نصر من الله

آراء وتحليلات

محاولات لافتعال الفوضى في رفح
19/02/2024

محاولات لافتعال الفوضى في رفح

إيهاب زكي

"طوفان الأقصى" ليست معركةً عادية، إن كان من حيث الدوافع أو الميدان أو النتائج. هي معركة التاريخ الذي فتح صفحة جديدة، هي المعركة التي أودت بعقل العدوّ الصهيوني قبل أن تودي بوجوده. وكما قال السيد حسن نصر الله عن وزير حرب الكيان المؤقت "ثلاثة أرباع مجنون"، فالحقيقة أنّ الكيان برمته يعاني حالًا من الهذيان المزمن.

وبما أنّها معركة المصير، لم يتوانَّ العدوّ عن استخدام كلّ ما يمتلك من قوةٍ وقدرةٍ وخبثٍ وقذارة، كما زاده الفشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة جنونًا، ودخل في مرحلة البحث العاجز عن كلّ ما يمكن من أسلحةٍ لتحقيق أهدافه.

وكانت الفوضى أحد تلك الأسلحة التي يحاول الاستثمار فيها عبر طابورٍ خامس لا يكلّ، حيث إنّ مدينة رفح الحدودية أصبحت ملجأ لأكثر من ثلثي سكان قطاع غزّة تقريبًا، بعد عمليات التهجير القسري التي مارسها العدو، وفي رفح لا يوجد بنّى تحتية أو بُنى مؤسسية تستطيع استيعاب هذه الأعداد الهائلة من الناس.

وينطبق هذا الضغط غير المسبوق على وزارة الداخلية ومؤسساتها الشرطية والأمنية في مدينة رفح، كما ينطبق على أجهزة الحكومة الخدمية كلها.

في طبيعة المسارات، يكون التكدس السكاني منتِجًا طبيعيًا لكل أنواع المشكلات اليومية والمعضلات الاجتماعية، حيث تكدسٌ هائل للسكان، مع ندرةٍ فائفة في السلع، ما يولد شعورًا بالغًا بالغبن وعدم العدالة، إضافةً إلى مشاعر القهر التي يعانيها الناس جراء الفقد، فقد الأهل وفقد المال وفقد البيوت، إنّهم خسروا كلّ شئ.

فكيف إذا كانت هناك مخطّطات صهيونية لدَّب الفوضى في هذا الواقع الذي يراه العدوّ خصبًا؟ تبدأ عمليات زرع الفوضى من عمليات السلب والنهب التي تمارسها عصابات منظمة على شاحنات المساعدات على ندرتها، ثمّ تبدأ المسروقات بالظهور في الشوارع على بسطاتٍ متنقلة للبيع وبأسعارٍ تصل غالبًا لمئة ضعف. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان سعر كيلوغرام البصل ثلاثة شواكل، أيّ أقل من دولارٍ واحد، في ما سعره الآن 60 شيكلًا، أيّ ما يقارب عشرين دولارًا، وقياسًا على ذلك كلّ السلع الضرورية من زيت ودقيق، كذلك احتياجات الأطفال، حث قارب سعر عبوة الحفاضات 100 دولار.

هذا في رفح، والتي هي مستهدفة بالفوضى أولًا قبل الاستهداف بالقتل والتهجير، أمّا في شمال القطاع، فهذه الأسعار تتضاعف بشكلٍ يكاد لا يُصدَّق، حيث لا وجود أصلًا للسلع الحياتية.

قام الاحتلال باستهداف دوريات الشرطة المسؤولة عن تأمين شاحنات المساعدات، وبالتالي أصبحت العصابات المنظمة تعمل من دون حذر، حتّى وإن كانت تعمل من قبل بحذرٍ قليل، كما استهدف الاحتلال بعض المستودعات لتخزين المساعدات، فاضطرّ القائمون عليها إلى توزيعها فور استلامها، بكلّ ما يترتّب على ذلك من تسرعٍ وفوضى.

في ظلّ هذا الواقع ينشط الطابور الخامس بافتعال المشاكل والتصويب على المقاومة، ليس لكونها مسؤولة، بل لكونها الناهبة؛ بحسب مزاعم مبرمجة.

وكما في الواقع، تنشط مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي صفحات إسرائيلية، للتصويب على المقاومة كونها السبب الوحيد في مأساة غزّة لا الاحتلال، وأنّ الاحتلال بريء من كلّ ما يحدث، وأنّ الجرائم التي يرتكبها على مسمع العالم ومرآه يوميًا المقاومة هي المسؤولة عنها وبحذافيرها.

هناك بعض الانسياق والتعاطي مع هذه الصفحات الإسرائيلية، وإن كان أغلبه من خارج قطاع غزّة، حيث إنّ رفاهية الحصول على إنترنت ليست متوفّرة لسكان الخيام عمومًا، فهناك البحث عن تأمين اللقمة أولى فأولى.

هذا لا يعني عدم وجود امتعاض بسبب الضيق الشديد، ولكنه لا يرقى بأيّ حالٍ من الأحوال ليكون خنجرًا في ظهر المقاومة. هذه الحال يسابق العدوّ الزمن لاستغلالها عبر تحويلها إلى نقمة، وما يترتب على ذلك من فوضى تحت ضغط حاجة الناس للطعام والشراب وتكريس ما يشبه قانون الغاب، إن قاتلت ستأكل، وإلّا ستموت جوعًا أنت وأطفالك، وفي الوقت ذاته يسأل أين الحكومة؟ وهو سؤال يستبطن الاتهام أولًا، ويعطي انطباعًا أنّ الوضع طبيعيٌ جدًا، فلا حرب ولا نزوح ولا عدوان ولا معركة مصير.

إنّ الفوضى التي يسعى العدوّ لافتعالها في رفح، قد تغنيه عن فخ اجتياحها لو حدثت، حيث يرى نتنياهو أنّ الانضباط السائدة حتّى اللحظة في رفح، وإن لم يكن كاملاً، هو أحد مظاهر بقاء حماس، وأنّ هذه الحال ستتمدّد إلى أنحاء قطاع غزّة كله فور توقف العدوان، لذلك يسعى لضرب هذه الحال عبر الضغط على حاجات الناس الأساسية، حيث بدأ التقليص واضحًا في عدد الشاحنات التي تدخل من معبر رفح.

إنّ نجاح العدوّ في اختلاق الفوضى في رفح سيجعله في موضعٍ مريح، حتّى على طاولة التفاوض وليس ميدانيًا فقط، ولكن نجاحه في ذلك يبدو مستحيلًا، لأنّ هناك حالًأ شعبية تضامنية، كما هناك حال شعبية واعية إن تجاوزت الأمور خطوطًا حمراء، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال ملامستها إلّا من العملاء، وبالتالي اكتشافهم وعقابهم.

إنّ هذا الواقع يتطلب وعيًا شعبيًا، كما يتطلب صرامةً من الحكومة في معاقبة كلّ الطابور الخامس، وإن تخفى بحاجات الناس ومآسيهم، كما يتطلب تعاونًا حثيثًا بين الناس والحكومة وتعزيز الثقة.

وعلى سبيل الخلاصة؛ وكذلك على سبيل مآلات العدوان، فإنّ حكومة غزّة باقية في أثناء العدوان وبعده، وإذا كان الطابور الخامس ينشط بطمأنينة زوال الحكومة في نهاية الحرب فقد وقع في فخٍ كبير، سيدفع ثمنه لاحقًا، لأنّ هؤلاء لمّا يستوعبوا بعد أنّ حماس أصبحت قوة إقليمية منذ فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأنّه لا يمكن لطرف إقليمي أو دولي الحديث عن القضية الفلسطينية بعيدًا عن رأي حماس، وكلّ  حديثٍ أو تصورٍ يستبطن هزيمتها وزوالها هو مجرد أضغاث أحلام.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات