آراء وتحليلات
خيارات المعركة بين التحرّك السياسي وحتمية الردّ الإيراني
انتهى شهر رمضان، ولم يعلن وقف لإطلاق النار في غزّة وفقًا لقرار مجلس الأمن الذي تمّ رميه في سلّة مهملات التاريخ كغيره من قرارات هذا المجلس عندما يتعلق الأمر بجرائم الكيان الصهيوني وممارساته.
الأيام الأخيرة أظهرت من جديد مزيدًا من التوافق بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، في الوقت الذي بنى فيه الكثيرون آمالًا على خلاف مزعوم بين الجانبين.
والحقيقة هي أن الجانبين وكما أكدنا مرارًا يعتمدان تكتيكًا لا يخفى إلا على الواهمين، هذا التكتيك يشمل توافقهما تحت الطاولة على أدق التفاصيل، كما يشمل تظهير خلافاتهما أو توافقاتهما في العلن بحسب ما تقتضيه ضرورات المخطّط المشترك.
بايدن عاد للتذكير بالتزام إدارته بأمن إسرائيل في مواجهة التهديدات الإيرانية بالرد وأرسل قائد القيادة المركزية الأميركية إلى "تل أبيب" للتنسيق بهذا الخصوص، في ذات الوقت الذي هدّدت فيه حكومة نتنياهو بالرد داخل إيران في حال أقدمت طهران على مهاجمة الكيان الصهيوني.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر أميركية بريطانية أن "ميناء بايدن" أوشك على الانتهاء، قال نتنياهو بأن خطة اقتحام رفح باتت جاهزة وتم تحديد موعد لها.
من المهم الإشارة إلى أن إدارة بايدن تنفست الصعداء على الصعيد الداخلي لأسباب متعلّقة بخلافات ما بين الجمهوريين وأخرى متعلّقة بقانون الإجهاض، ومن غير المستبعد أن كلّ ذلك جرى مقابل مزيد من التأييد من قبل إدارة بايدن للكيان الصهيوني في حربه الهمجية على غزّة.
في القاهرة تستمر المفاوضات التي وصفت بالصعبة، في الوقت الذي أكدت فيه حماس أن المقترح الذي قدم لها لا يلبي مطالب المقاومة لكنّها سترد عليه من باب الواجب الذي تفرضه مسؤوليتها امام الشعب الفلسطيني، ولعل هذا الموقف هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء اغتيال أبناء رئيس المكتب السياسي لحماس "إسماعيل هنية" على عكس ما تدعي واشنطن و"تل أبيب" من أن الاغتيال تم من دون قرار سياسي، وهو ما أكدته التصريحات المكرّرة الصادرة عن الرئيس الأميركي بايدن والتي دعا فيها حماس إلى الموافقة على خطة وقف إطلاق النار وفقًا للمنظور الأميركي الإسرائيلي، بينما أعلن هنية تمسكه بشروط المقاومة والمتمثلة بوقف شامل لإطلاق النار وعودة النازحين إلى منازلهم بالكامل قبل الحديث عن صفقة لتبادل الأسرى.
على الجانب المقابل لا يزال محور المقاومة وعلى امتداد جبهات الإسناد وبكل مكوناته في حالة استنفار لما هو قادم والذي لا يبدو بعيدًا، فالقول الفصل بما يخص التهدئة أو الانفجار لا يحتمل مزيدًا من الوقت في ظلّ استعراضات القوّة والتهديدات بين الجانبين، وفي ظلّ التعنت الإسرائيلي والمراوغة الأميركية، ورفض واشنطن والدول الغربية إدانة اسرائيل أو الضغط عليها.
وعلى صعيد السياسي، فإن واشنطن ومعها بريطانيا وفرنسا عرقلت صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي لإدانة العدوان الإرهابي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الحالي بعد أن تقدمت روسيا بمشروع البيان بالتنسيق مع إيران وسورية، وأصرت واشنطن على ممارسة سياسة التضليل عبر ادعائها أنها ليست متأكدة من أن المبنى المستهدف يستخدم كمقر دبلوماسي، وادعائها بعدم علمها بالعدوان قبل وقوعه، ولكنها - أي واشنطن - ولخشيتها على حليفتها "إسرائيل" وبحثًا عن ضمان أمن قواتها المنتشرة في المنطقة سارعت لفتح قنوات الوساطة والتواصل مع طهران عبر عواصم غربية وعربية في محاولة منها لثني طهران عن الرد على الجريمة الإسرائيلية، وترافق ذلك مع بروباغندا إعلامية لم تخل من التسريبات الكاذبة والتهديدات هدفها الضغط على طهران للقبول بالطلب الأميركي دون جدوى.
وتشير تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان، وبعد اتّصالات تلقاها من نظرائه من عدة دول أوروبية وعربية، إلى أن طهران لم تكن لتغلق الباب في وجه واشنطن لو أن واشنطن والدول الغربية اعترفت بالجريمة الإسرائيلية وتبنت مواقف واضحة بإدانتها، وضغطت على "إسرائيل" لوقف عدوانها الهمجي على غزّة، وهو ما لم تقدم عليه واشنطن وحلفاؤها، مما جعل حتمية الرد الإيراني شبه مؤكدة كضرورة لا بد منها لردع الكيان الصهيوني ووقف عنجهيته وجرائمه.
واستنادًا لكل تلك المعطيات يمكن القول بأن المنطقة باتت أمام أربعة احتمالات:
• تهدئة وفقًا لوقف إطلاق النار على غزّة والرضوخ لشروط المقاومة الفلسطينية، وإدانة للجريمة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية بدمشق (ولا يبدو أن الظروف قد نضجت لهكذا احتمال).
• رفع وتيرة الاشتباك من قبل مكونات محور المقاومة لزيادة الضغط على "إسرائيل"، وهذا ما يمكن أن تقابله واشنطن و"تل أبيب" بمزيد من عمليات الاغتيال، وهو ما يعني استمرارًا للمعركة إلى أجل غير محدّد.
• اشتباك أوسع ناتج عن الرد الإيراني، يمكن أن يتبعه رد إسرائيلي، ومن ثمّ ردود من مكونات المحور، ينتهي بوقف أشمل لإطلاق النار وفق شروط وقواعد جديدة.
• اشتباك مفتوح بفعل الرد الإيراني يمكن أن يتوسع ليشمل التواجد الأميركي في المنطقة وخاصة في حال تدخلت واشنطن لصالح الكيان الصهيوني.
أخيرًا، فإنه من المتوقع أن الساعات القادمة (48 ساعة على الأكثر) ستحمل مؤشرًا على أي من الاحتمالات الأربعة يمكن أن يرسو الخيار ويتّجه الصراع، وما هو مؤكد أن محور المقاومة لن يسمح بأي شكل وتحت أية ظروف بتضييع الانتصار والسماح لـ"إسرائيل" بتحقيق أهدافها، وأن مصالح الفلسطينيين وفي غزّة تحديدًا هي البوصلة لقراراته التي سيتخّذها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024