آراء وتحليلات
الردُّ الإيراني صفعة قوية للردع الإسرائيلي والأميركي
خالفت إيران التوقعات بردها السريع على العدوان "الإسرائيلي" على قنصليتها في دمشق. فليلة السبت - الأحد الواقع فيه 13 و14 نيسان/أبريل أطلقت إيران مسيّراتها وصواريخها الباليسيتة على الأهداف العسكرية الإسرائيلية في الكيان الصهيوني محققة إصابات مباشرة وأضراراً أهمها في قاعدة نيفاتيم التي سبق وانطلقت منها الطائرات المعادية لقصف القنصلية الإيرانية.
وقد نفَّذت الضربة بحرفية عسكرية عالية، إذ إنه على الرغم من أن إيران أعلنت عن توجيهها للضربة قبل 48 ساعة من حصولها، فإن استنفار القوات "الإسرائيلية" ومعها القوات الأميركية والبريطانية في الأردن لم يستطع منع معظم المُسيّرات والصواريخ الإيرانية من الوصول إلى أهدافها، علماً أن القوات الإيرانية كانت قد تمكّنت من تعطيل شبكات الإنترنت والاتّصالات في الكيان الصهيوني ما أثر سلبًا على عمل الرادرات ومنظومات الإنذار المبكر وأضعف من قدرة القبة الحديدية "الإسرائيلية" على اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية.
أما الإعلان "الإسرائيلي" عن التصدي للرد فقد جاء ضعيفًا، ما يعكس الفشل العسكري "الإسرائيلي" في الدفاع والنجاح الإيراني في الهجوم. فقد زعم المتحدث باسم جيش العدو أنَّ "إسرائيل" نجحت بالتعاون مع تحالف إقليمي ودولي عريض في إحباط هجوم إيراني كبير.
وبمعزل عن الجدل حول حجم الأضرار المادية التي لحقت بالمواقع العسكرية "الإسرائيلية" في ظلّ التعتيم الذي فرضه "الجيش الإسرائيلي" وسط رقابة مشددة، فإن الإنجاز الإيراني الأكبر يتمثل بحجم الضرر الذي ألحقته إيران بسياسة الردع "الإسرائيلية" والأميركية في الشرق الأوسط. وفي هذا الاطار، أعلن أحد أعمدة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة مستشار الأمن القوميّ الأسبق جون بولتون أن الضربات الإيرانية الأخيرة لـ"إسرائيل" تمثل "فشلًا ذريعًا" للردع من جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة.
وقال بولتون لشبكة "سي إن إن" مساء السبت إن "ما حدث الليلة الماضية يمثل فشلاً ذريعاً للردع الإسرائيلي والأميركي". وأضاف أنه على الرغم من "محدودية الضرر الذي وقع في القواعد والأهداف العسكرية الإسرائيلية، بانتظار الحصول على تقرير نهائي، وعلى الرغم من أن عدد القتلى "الإسرائيليين" كان قليلًا جدا، فإنَّ "إسرائيل" تعرضت لصفعة غير مسبوقة، وإن النفوذ الأميركي تعرض أيضًا لضرر كبير".
وأشار بولتون إلى أنَّه على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تساعد "إسرائيل" على توجيه ضربة لإيران، ولو كانت غير متناسبة مع الهجوم الإيراني، حتّى ترمم الضرر الذي أصاب الردع "الإسرائيلي" ومعه الردع الأميركي في المنطقة.
لكن يبدو أن الضربة الإيرانية، ونجاحها الكبير جعلا رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو يتردّد في توجيه ضربة لإيران، على الرغم من توصية مجلس الحرب "الإسرائيلي" الذي انعقد مساء الأحد بذلك. فلقد أعلنت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الصهيونية أنَّ نتنياهو أجرى عقب اجتماع مجلس الحرب اتّصالًا ببايدن وقرَّر بعدها عدم الأخذ بتوصية مجلس الحرب "الإسرائيلي". ويبدو أنَّ الأميركيين هم من منعوا بداية نتنياهو من الرد نتيجة تلقيهم تهديدات إيرانية بأن الضربة الإيرانية التالية ستكون أقوى وأنها لن توفر القواعد الأميركية في كامل الشرق الأوسط إذا هبت واشنطن لنجدة "تل أبيب". لكن المؤشرات الأخيرة، تدل على ضوء أخضر اميركي حصل عليه نتنياهو للقيام برد يحفظ ماء الوجه.
إنَّ أهم إنجاز حققته إيران، هو استجابتها للتحدي وإظهار عدم خشيتها من حرب إقليمية كبرى ضدّ "إسرائيل" والولايات المتحدة وحلفائهما حتّى وإن كانت طهران لا ترغب بحرب كهذه. وبالتالي فإنها وجهت رسالة قوية لنتنياهو تفيد بأنَّه لا يمكن أن يبتزها بالتهديد بجر الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وأنَّ على واشنطن إذا أرادت المواجهة ألا تختبىء خلف وكيلتها "إسرائيل"، وأنَّ عليها أن تواجه إيران مباشرة.
بين السعي الإسرائيلي لعمل عسكري يحفظ ماء الوجه، والاستنفار الإيراني للرد الفوري على أي عدوان جديد، تترقب المنطقة مرحلة جديدة قائمة على معادلات نوعية في مجال الردع والقوّة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024