معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"طوفان الأقصى".. معجزة الصمود
16/03/2024

"طوفان الأقصى".. معجزة الصمود

أحمد فؤاد

كان لافتًا الخطاب الإيماني والجهادي والتربوي للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لمناسبة بداية شهر رمضان المبارك والليالي القرآنية، وتزامن هذا الفيض الإلهي الكريم مع "طوفان الأقصى" المبارك، الصراع الأكبر والأهم الذي تخوضه ثلة قليلة مؤمنة مجاهدة، أمام عالم من الأوغاد في قصور الحكم العربية قبل مكاتب الإدارة الأميركية، هم أقل وأصغر من منحهم صفة الأعداء.

هناك منهج أو مبدأ عند سماحة السيد، في أوقات المعارك الكبرى، بإطلاع بيئة المقاومة وجماهيرها العربية الواسعة على الموقف الاستراتيجي الكامل عبر إطلالة تطوف على ميادين القتال وما حولها، ومواقف الأطراف ومواقعها اليوم، وما قدمه المجاهدون الأبطال على كلّ ساحات القتال، وما أنجزه قرار محور المقاومة بالانخراط الفوري في عملية طوفان الأقصى التي بدأت فلسطينيًا، وها هي امتدت جبهاتها إلى رقعة واسعة من العالم العربي، من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران. الكل يقدم كلّ ما يملك للمعركة، والجميع على قلب رجل واحد، ومنذ الخطاب الأول لسماحة السيد في 3 تشرين الثاني 2023، حتّى خطاب الأربعاء 13 آذار 2024، وهدف محور المقاومة وغايته هي: "الوصول لانتصار فلسطيني واضح"، بالتحديد كما قالها السيد وكرّرها "انتصار حماس" بالذات في وجه الكيان الصهيوني.

لكن، كان لسماحة السيد وقفة أو كلمة قبل أن ينتقل في خطابه إلى مجريات أحداث المعركة وتفاصيلها، وهي عن البعض ممن "لا يستوعب حجم ما تحقق"، هذه الفصيلة الملعونة التي ترافقنا في كلّ تاريخنا المكتوب والمسجل، جماعة الشياطين الذين يرتدون مسوح القديسين والملائكة، وترى في كلّ صراع دموعهم تسبق كلامهم، وصرخاتهم ووجعهم و"ولولتهم" تسبق حتّى ذوي الشهداء وأصحاب التضحيات العظيمة في ساحة الشرف. هذه الشرذمة – ويا للعجب - تذكرنا بأعظم وأنبل موقف في التاريخ الإسلامي كله، درس "كربلاء" وفي لحظة فارقة منه، فأول من بكى على سيد الشهداء(ع) سيدي أبا عبد الله الحسين(ع) كان المجرم عمرو بن سعد، وأول من أدان هذا البكاء الكاذب الفاجر الشيطاني كانت السيدة زينب(ع)، لتتوج رسالة كربلاء كلها بهذه الهالة النورانية الإلهية الصافية، في إطار رسالتها العظيمة، جهادها الدعوي.

حفدة مرجفي الأمس ونبتهم الكالح وسلسالهم الملعون، لم يستوعبوا – حتّى اليوم - فكرة أن تصل المقاومة إلى مرحلة جديدة وإنجاز استراتيجي غير مسبوق، وهو تعجيز الأميركي، وتعريته وكشف زيف قوته وقدراته وسلاحه، بالطبع بالنسبة إلى محور المقاومة اليوم؛ فإنّ خسارة الكيان أمرٌ مفروغ منه، ولا جدوى من تفصيله، يكفي مطالعة الإعلام الصهيوني ذاته لمعرفة المنتصر والمهزوم.

هؤلاء لن يفهموا، ولو سقطت عليهم الأفكار من السماء مباشرة، لماذا صمدت غزّة إلى اليوم تحت أضخم وابل من القصف مسجل في التاريخ في مدينة واحدة، على صغر مساحتها ومحدوديتها والحصار المصري الصهيوني عليها؟ لن يفهموا أبدًا لماذا تقدم جبهة جنوب لبنان هذا الإسناد، وتتحمّل فاتورة الدم والدمار والقصف اليومي؟ ولماذا قبلت بيئة المقاومة اللبنانية أن تقدم راضية كريمة كلّ هذه الدماء لتخفيف النار عن غزّة؟ لماذا تستمر سورية، وبها ما بها من جراح، في الوجود ضمن محور المقاومة؟ لماذا اندفعت المقاومة العراقية ولبّت النداء؟ مع أن الكل يعلم أن تتحرك في ظروف أشد صعوبة وتعقيدًا من أية جبهة أخرى؟ أخيرًا لن يفهموا لما رفضت الكرامة والعزة اليمنية أن تنجر إلى صفقة تهدئة ترمم جروحها بعد حرب عدوانية أميركية استمرت ثماني سنوات، وهي تقدم للمعركة أكثر ممّا توقعه كلّ المؤمنين بها وبحكمة قيادتها وصلابتها.

كما أن الغشاوة ستمنعهم من رؤية من أين نستمدّ صمودنا الأسطوري هذا، موقف الإمام الحسين(ع) حين قدم علي الأكبر(ع) للقتال، ثمّ التفت يناجي ربه بكلمات تزلزل الشعور والقلب: "اللهم كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خَلقًا وخُلقًا ومنطقًا برسولك". هذا الموقف ترجمه لنا سماحة السيد بقوله: "ليتعلّم المسلمون والعالم من الحسين (عليه السلام) كيف يقدم القائد كلّ أولاده ليقتلوا دفاعًا عن أمته ودينه وقضيته، ليتعلّم المسلمون من سيد الشهداء كيف يجود القائد بكلّ ما عنده، من أهل وولد وأصحاب وعرضٍ ونساءٍ ومالٍ، عندما تصبح القضية قضية دين، وقضية أمة، وقضية شعب، وقضية كرامة، هذا الأستاذ الملهم، والذي سيبقى ملهمًا إلى قيام الساعة أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ابن الزهراء حفيد محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله سلم".

أما بالنسبة إلى المقاومة، وما تواجهه فعلًا من تحديات هائلة، سواء على مستوى الأعداء المعلنيين أو الوكلاء التابعين الأغبياء، يكفيها من الفخر، ويزيد، أنها لم تشعل نيران حرب لاستيراد التدمير جاهزًا، لكنّها بالضبط كانت على موعد اختبار إرادة إيماني وتاريخي وامتحانًا لجهادها وصبرها، ونصرها الأول بالضبط هو عند نقطة التقاء مركزية بين ما علمنا إياه سيدنا الإمام الحسين(ع) وظروف الواقع البخيلة والصعبة والشرسة أيضًا.

في محاضرة للشهيد محمد باقر الصدر –قده - بعنوان "التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة"، لمس الشهيد خيطًا في غاية الروعة عن درس سيد الشهداء(ع)، فيقول: " الاُمّة حينما تنهزم وينتزع منها شخصيتها وتموت إرادتها، تنسج بالتدريج أخلاقية معيّنة تنسجم مع الهزيمة النفسية التي تعيشها، بوصفها اُمّة من دون إرادة، اُمّة لا تشعر بكرامتها وشخصيتها، بالرغم من وضوح الطريق وجلاء الأهداف، وقدرتها على التميّز المنطقي بين الحقّ والباطل، الأخطر أن الاُمّة نتيجة لفقدان إرادتها تنسج أخلاقية معيّنة تنسجم مع هزيمتها النفسية والروحية والاخلاقية، وبهذا كان الإمام الحسين -عليه السلام - بين أخلاقيتين، بين أخلاقية الهزيمة التي تعيشها الاُمّة الإسلامية قبل أن تُهزم فعليًا يوم عاشوراء، والأخلاقية الأخرى التي كان يريد أن يبثّها وأن ينشرها في الاُمّة الإسلامية هي أخلاقية الارداة والتضحية والعزيمة والكرامة".

راية الجهاد التي رفعت في غزّة وفي لبنان وفي سورية وفي العراق وفي إيران، ووضعت عليها كلّ الآمال وأحلام أمتنا في التغيير، كانت هي راية الحق والهدى الوحيدة في هذا الزمن، كانت أنبل فعل وأكثره إيمانًا ونقاءً وعبقرية، وهذا الطريق لا يعرف إلا نهاية واحدة، وعد الله الحق في كتابه الكريم، سورة التوبة الآية 111: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف