آراء وتحليلات
بعد الرد الإيراني الكيان هُزم مرتين
مباشرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استغاث الكيان المؤقت بالولايات المتحدة لانتشاله من حافة الاندحار فأغاثته، ولولا هذا التدخل الأميركي العاجل، لمّا استطاع الكيان الدفاع عن نفسه، وقد بدا أوهن من ذلك بكثير، وكذلك استغاث الكيان المؤقت بأميركا قبل وقوع الردّ الإيراني وأثناء وقوعه وبعده، أيّ أنّه خلال ستة أشهر وقف الكيان على حافة الهاوية الأبدية مرتين، قبل وبعد، ويستغيث فيُغاث.
ويبدو أنّه في زمن الهزائم، ليس من السهل أن تكون كيانًا وظيفيًا، وليس من السهل أن تقوم بوظيفتك الرخيصة، وأنت محاطٌ بأحزمةٍ من الصواريخ، إحاطة السِوار بالمعصم، والأشد صعوبةً أنّها في أيدي أعداءٍ ذوي بأسٍ شديد، والأنكى ذوي تصميمٍ شديد، لا يتراجعون عن أمرٍ اعتزموه خوفًا أو طمعًا، وهذا قاسمٌ مشترك لكل أطراف محور المقاومة، بغضّ النظر إن كان القرار جماعيًا أو فرديًا.
كما كان قرار القسام منفردًا في السابع من أكتوبر، كان قرار حزب الله منفردًا بالإسناد والتضامن في الثامن من أكتوبر، وهذا ينطبق على أنصار الله في اليمن وفصائل المقاومة في العراق. ورغم أنّها جميعًا قرارات فردية ابتداءً، إلا أنّها وصلت مرحلة الإجماع فأصبحت قرارًا موحدًا لا تنفصم عُراه، ويتبدى التصميم الشديد في الترهيب والترغيب الذي تمارسه الولايات المتحدة، في محاولة فكّ عُرى ذاك الإجماع، والاستفراد بكلّ طرفٍ على حدة.
وكان الجواب موحدًا في لبنان واليمن والعراق، القرار في غزّة، أوقفوا العدوان على غزّة نتوقف جميعًا دون الحاجة لطول شرح وطول مفاوضات وطول جولات، ودون الحاجة لتقديم تنازلات أو إغراءات سياسية أو مالية واقتصادية، التنازل الوحيد المقبول حاليًّا هو أن تقبل الإدارة الأميركية طائعةً أو مضطرةً إعلان فشل العدوان وهزيمة الكيان، وهذا خيارها الوحيد والمتاح حاليًّا في حال رغبت بالاستثمار زمنًا أطول في وظيفية كيانها المؤقت.
وهذا ما ينطبق على إيران حاليًّا كقوةٍ إقليميةٍ عظمى وكأقوى أطراف محور المقاومة؛ تصميمٌ هائل امتلكته على تنفيذ ردٍ متناسب، على جريمة العدوّ الصهيوني باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم تجد الولايات المتحدة لثنيها عن ذلك من سبيل.
كان العالم ينام ويستفيق في حالة انتظارٍ للردّ الإيراني، وكانت تقوم أميركا وكيانها المؤقت بحشو آذان الكون يوميًا بالتحليلات والتوقعات، وتقارير استخبارية من هنا وتصريحات سياسية من هناك عن طبيعة الردّ وتوقيته ومكانه ونقطة انطلاقه، ويشعرونك أنّ القيامة قامت، فتيمم وجهك شطر إيران فتجدها تجلس رِجلًا على رجل.
إيران ليست إمبراطوريةٍ تأفل أُحاديتها القطبية، وليست كيانًا مؤقتًا يقترب من الزوال مع مرور الوقت، بل هي وجودٌ طبيعي في جغرافيا طبيعية، وهي قوة عظمى إقليميًا وصاعدة دوليًا، لذا لا تتصرف بردات فعلٍ أشبه بالعشوائية أحيانًا، كما تفعل الإمبراطورية أو كما يفعل الكيان، تتصرف الولايات المتحدة تحت ضغط الحفاظ المستحيل على الهيبة، فيما يتصرف الكيان تحت وطأة مرور الوقت، الذي يمثل ساعة الرمل بالنسبة لبقائه.
لذلك كان الردّ الإيراني حتميًا لا يدانيه شك، وبعد وقوعه أصبح المهم هو البحث في شكل الصراع، حيث يبدو أنّ الردّ الإيراني كان متوافقًا تمامًا مع ما تصورناه وسجلناه هنا في مقال النصر الغزّي الخالص، بأنّه سيكون ردًا رادعًا، وفي ذات الوقت لا يحقق رغبة نتنياهو أو بايدن بعدم اعتبار الهزيمة، هزيمة أمام غزّة الصغيرة المحاصرة، بل حرب إقليمية يصعب تحديد خطوط الفصل فيها بين النصر والهزيمة، وبمجرد توقف المدافع ستتوه الهزيمة الصهيوأميركية أمام غزّة، في زحمة الاشتباك الإقليمي والمفاوضات الدولية لوقفه.
إنّ الردّ الإيراني كان حاسمًا ودقيقًا على كلّ المستويات العسكرية والأمنية والتقنية والمعنوية، حيث يُستشف هذا من التصريحات الأميركية البعيدة عن البروباغندا المؤدّية لتبرير عدم ردّ الكيان على ردّ إيران.
فمثلًا يقول بايدن "إنّ الهجوم الإيراني كان غير ناجح"، وهذه بروباغندا تفيد بأكثر من اتّجاه، ولكن أهمها التمهيد لعدم الحاجة لردّ "إسرائيلي"، ثمّ يقول بايدن"أبلغت نتنياهو عدم مشاركة أميركا بأيّ ردّ "إسرائيلي"، وهذا هو التصريح الذي ينم عن حقيقة الردّ الإيرلني، حيث لو كان بالفعل كما يقول بايدن أنّه هجومّ غير ناجح، لأثبت بالقطع أنّ إيران نمرٌ من ورق، وبالتالي لن تتردّد أميركا في سحقها، ولكن بما أنّ الردّ كان ناجحًا فقد أصبح رادعًا.
واليقينيات أنّ "إسرائيل" هُزمت مرتين شرّ هزيمة في ستة أشهر، مرةً في غزّة بعد أن استخدمت قوتها القصوى، ومرةً بعد الردّ الإيراني، حيث سقوط نظريات الأمن "الإسرائيلي" دفعةً واحدة، وقد كان الأمن "الإسرائيلي" يعتمد على نقل المعركة لأرض العدو، والآن أصبحت المعركة في فلسطين المحتلة، كما أنها كانت تعتمد على الهجوم الاستباقي، فيما هي الآن في خانة الدفاع، وأيضًا كان الكيان قادرًا على ردع كلّ محيطه بل والاعتداء على الجميع دون رادع، اليوم لم يعد قادرًا على حماية نفسه دون تدخلٍ مباشر من دولٍ غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بكلّ ترسانتها العسكرية والتقنية.
وعليه فإنّ الردّ الإيراني ليس منفصلًا عن طوفان الأقصى بنتائجها ومساراتها، وإن جاء ردًا على جريمة استهداف القنصلية، بمعنى أنّه ردٌّ إيرانيٌّ في القرار والتنفيذ، لكنّه يصبّ في خانة النصر الفلسطيني الغزّي المستمر والمتراكم منذ السابع من أكتوبر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024