشمل العامل، وغير العامل منذ فترة طويلة، وقد أمر رئيس الجمهوريّة الموقّر أيضاً بإعداد لوائحها القانونيّة، لكن وفق ما أطلعوني عليه، فإن الأعمال التي ينبغي أن تُنجز، لم تُنجز بالنحو الكامل والصحيح.

قضيّة [أخرى] مهمّة هي سلامة القوى العاملة، إذ ينبغي ألّا يُصيب العامل أيّ ضرر في بيئة العمل. سلامة القوى العاملة مهمّة جدّاً. من الاحتياجات المهمّة للعامل والتي تُلقي بالمسؤوليّة على عاتق المسؤولين الحكوميّين وأصحاب الورش، وبنحوٍ أكبر، على الحكومة وأمثالها، هو الاحتياج إلى هذه المهارة. فالعامل مستعدٌّ لأن يعمل، [لكنّه] يحتاج في بعض المواضع إلى مهارة أكبر. تعزيز المهارة والمعرفة في ما يرتبط بالعمل يسهم كثيراً بتطويره، وهو يصبّ في مصلحة العامل، وأيضاً في مصلحة البلاد.

 

فتعزيز المهارة أيضاً هو عبارة عن تعزيز قدرات القوى العاملة – رفع مستوى القوى البشريّة من حيث المهارة في العمل – هو إحدى [مسؤوليّات] هؤلاء.

من هذا المنطلق، ندخل إلى قضيّة البحث عن المواهب اللامعة، إذ يوجد في المجتمع العُمّالي أحياناً ذوو مواهب لامعة تخطر في أذهانهم إبداعات معيّنة. فلو اكتشفت الأجهزة ذات الصّلة هؤلاء، وعثرت على المواهب، وأفسحت المجال والميدان أمامهم حتى يتمكّنوا من الابتكار والإبداع، فإنّني أعتقد أنّ وضع المجتمع العُمّالي ووضع العمل في البلاد سيشهد تقدّماً كبيراً.

طبعاً، بعض هذه المسؤوليّات التي ذكرناها، هي بعُهدة الأجهزة الحكوميّة، مثل وزارة العمل أو الأجهزة التعليميّة أيضاً والمراكز التعليميّة. لقد قدّمت التوصيات بشكل متكرّر لوزارة التربية والتعليم بخصوص التعليم التقني والحرفي. طبعاً إنّ رأي بعض الأشخاص هو أن لو كانت هناك ضرورة وتوفّرت الإمكانيّة لذلك في الجامعات والمدارس و[وزارة] التربية والتعليم، فلتُقدّم أنواع التعليم العمليّة إلى جانب الدروس النظريّة، وليمنحوا شهادة ووثيقة تعليميّة أيضاً حتّى تتّضح الجدارة وكفاءة العمل لدى أيّ عامل وشاب تلقّى الدروس التقنيّة هنا على سبيل المثال، فيغدوَ بمقدوره العمل. هذه أيضاً قضيّة أخرى وقد قلنا إنّ بعض هذه الأمور بعُهدة الحكومة، وبعضها أيضاً بُعهدة مديري المؤسسات الإنتاجيّة. إذا تمّ إنجاز هذه المسؤوليّات، فإنّنا نعتقد أنّ المجتمع العُمّالي سيرتقي. وهذه مسؤوليّاتٌ تجاه المجتمع العُمّالي.

المجتمع العُمّالي نفسه يتحمّل بعض المسؤوليّات أيضاً، هكذا هو الحال في الإسلام؛ لديك حقٌّ بعنق كلّ من يملك حقّاً في عنقك، فالحقوق متبادلة. الحقّ الذي يقع بعنقك يستلزم أن يكون لديك حقٌّ أيضاً، فلو كان لكم حقٌ على أحد فإنّ له أيضاً حقاً عليكم. هذه الحقوق متبادلة.

من مسؤوليّات العامل أن يعرف قيمة العمل. توصيتي المؤكّدة للمجتمع العُمّالي هي ما يلي: أنتم بصفتكم عمّالاً ومنشغلين بالعمل، فلتعلموا أنّكم تخلقون قيمةً. لا تقتصر القضيّة على أنّنا «نعمل ونأخذ لقمة العيش الحلال إلى موائدنا». طبعاً هذه القضيّة حاضرة لكنّ الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب. أنتم تعملون وفي طور إعمار البلاد. عملكم يؤدّي إلى ازدهار البلاد. عندما تزدهر البلاد؛ ينتج عن ذلك الشموخ وحفظ ماء الوجه، وتصبح البلاد مقتدرة. قرأت رواية مفادها أن لو تمّ إنجاز العمل فإنّ ذلك يُنتج القوّة للبلاد، وعليه،

لعملكم جانبان: جانبٌ شخصي وجانبٌ عمومي. لهذا الأمر قيمة عالية. فلتولوا أنتم أنفسكم الاهتمام بقيمة العمل.

ثانياً، عدّوا العمل أمانة. هذه مسؤوليّة أُوكلت إليكم وأمانة بأيديكم. ثالثاً، أنجزوا العمل بقوّة وصلابة وإتقان. لا يكوننّ العمل مرقّعاً، وطبعاً لقد أكّدتُ – أنا العبد – مراراً على هذه القضيّة في السابق وضربتُ أمثلة متعدّدة، [لذلك] لا أرغب في تكرار كلامي.  الانضباط في بيئة العمل، الشعور بالمسؤوليّة تجاه العمل، هذه كلّها وظائف العُمّال.

عندما نُطالب ونقول «لنعرف قیمة العمل» فهذا الأمر لا يختصّ بالمجتمع العُمّالي نفسه، [بل يعني أنّ] جميع الناس ينبغي لهم أن يعرفوا قيمة العمل. [لهذا العمل] فائدتان: الأولى أن ينظر [المجتمع] إلى العامل على أنّه كائنٌ ذو قيمة؛ فإذا حصل ذلك، فإنّه سينظر إلى العامل – أيّ عامل؛ العامل الذي يعمل فوق آلة العمل، والعامل الذي يعمل في الأرض، والعامل الذي يعمل في البناء. كلّ من يصدق عليه مصطلح «العامل» - على أنّه فرد ذو قيمة. ثانياً: تنشأ لدى ذلك الإنسان نفسه أيضاً رغبة في العمل. لدينا عددٌ من الشّباب في البلاد، هم شبابٌ ولكن للأسف هم يفتقرون إلى أيّ رغبة في العمل، وأيضاً لا يسعَون خلف العمل، ولا يتدرّبون على العمل ولا يبحثون عنه. لدينا أشخاص يسعون وراء العمل، لكنهم يعتبرون العمل مقتصراً على الجلوس خلف الطاولة، ويسعون خلف ذاك النوع [من العمل]، بينما الجلوس خلف الطاولة لا يُعدّ عملاً دائماً، بل يكون أحياناً بطالة، مع أنه يُحتسب عملاً أيضاً، نعم، العمل ليس مقتصراً على الجلوس خلف الطاولة. بناء عليه، يجب أن يلعب الشّباب دوراً في عمليّة الإنتاج داخل البلاد وأن يُنشؤوا هذه الأدوار، وهذا الأمر يتمّ عندما يتكوّن الشعور بأنّ العمل ذو قيمة.

هناك نقطة أخرى ترتبط بقضيّة مشاركة الناس في الإنتاج، وقد قلنا «الطفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة». كيف تتحقّق «المشاركة الشعبيّة»؟ هذا سؤالٌ على أيّ حال. افترضوا أنّ شخصاً يرغب بالمشاركة في الطفرة الإنتاجيّة، كيف يُشارك؟ من الذي ينبغي له أن يُعلّمه؟ هذا ما أودّ قوله. إحدى المسؤوليّات المهمّة للمسؤولين هي أن يجلسوا ويُبيّنوا أرضيّات الحضور الشعبي والمشاركة الشعبيّة في الإنتاج والأعمال الإنتاجيّة، وأن يُهيّئوا الظروف المناسبة، مثالٌ على ذلك التعاونيات – تأسيس الشركات التعاونيّة – ومنها دعم المهن المنزليّة، كذلك مدّ يد العون والمساعدة للحرف اليدويّة، وأيضاً المساعدة في تأسيس الشركات المعرفيّة. طبعاً بمقدور الحكومة الاستفادة من أصحاب الرأي في الاقتصاد، وهم حاضرون بحمد الله داخل الحكومة وخارجها أيضاً. هؤلاء قادرون على عرض الكثير من المسارات الأخرى التي تؤدّي إلى مشاركة الناس؛ المشاركة في مجال القضايا الصناعيّة، القضايا المنزليّة، الصناعات اليدويّة، قضيّة الزراعة، قضيّة المواشي؛ بمقدور الناس المشاركة في هذه الأمور كلّها. يجب أن يجري عرض المسار لتحقيق ذلك أمام الناس وتأمين الأرضيّة الملائمة لتسهيل مشاركتهم.

طبعاً، هناك نقطة أخرى مرتبطة بالحكومة أيضاً، [وهي عبارة عن] أنّه ينبغي توجيه الأرصدة المصرفيّة نحو الإنتاج، وطبعاً، ليس الأمر على هذا النحو اليوم. يجب أن يتمّ توجيه الأرصدة المصرفيّة والتقديمات المصرفيّة نحو قضيّة الإنتاج بشكل أكبر. وعلى المسؤولون عن المصارف أن يلتفتوا إلى هذا الأمر.

النقطة الأخيرة تتعلق بالحظر. طبعاً، عندما نتحدث عن القضايا الاقتصادية، لا يمكننا أن نكون غير مكترثين للحظر. منذ سنين ونحن نواجه حظراً قاسياً. أنواع الحظر التي قال عنها الذين فرضوها أنفسهم، أيْ الأميركيون أساساً، ويتبعهم بعض الأوروبيين إنها غير مسبوقة في التاريخ! هم قالوا ذلك. حسناً، أولاً، ما الهدف من هذا الحظر؟ إنهم يذكرون أهدافاً، ولكنهم يكذبون؛ فالهدف ليس هذه الأمور. يثيرون قضيّة الطاقة النوويّة، والسلاح النووي وحقوق الإنسان. وهذه ليست هي الأسباب في الواقع. يقولون إننا نفرض الحظر على إيران لأنّها تدعم الإرهاب! مَن هو الإرهاب؟ أهالي غزّة؟! أهالي غزة إرهابيون من وجهة نظر "جنابهم"! الكيان الخبيث والزائف والغاصب وعديم الرحمة؛ الذي يقتل ويجزّر طوال 6 شهور بنحو 40 ألف إنسان، والآلاف منهم أطفال، هو ليس إرهابياً! والناس القابعون تحت قصفه إرهابيون! إذاً، هذه الذرائع هي ذرائع كاذبة؛ الهدف من الحظر ليس هذه القضايا.

الهدف من الحظر هو التضييق على إيران الإسلاميّة. يريدون جعل النظام الإسلاميّ للجمهورية في ضائقة، لِمَ؟ لكي يغدو تابعاً لمساراتهم الاستعماريّة والاستكباريّة، ويرضخ لمطالبهم المتغطرسة وأغراضهم السلطويّة، فيجعل سياساته تابعة لسياساتهم. هذا هو الهدف. نعم، بعض الأشخاص وانطلاقاً من دوافعهم الحسنة – ورأيهم منطلقٌ من النوايا الحسنة إن شاء الله – يوصون باستمرار بأنْ يا سيّدنا: «فلتنجزوا [الاتفاق] الفلاني مع أمريكا، ولتستمعوا إلى ما تقوله». طبعاً، لا حدود لتوقّعاتهم، فقبل أعوام عدّة جرى الحديث هنا في هذه الحسينيّة بشأن القضايا النوويّة، وقلت في خطاب عام: «فليحدّد الأمريكيّون ما هو حد التراجع في الملف النووي الذي سيرضيهم لو تمّ؟». ليسوا مستعدّين لتحديد ذلك، ومن الواضح أنّهم سيتقدّمون خطوة بخطوة حتى يصلوا إلى ما حدث في أحد البلدان الأفريقيّة - في شمالي أفريقيا - أي [ليقولوا] تخلّوا عن كلّ أجزاء [الملف] النوويّ. يحتاج أيّ بلد إلى الطاقة النوويّة والطبابة والعلاج النوويّ، ويجري في البلاد نتيجة هذا التقدّم النووي إنجاز مئات الأعمال الضروريّة، وينبغي تعطيلها كلّها! هذا ما يتوقّعونه. إنهم يريدون التبعيّة التامّة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والتدابير العامّة للبلاد، بل ويطالبوننا بالرضوخ إليهم، أيْ نفس الأوضاع التي تشاهدونها في بعض الحكومات وتعلمون بها، حيث أنّ ثرواتهم وسمعتهم في أيدي أولئك، وسياستهم تابعة لهم. هذا ما يريدونه. طبعاً، واضحٌ أنه يستحيل للنظام الإسلاميّ والغيرة الإسلاميّة والشعب الإسلامي العظيم والمخضرم أن يستسلم لمثل هذه الغطرسة. مسألة الحظر هي لهذه الأمور.

نعم، الحظر يضر باقتصاد البلاد؛ لا يوجد أدنى شك في هذا. أيْ إن جزءاً من المشكلات الاقتصادية ناجم عن الحظر؛ ليس هناك شك حول هذا الأمر. لكن، هناك نقطة إلى جانب ذلك، وهي أن هذا الحظر يؤدي إلى ازدهار المواهب داخل البلاد؛ لقد أدّى هذا الحظر إلى ظهور طاقات البلاد. نحن اليوم نصنع الكثير من الأشياء التي كنا مجبرين أن نشتريها ونستوردها من دول أجنبية – وبعضها عدوة لنا - بتكلفة باهظة؛ لماذا؟ لأننا كنا مجبَرين، وهم لم يبيعوا لنا، وسدّوا علينا الطريق، فراجعنا أنفسنا، ونَمَونا ذاتياً. لقد تمكّن شبابنا وعلماؤنا من إنتاج تلك المُعدّات التي كانوا يبيعونها لنا بثمن باهظ، بتكلفة قليلة في الداخل. هكذا يكون الشعب الحي؛ إنّ أيّ شعب حيّ يستغلّ أيضاً عداء عدوّه ليصنع فرصة لنفسه.

توصيتنا الدائمة لشبابنا الأعزّاء ومسؤولينا الموقرين ورجالنا ونسائنا المتديّنين والغيارى هي: فلتصنعوا من عداء العدوّ فرصة لأنفسكم. أحد النماذج على ذلك هو قضيّة التسليح وأنواع التقدّم التسليحي التي أذهلت العدوّ، إذْ استطاعت إيران في ظلّ الحظر تصنيع أسلحة متقدّمة وبهذه الأعداد أيضاً، نعم! نعم، إنها قادرة، وهي قادرة على تصنيع ما هو أكثر عدداً من هذا المقدار وأفضل منه، وهي - إن شاء الله - قادرة على [تصنيع] ما هو أكثر تقدّماً من هذا أيضاً. ولا يقتصر الأمر على السلاح، فقد أثبت السلاح نفسه في قضية ما، [لكن] الأمر على هذا النحو بالنسبة للكثير من المجالات، فنحن نعدّ اليوم من الرواد في مجالَي الطب والصحة، رغم كل المشكلات الموجودة ورغم الحظر. لدينا قضية قد لا يكون لها مثيل في منطقتنا، وتعدّ من النماذج المميزة في العالم. والأمر كذلك في المجالات الصناعية، وأيضاً في مختلف القطاعات الهندسية. طبعاً، نحن متخلّفون عن الركب في بعض المجالات، لكن إذا بذلنا الهمّة، فسوف نتقدّم في المجالات كافة.

طبعاً، يفرض العدوّ الحظر علينا بذريعة الإرهاب وأمثال هذه الأمور. إنّ تأثير أنواع الحظر هذا بات يتراجع تدريجياً. لقد مارسوا الحظر أعواماً عدّة، ووجدوه غير مُجدٍ. تقول المصادر العالميّة الموثوقة إنّ الناتج المحلّي الإجمالي لإيران - على سبيل المثال - أكبر في هذا العام من العام السابق. لمَ هو أكبر؟ لأنّ الشعب يعمل أكثر وبنحوٍ أفضل، ولأنّ أنواع الحظر لا تُنهكهم، ولأنهم لا يُعلّقون الآمال على المساعدات من خارج البلاد والحدود. بالطبع، هذا هو السبب، ويجب تعزيزه. لا بدّ من تعزيزه، وينبغي تقوية هذه الروحيّة في البلاد.

[لا تعيروا اهتماماً] إذا قالوا: «إنكم تناصرون الإرهاب». ينعتون جبهة المقاومة بالإرهاب، ويقولون: «لماذا تدعمون فلسطين؟». اليوم، العالم بأسره يؤيّد فلسطين، فالناس في أوروبا وواشنطن ونيويورك ينزلون إلى الشوارع نصرةً لفلسطين، ويُطلقون الشعارات تأييداً لها، وهذا الأمر ليس محصوراً بنا فقط. [يقولون] لماذا تؤيّدون «حزب الله»؟ لقد عرضوا نموذجاً على ذلك يرفع فيه الأمريكيون راية حزب الله في شارعٍ بإحدى المدن الأمريكيّة. إنّ شعوب العالم تؤيّدهم لأنهم مقاومون وغيارى ومناهضون للظلم، فالفلسطيني يدافع عن منزله الذي غُصب وسُلبَ منه بالقوّة. عندما يُقدم مستوطن بمساندة شرطة الكيان الصهيوني الخبيث على تسوية بستان فلسطيني ومزرعته ومنزله السكني بالأرض بواسطة الجرّافات ليبني مستوطنة له على تلك الأرض، فهل الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه ومنزله إرهابي؟! وهل جبهة المقاومة إرهابية؟! الإرهابي هو مَن يقصفهم. إنهم لم يحقّقوا شيئاً من هذه الفاجعة التي ارتكبوها، ولن يحققوا شيئاً بالطبع.

على أيّ حال، ليكن واضحاً لدى شعبنا – وهو واضح لدى الشعب - أنّ العداء تجاه الشعب الإيراني ليس بسبب هذه القضايا التي يذكرونها والأكاذيب التي يختلقونها؛ إنّ السبب في العداوة هو أنّ إيران دولة مستقلة، لا تخضع لهم، ولا تقبل بغطرستهم، وغير مستعدة لأنْ تكون تابعة لسياسة هذا وذاك؛ ولا سيّما السياسات الفاشلة. اليوم تعترف القوى البارزة في العالم كما يسمّون أنفسهم، بأنها في طور الفشل. شاهدتُ خبراً في إحدى المجلّات الأمريكيّة - قبل يومين أو ثلاثة - يفيد بأنّ أمريكا باتت على وشك أنْ تفقد - بل فقدت - المكانة التي اكتسبتها خلال 200 عام في غضون 20 عاماً. هذا ما يقولونه بأنفسهم، وهذا ما كتبته مجلة أمريكية معتبرة، ولسنا مَن يقول ذلك. والآن هذه السياسة المتخلّفة، المهزومة، الفاشلة والمتناقضة مع الفطرة الإنسانية، ومع كل القيم الإلهية والإنسانية، تتوقع من شعب مستقل مثل إيران – شعب مخضرم وعريق ومتحضّر - أن يتبع سياساتها! إذاً من الواضح أن هذا الأمر غير ممكن.

إن الشعب الإيراني صامد وصلب. وعلينا أن نثبت هذه الصلابة في الممارسة العملية، وأن نثبتها من خلال تحصيل العلم، والأبحاث، وعلينا أن نثبتها في الوحدة الوطنية. إذا حصل ذلك، فإنّ المشقّات والمشكلات ستحمل في طياتها فرجاً لنا. المشقة المفروضة – تلك المشقة التي يفرضها العدو – تنطوي في داخلها على فرصة وفرج، شرط ألّا نتكاسل، وألّا نتثاقل. بحمد الله، الشعب حيٌّ، وتوجد في بلادنا قابلية على أن نكون أكثر حيوية، وإن شاء الله، إذا تقدّمنا في هذا الاتجاه، فسيكون الأفق المشرق للمستقبل متاحاً بتوفيق من الله، وسيصل إليه الشعب الإيراني، إن شاء الله.

نرجو من الله أن يحفظ الشعب الإيراني وكل المجتمع العُمّالي المؤمن، وينصركم على أعدائكم، ويُرضي عنا أرواح الشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إقرأ المزيد في: خطاب القائد

خبر عاجل