معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

جبهة الشرف العربي
17/02/2024

جبهة الشرف العربي

أحمد فؤاد

ليس من المستغرب أن تكون ذكرى القادة الشهداء للمقاومة الإسلامية حزب الله مناسبة جليلة لتجديد العهد، وأن حضور سماحة السيد حسن نصر الله، وكلمته فيها تعيد ربطنا على نحو دائم وشامل بموقفنا وطريقنا وأهدافنا، وتتيح فرصة الاستنارة لمعاينة مواقعنا التي وقفنا عندها اليوم، وشحن نفوسنا بطاقة هائلة من معين الشهداء الذي لا ينضب، سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي، وشيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب، وأسطورتنا الباقية القائد عماد مغنية.

الواقع أن الرؤى العظيمة للشخصيات الاستثنائية الكبيرة، من القادة والشهداء صانعي مجد الأمّة وأبطال النصر المؤزّر، لا تموت ولا تنتهي مع نهاية رحلة الأجساد، لكن الشعلة المقدسة تبقى بعدهم حية، نابضة، كراية فتح تنتظر من بعدهم رجالًا يجدون الجرأة والجسارة والإيمان على حملها من جديد، وفي نفس الطريق. في الحقيقة فإن ما نؤمن به هو أن الشهداء أحياء يرزقون، وعد الله، وشهادة النبلاء ليست دليل قوة ولا نفاذ صهيوني، ولا هي لحظة أسى وضعف ووهن وأسباب تستحث التراجع أو التوقف، بل هي تاج إلهي يلون المسيرة ويفتح بوابات التاريخ.

في خضم الحرب النفسية عبر وسائل الإعلام، والتي حشد لها العدوّ الصهيوني وشريكه الأميركي وأتباعهما العرب كلّ طاقاتهم وسخروا لها إمكانياتهم وقدراتهم، بموازاة العدوان العسكري الوحشي على غزّة وجنوب لبنان والعراق واليمن، فإن خطاب السيد في هذه الذكرى بالذات، كان له دلالة خاصة ومعنى كبير يخص التثبيت المعنوي لبيئة المقاومة في جنوب العز، ولمن بقي في قلبه ذرة شرف في العالم العربي ويراهن عليها.

كلما أطل سماحة السيد يبدّد مع طاقات صوته الهادئة الواثقة عقودًا طويلة من الهزائم والتراجع والمساومة، بالمبدأ وبالقضية وبالحق، ويمنحنا فرصة متجددة لإعادة رؤية عالمنا ـــ كما هو ـــ وأعدائنا، وقدراتنا، وهي كبيرة متعاظمة، وإمكانيات المستقبل. لم يعد السؤال هل ننتصر، بل كيف ننتصر، أو كما قال سماحته: "في إحيائنا اليوم نشعر أننا أكثر تثبيتًا في ساحة التضحيات عندما نتذكر السيد عباس وأم ياسر والشيخ راغب والحاج عماد، نحن اليوم أقوى أملًا ويقينًا بالنصر الآتي".

بالطبع كان للعدو رسالة خاصة من خطاب سماحة السيد، وهي لا تقل تأثيرًا عن العمل العسكري المباشر للمقاومة واستهدافاتها اليومية، وهي تصل لأعصاب قطعان المستوطنين بأضعاف ما تصل إليه سرعة الصواريخ مهما كان مجالها ومهما كان مداها. وقد سطر لهم سماحة السيد وعدًا جديدًا بالثأر لمجزرتي النبطية والصوانة المروعتين، بقول سماحته: "العدوّ والصديق سيرى أن هذه الدماء سيكون ثمنها دماء وليس مواقع وآليات وأجهزة تجسس، والمقاومة في لبنان تملك من القدرة الصاروخية الهائلة التي تجعلها تمتد يدها من "كريات شمونة" إلى إيلات".

من جديد يُذهب السيد وساوس الكيان حول جبهة الجنوب الكريم، هذه الجبهة تقدم في ترفّع ونبل وبصمت التضحيات العظيمة لموقفها الإنساني والديني والأخلاقي من نصرة قضية فلسطين. لكن هذه الدماء الزكية لن تذهب هدرًا بل ستكون هي درجات سلم سيصعده الكيان بنفسه إلى مشنقة وجوده، وهو إن كان لا يعي ولا يدرك أن المذابح لا تضعف عزيمة المقاومة ولا تهز ثقتها بوعد الله ولا تكسر إرادتها، فإنه سيعرف بالتجربة إلى أين يمكن أن تذهب هذه الدماء بأهلها وطلاب ثأرها، وليس يجوز لدمنا ثأر ذليل، وأن هذه الجبهة الشريفة قد تكون "جبهة مظلومة" بالنسبة لما تقدمه، ولا يجرؤ عليه غيرها، لكنّها ليست ولن تكون جبهة مهزومة.

وإذا كان كيان العدوّ قد بنى "أساس" وجوده على نظرية "أمن" تعد كلّ يهودي في العالم بـ "الحماية"، وقد رسمت أو وضعت قواعد هذه الحماية عبر نظرية بن غوريون الشهيرة بامتلاك ثلاث مقومات لا غنى عنها، وهي: "الردع ــــ المبادأة ــــ الحسم" باختصار، ومهما اختلفت ترجمات النقاط، فإن الكيان نزف يومي 7 و8 أكتوبر/ تشرين الأول أمام انفتاح جبهتي حرب تصبان نيرانهما على قلبه الهش مباشرة النقاط الثلاث، وهو في سبيله الحتمي لفقد آخر سبب للوجود، وعلى يد رجال الله.
..
من المثير للتأمل اليوم أن الكيان الصهيوني، ومع من معه، لا يتصورون حدودًا معينة لخسائرهم وفداحة ضريبة ما وقع عليهم في 7 أكتوبر، لكن من سوء الحظ أن أغلب من يعنيهم الأمر في المنطقة العربية غائبون بإرادتهم الكاملة عن المشهد، وكأن الاستسلام سيعصمهم من الطوفان.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف