آراء وتحليلات
مصر تستجيب لمخطّط تهجير الفلسطينيين.. إجراءات عملية لاستقبالهم شمال سيناء
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
لم تروِ أجساد نحو 10 آلاف طفل شهيد في غزّة، ظمأ رئيس الحكومة الفاشية بنيامين نتنياهو المتعطش للدماء، فبعد مئات المجازر والمذابح التي ارتكبها منذ عملية طوفان الأقصى حتّى يومنا هذا، ها هو جيش الاحتلال النازي، يستعد لإنزال نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني في رفح، من خلال سعيه لتحقيق أمر من اثنين:
الأول: تحويل "إسرائيل"، أرض هذه المدينة، إلى أكبر مقبرة جماعية في التاريخ المعاصر، وبالتالي الفتك بمليون ونصف المليون من الفلسطينيين النازحين، الذين حاصرتهم قواتها العسكرية على طول الحدود المصرية.
أما الثاني، فهو تهجيرهم ــ تنفيذًا لمخطّط إسرائيلي قديم ــــ إلى سيناء، وهو سيناريو بدا أقرب إلى الحقيقة، في ظلّ تواطؤ العالم أجمع لا سيما العرب وبالتحديد مصر التي يبدو أنها استجابت للخطط الإسرائيلية وتهيئ لها، وإن كانت تعارضها نظريًّا في الإعلام.
ما هي خطط نتنياهو في رفح؟
في الواقع، لا تقيم "إسرائيل" أي وزن للمناشدات الدولية لحماية الأبرياء في رفح، مبررة ذلك بالزعم أنها تسعى لتوجيه ضربة حاسمة لمقاتلي حماس المتمركزين في آخر مركز سكاني في غزّة. ولهذا تعهد نتنياهو مرة أخرى الأربعاء الماضي بمهاجمة رفح، قائلًا إن حماس قامت بنسج أولويتها المتبقية وأسلحتها وطرق التهريب في جميع أنحاء المدينة.
وقد كشف مسؤول إسرائيلي أن التخطيط لعملية الإخلاء جار لكن لم تتم الموافقة على خطة نهائية. وأضاف المسؤول أن "كبار القادة السياسيين يصرون على أن مواجهة حماس في رفح أمر حيوي لتحقيق هدف الحرب الإسرائيلي المتمثل في تدمير" الحركة، وقتل القائد الكبير في حماس يحيى السنوار ـــــ المخطّط الرئيسي لعملية طوفان الأقصى التي أسفرت عن مقتل نحو 1200 عسكري ومستوطن إسرائيلي، وأسر أكثر من 250 رهينة ــــ الهدف الرئيسي لـ"إسرائيل" الذي تدعي - دون أدلة أو إثبات - أنه ربما انسحب إلى رفح.
اللافت أن الاقتراح الإسرائيلي جرى تقديمه إلى القاهرة، وهو يتضمن إقامة سلسلة من المخيمات تمتد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في غزّة، قادرة على استيعاب أكثر من 350 ألف خيمة.
ليس هذا فحسب، تنص خطة التهجير التي طرحتها "إسرائيل" على القاهرة، على إنشاء 15 مخيمًا على شاطئ البحر، يحتوي كلّ منها على 25 ألف خيمة، وفقًا لقيادي إسرائيلي مطلع على المناقشات، وتمتد شمال مواسي.
الجدير بالذكر أن الكيان الغاصب كان قد روج للمنطقة الساحلية الغربية باعتبارها "منطقة أكثر أماًنا" منذ تشرين الثاني/نوفمبر، رغم أنه يواصل استهدافها بآلاف الصواريخ والقذائف.
إلى جانب ذلك، قال محللون عسكريون إن "إسرائيل" تعتزم طلب المساعدة من مصر في توفير الرعاية الصحية وغيرها من المساعدات في المخيمات، وأن موقعها يمكّن من تقديم المساعدات من البحر.
بدورها أوضحت وكالة الأونروا لغوث اللاجئين الفلسطينيين، أنه لم يكن لها وجود في مواسي على الإطلاق. وعليه أشارت تمارا الرفاعي، المتحدثة باسم الأونروا، إلى أن احتمال لجوء مئات الآلاف من الأشخاص إلى هناك "سيتطلب من الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني إنشاء مخيمات جديدة بعيدًا عن أي مبانٍ قائمة".
علاوة على ذلك، هناك اقتراح إسرائيلي آخر قيد النظر يسعى إلى إبعاد المدنيين عن رفح من خلال توجيه المساعدات عبر معبر إيريز الإسرائيلي المغلق الآن، بالقرب من مدينة غزّة، والسماح للعائلات بالعودة إلى الشمال، بعدما تعرضت المنطقة للدمار بسبب أشهر من الهجمات الجوية والقتال البري، إذ يقدّر أن أكثر من 100،000 من سكان غزّة ما زالوا هناك، والعديد من سكان الجنوب حريصون على العودة إلى ما تبقى من مجتمعاتهم.
لكن المثير، أن هذه الفكرة واجهت معارضة سياسية فورية داخل مجلس الوزراء الأمني، وفقًا لمسؤول صهيوني نقل أن المعترضين طرحوا سؤالًا مفاده "لماذا يجب السماح لسكان غزّة بالعودة إلى ديارهم بينما لا يزال الإسرائيليون غير قادرين على العودة إلى ديارهم؟ ولا يزال أكثر من 300 ألف إسرائيلي مشردين من "البلدات" الواقعة على طول الحدود مع غزّة ولبنان".
ما هو الموقف المصري من خطط "إسرائيل"؟
ظاهريًّا، ترفض مصر المخطّطات الإسرائيلية، وتقول أينما ذهب النازحون، فإن القاهرة مصممة على إبقائهم في غزّة. من هنا، ذكرت وسائل إعلام مصرية أن الجيش المصري عزز الحدود بالمركبات المدرعة وأكثر من ثلاثين دبابة.
فتهديد نتنياهو في كانون الأول/ديسمبر الماضي بالسيطرة على معبر رفح الحدودي قد أطلق أجراس الإنذار -إعلاميًّا- في القاهرة. ولهذا، حذر المسؤولون المصريون من أن أي تحرك إسرائيلي داخل ممر فيلادلفيا - وهي منطقة محظورة يبلغ طولها حوالي تسعة أميال وعرضها عدة مئات من الياردات، وتمتد من أقصى الطرف الجنوبي لقطاع غزّة إلى البحر الأبيض المتوسط - من شأنه أن يهدّد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، وهي الاتفاقية التي تم التوصل إليها عام 1979.
ولكن ماذا عن الإجراءات العملية لاستقبال النازحين الفلسطينيين من رفح؟
صحيح أن مصر كانت، وما زالت، تعبّر عن خشيتها من أن يؤدي تدفق الفلسطينيين إلى زعزعة استقرار شمال سيناء، وهي منطقة عسكرية حساسة قضى جيشها فيها مؤخرًا عشر سنوات في قتال الإسلاميين المتطرّفين.
ومع أن القاهرة تعارض وبشكل علني، أيضًا، تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لأسباب سياسية، وترفض أيضًا التواطؤ في ما يصفه الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ"تصفية القضية الفلسطينية"، أو النزوح الجماعي الدائم لسكان غزّة من القطاع، لكن التصريحات والمواقف المصرية شيء، وما يجري على أرض الواقع شيء آخر مختلف تمامًا، ويعري الموقف المصري ويفضحه، إذ كشف تقرير صدر هذا الأسبوع عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة ـــ ولديها فريق مراقبة في شمال سيناء ــــ عن أن السلطات المصرية تقوم بإنشاء منطقة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين عبروا الحدود.
وتُظهر اللقطات التي حصلت عليها المنظمة، وتمت مشاركتها حصريًا مع صحيفة The Post، شاحنات وجرافات تقوم بإزالة الأنقاض من قطعة أرض مستطيلة تبلغ مساحتها حوالي ثمانية أميال مربعة متاخمة لحدود غزّة، مع بناء جدار خرساني حول محيطها. ما يبعث على الصدمة، أن الصحيفة قالت إنها تحققت من بعض اللقطات وحصلت على صور الأقمار الصناعية التي تظهر أنه تم تطهير ميلين مربعين داخل تلك المنطقة في الفترة ما بين 5 و13 شباط/فبراير.
في المحصّلة، إن الردّ المصري حول ما يجري من تهيئة أماكن للنازحين، جاء كمن فسر الماء بالماء، حيث قال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ردًّا على سؤال: "لمصر السيادة الكاملة على أرضها، ولها السيطرة الكاملة على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزّة أو مع "إسرائيل"".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024