آراء وتحليلات
زيارة قادة المقاومة إلى طهران.. وحدة المحور في ذروة الحرب
إيهاب شوقي
ركزت وسائل الإعلام الغربية وكذلك العربية، وتحديدًا الخليجية، على أمر لافت يخصّ زيارة قادة المقاومة الفلسطينية إلى طهران، وهو أن هذه الزيارة كانت علنية، فقد أعلن عنها مسبقًا خلافًا للزيارة الأولى في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، بعد وصول رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة "حماس" إسماعيل هنيّة ولقائه المسؤولين الإيرانيين.
من نماذج هذه التغطيات، كانت تغطية صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي قالت نصًا: "على خلاف الزيارة السرية الأولى، استقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللّهيان هنيّة على السجادة الحمراء الذي يمدّها عادة في استقبال نظرائه الأجانب. كما عُقد مؤتمر صحافي في مقر وزارة الخارجية الإيرانية، وكان هنيّة المتكلم الوحيد".
هذه الملاحظة لافتة ومهمة بالفعل على المستوى الشكلي. وعلى مستوى المضمون هناك ترتيب آخر لافت، وهو أن سكرتير مجلس الأمن القوميّ علي أكبر أحمديان عقد اجتماعًا مشتركًا مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة والأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زياد نخالة، من دون تقديم التفاصيل.
ومجموع الملاحظتين، من حيث الشكل والمضمون، الاستنتاج الأبرز هو أن الملاذ الأول والأهم لقوى المقاومة الفلسطينية في هذه اللحظات المفصلية والدقيقة هو إيران ومحور المقاومة ككل، بدلالة التوجّه إليه دون غيره في هذه اللحظات الحاسمة، والتي تقترب من مواجهة منتظرة تكاد تحسم هذه المعركة الدائرة منذ 7 أكتوبر، وهي المتعلّقة بمعركة رفح التي يلوّح بها العدوّ الإسرائيلي، والتي ستتحدد على أثرها الكثير من معالم المستقبل للمنطقة ولوضع القضية الفلسطينية.
وممّا لا شك فيه أن حال الطمأنينة التي بثتها إيران بتصريحات مسؤوليها كافة، وعلى رأسهم آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، أوضحت أن المقاومة هي المنتصرة في نهاية المطاف، وهي الحال الواجب اتباعها في هذه اللحظات الدقيقة؛ لأنها اختبار حقيقي لمدى الإيمان بالمقاومة وجدواها وحتمية انتصارها، خاصة أن المعركة الراهنة هي معركة إرادة وإيمان.
وويمكن انتقاء أبرز الدلالات المباشرة لهذه الزيارة، وما جرى فيها من لقاءات وما صدر عنها من تصريحات:
1 - باتت إيران هي قبلة قوى المقاومة بسبب صمودها في دعم المقاومة وثباتها، وعدم تلوّنها كبلدان أخرى حاولت التظاهر بالدعم وانكشفت عند المحطات الحاسمة.
2 - الدعم الإيراني سياسيًّا وعسكريًا لمحور المقاومة ككل وضع إيران على رأس معسكر المقاومة في مقابل أميركا الراعي الأكبر للكيان ولكل الأنظمة المطبعة والمهادنة مع العدو، وهو دور تاريخي لإيران وصل إلى محطة كبرى من المواجهة بعد فرز دقيق وسقوط للأقنعة التي حاول كثيرون ارتدائها للتظاهر بدعم القضية الفلسطينية.
3 - السياق الحاكم للزيارة بعد صدور قرار لمجلس الأمن بوقف العدوان ومخالفة صريحة له من العدو، مع وصول المفاوضات إلى طرق مسدودة، هو سياق يعني أن الآفاق السياسية أغلقت وأن هناك مرحلة جديدة، وأن هذه المرحلة عنوانها الوحيد هو المقاومة حصرًا، وهو ما يعني أن الدور الإيراني سيركز على دعم الصمود والمقاومة بدلًا من توزيعه بين الدعم السياسي والدعم العسكري.
4 - علنية الزيارة واستقبال وزير الخارجية الإيراني لإسماعيل هنيّة بهذا الشكل الرسمي واجتماع هيئة الأمن القوميّ الإيراني بقائدي حماس والجهاد، هو دلالة مباشرة بأن إيران لا تخشى تبعات هذا الدعم الصريح ولا تنكره ولا تناور، وأنها تقود المقاومة في أشد اللحظات دقة وخطورة وحساسية، وهي رسالة سياسية وعسكرية كبرى مرسلة إلى أميركا و"إسرائيل" ومن يراهن على سقوط المقاومة من العرب.
وممّا لا شك فيه أن هذه الزيارة تزامنت مع رسائل من الجبهات المقاومة كافة:
أولا: التصعيد النيراني لحزب الله وقصف المستوطنات بالصواريخ الثقيلة التي لم تُستخدم إلا لقصف المواقع العسكرية وتطوير العمليات على مستوى المدى. والقوّة النيرانية هي رسالة صريحة وحاسمة من لبنان بأن المقاومة عند وعدها بأنها ستصل بالشوط لنهايته، ولن تسمح للعدو بتغيير المعادلات ولا الانفراد بغزّة.
ثانيا: على مستوى اليمن، السيد عبد الملك الحوثي أعلن عن فشل أميركا في الحد من قدرات اليمن وثنيه عن عملياته في إسناد غزّة وحصار الكيان الصهيوني، وأن اليمن سيصعّد من عملياته إلى أن يتوقف العدوان.
ثالثًا: على مستوى المقاومة العراقية، فهي مستمرة في استهداف العدوّ الإسرائيلي، ولوحت باستئناف استهداف القوات الأميركية، حيث هدّد الأمين العام لفيلق الوعد الصادق محمد التميمي، خلال مقابلة أجرتها مجلة نيوزويك نُشرت في 27 مارس/آذار، باستئناف الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية إذا لم تغادر العراق.
رابعًا: على مستوى المقاومة الفلسطينية نفسها، هي صامدة مع كلّ ما يوحي به العدوّ وأبواقه من تفكيك قدراتها، ولا تزال توقع القتلى والمصابين من جيش العدوّ ولا تزال صواريخها تنطلق من المناطق التي أعلن العدوّ أنه سيطر عليها.
هل أصبحت معركة رفح وشيكة؟
بخصوص العدوان الذي يلوّح به الكيان الإسرائيلي على رفح، فقد ناقش وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت العملية في رفح، في اجتماع مع وزير الحرب الأميركي لويد أوستن في 26 مارس/آذار. وقالت التقارير إن غالانت وصل إلى واشنطن، في 25 مارس/آذار الحالي، للاجتماع بكبار المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين. وصرح مسؤول كبير، في وزارة الحرب الأميركية- لم يذكر اسمه- أن أوستن قدم لغالانت الخطوط العريضة "للنهج البديل" لإدارة بايدن تجاه العملية الإسرائيلية في رفح. شمل هذا النهج استهداف "إسرائيل" لقيادة حماس، ووضع خطة لإجلاء المدنيين، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وتأمين الحدود بين غزّة ومصر. وذكر المسؤول أيضًا أن الإسرائيليين كانوا متقبّلين لهذه الخطوط العريضة.
وبعد الرفض الإسرائيلي للامتثال لقرار مجلس الأمن، الشواهد توحي بأن العدوان على رفح ربما يكون وشيكًا، وأميركا تريد إخراج مشهد الحرص على حماية المدنيين، والأنظمة العربية الرسمية تكتفي بتصريحات الرفض والتحذير من التداعيات، وربما يظن الكيان الإسرائيلي أن الظروف مهيئة أمامه لتنفيذ المجزرة المزمعة في رفح وما ينتج عنها من تهجير وضحايا في ظلّ ظروف اشتباك آمنة مع المحور!
وهنا؛ يجب أن يقرأ الكيان الصهيوني وراعيه الأكبر رسائل المحور بدقة، وفي مقدمتها الزيارة الأخيرة لقادة المقاومة إلى طهران، وعليه أن يعلم بأن الخطط التي تناقش مستقبل غزّة بقوات لحفظ السلام دولية أو عربية وترتيبات تخلو من المقاومة هي محض أوهام استراتيجية لسبب وحيد يتعلق بمصداقية المحور وعهده الذي لا يخلفه بأن غزّة ستنتصر، وعنوان هذا النصر هو بقاء المقاومة ووقف العدوان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024