معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ما هي مؤشرات فشل واشنطن ومخاوفها في اليمن؟
10/02/2024

ما هي مؤشرات فشل واشنطن ومخاوفها في اليمن؟

إسماعيل المحاقري

لم تكتمل بعد فصول المعركة البحرية الداعمة لفلسطين وقضية الأمة المقدسة، لكن مؤشرات الفشل الأميركي على كلّ الصعد واضحة للعيان، رغم فارق الإمكانات، والهزيمة تلوح في الأفق بعون الله وتأييده، وباستمرار العمليات الفاعلة والمؤثرة لمنع الملاحة التجارية الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي، واستهداف السفن والبوارج الأميركية والبريطانية على حد سواء رغم تصاعد وتيرة الغارات المعادية على اليمن.

الموقف اليمني المعلن على الدوام من فلسطين يؤكد أن المظاهرات الشعبية المليونية مستمرّة في كلّ المحافظات، والتعبئة تتسع دائرتها، والضربات بعون الله ستكون أشد وأقسى في قادم الأيام، ولا تراجع عن العمليات البحرية مهما كانت التضحيات والتحديات، على أن الاعتداءات والتهويل الغربي سيزيدان من الجرعات اليمنية، لإحراق المزيد من سفن الأعداء وهذا ما أكده قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب الخميس الماضي بشأن غزّة وأحداثها الدامية وتطوراتها الميدانية.

أميركا تدرك هذه الحقيقة، قبل حتّى أن تدشن عدوانها على اليمن بغارات إجرامية طالت العاصمة صنعاء وصعدة والحديدة ومحافظات أخرى، أولًا: بحرصها على تشكيل تحالفات بحرية دولية، واستدعائها ثانيًا لأمن التجارة العالمية كذريعة لشرعنة تدخلاتها وأنشطتها المشبوهة عبر مجلس الأمن الدولي.

مع مرور الأيام والأسابيع فشل "التحالف الأميركي" في تقويض القدرات اليمنية، حتّى أضحت مدمرات هذا التحالف وسفنه العسكرية هدفًا وصيدا سهلًا لصواريخ اليمن وطائراته المسيرة ومعها ولأجلها ذهبت واشنطن في اتّجاه التهويل مرة أخرى لكسب التأييد والدعم الدوليين رغم مرارة الاعتراف بالفشل، بإخبارها مدير شركة ميرسك للشحن البحري عدم قدرتها على ضمان سلامة ملاحة كلّ السفن في البحر الأحمر.

في المواجهة مع اليمن قد يبدو الأمر مختلفًا عن كثير من الدول، فثمة أسباب وعوامل تكبح جماح التدخل الأميركي المطلق وتقلل من تأثير خياراته العسكرية والاقتصادية، ليس لأن الشعب اليمني بصموده وتضحياته أفشل أجندة وأهداف تحالف العدوان بقطبيه السعودي والإماراتي خلال حرب السنوات الثماني الماضية، بل لأنه أيضًا أسس لمعادلات جديدة نقلت اليمن من مواجهة الوكلاء المحليين والإقليميين إلى مواجهة الأصلاء الغربيين وفي القلب والصدارة تحضر القضية الفلسطينية، ومن الأسباب التي تحسب لها واشنطن ألف حساب.

أولًا: قضية فلسطين تجمع كلّ اليمنيين

تشن الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا اعتداءات متكرّرة على اليمن في توقيت تشتد فيه الصراعات الداخلية المتداخلة مع أطماع وتحركات جارة السوء وحليفتها الإماراتية، امتدادًا للعدوان الذي يتحكم بجنوب البلد وشرقه وفي معسكراته عشرات الآلاف من المقاتلين المرتزقة، لكن عندما ارتبط الأمر بالتهديد الوجودي لقضية فلسطين المركزية، ونظرًا لما يرتكبه العدوّ الإسرائيلي من جرائم حرب إبادة جماعية في قطاع غزّة وجدت الإدارة الأميركية نفسها عاجزة عن استثمار هذه الورقة وتحريك جموع المرتزقة لخدمة أجندتها، لأن الواضح والمشهود أن القتال في البحر الأحمر هو من أجل حماية "إسرائيل" وتأمين امداداتها التجارية وبدون مزايدة أو مغالطة فالشعب اليمني على قلب رجل واحد لنصرة الشعب الفلسطيني انطلاقًا من العقيدة الدينية الواحدة والواجب الإنسانيّ والأخلاقي.

ثانيًا: التضاريس اليمنية تخدم أصحابها

صحيح أن الحديدة منطقة ساحلية ومفتوحة، ومن السهل لأي قوة رصد الأنشطة والتحركات العسكرية على طول شريطها الساحلي فما بالك بأقوى الدول الغربية وأغناها، وأكثرها تطوّرا في تقنيات التجسس والرصد المرتبطة بالأقمار الصناعية لكن في المحافظة الساحلية أيضًا مناطق جبلية وعرة من الصعب اختراقها وتمتد إلى صنعاء والمحويت وحجة وصولًا إلى صعدة، وهذا العامل الطبيعي يوفر مساحة آمنة لتحرك ومناورة القوات الصاروخية والطيران المسيّر لضرب أهدافها المعادية في البحر الأحمر وخليج عدن، ليلًا أو نهارًا وبالتالي تثبيت معادلة منع الملاحة الصهيونية.

أيضًا التضاريس اليمنية تفرض على الولايات المتحدة التأني ومراجعة الحسابات قبل التفكير في التحرك البري مثلًا، فالإنسان اليمني بطبيعته متمرس على القتال، وله تجربة تاريخية فريدة من نوعها في مواجهة الأحلاف العسكرية والأطماع الخارجية، وهزيمتها وتكبيدها الخسائر الكبيرة في العديد والعتاد فالمعروف عن اليمن بأنه "مقبرة الغزاة".

ثالثًا: فشل تحالف العدوان في احتلال الحديدة

الفشل الإماراتي السعودي في غزو واحتلال الحديدة في حزيران/ يونيو من العام ألفين وثمانية عشر رغم الحشود العسكرية الهائلة والدعم والمساندة البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، اللامحدود يشكّل عامل قلق من تكرار التجربة، بلا أي نتائج مرجوة، فالأفضلية كانت للقتال بمرتزقة محليين والقيادة من خلف خطوط النار لا أن تزج الولايات المتحدة بجنودها إلى خطوط التماس.

رابعًا: مخاوف الغرق في المستنقع اليمني

للولايات المتحدة تجارب مريرة في حروبها التي خاضتها بشكل مباشر من أفغانستان إلى العراق وقبلهما فيتنام، لذلك حركت في سورية أدواتها التكفيرية قبل الاستعانة بالوكلاء الإقليميين في اليمن، ورغم ذلك لم تحقق انتصارا واضحًا يعتد به، فاليمن بعون الله استطاع خلال فترة العدوان على غزّة أن يراكم قدراته ويطورها إضافة إلى نجاحه الباهر في مسار التعبئة العسكرية لرفع الجهوزية لمساندة الشعب الفلسطيني إذ تم تدريب أكثر من مليون وستمائة ألف من الأوساط الشعبية وفق إحصائيات المختصين التي كشف عنها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مشيرا في الوقت ذاته إلى تدريب 600 ألف في التدريب العام والقيادي والتخصصي خلال فترة العدوان وهذه القدرات والإمكانات، وما يعد ويجهز، هو في خدمة موقف المساندة للشعب الفلسطيني.

خامسًا: فشل التحشيد الدولي وتردّد الأنظمة المطبعة

اعتادت الولايات المتحدة في حروبها السابقة العابرة للقارات على تحقيق القدر الكافي من الدعم والتأييد والاصطفاف الدولي، لمباشرة عملياتها العسكرية، غير أن الوضع في اليمن بدا مختلفًا ومغايرًا، فلا ذريعة حماية الملاحة الدولية لاقت قبولًا وترحيبًا من كثير من الدول وحتّى شركات الشحن العالمية، ولا سلمت واشنطن من المواقف المعارضة لسياستها في مجلس الأمن الدولي.

فالصين وروسيا وهما من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ويملكان حق النقض الفيتو يحملان واشنطن مسؤولية وتداعيات عسكرة البحر الأحمر وتهديد الملاحة التجارية، ويربطون الأحداث هناك بما يجري في غزّة، بمعنى أن واشنطن هي من تعمد إلى تأزيم المشكلة وتوسيع الصراع في الإقليم بخلاف مزاعمها وادعاءاتها.

كذلك دول التطبيع، لم تلمس أميركا منها الجرأة الكافية لخوض معركة البحر معها لإدراك هذه الدول بخطورة الأمر وتداعياته على مستقبل حكام وأمراء الخليج المتآمرين على القضية الفلسطينية لارتباطها العلني بكيان العدوّ الصهيوني.

خامسًا: اليمن يحظى بتأييد وتعاطف عالمي ولا يخطئ أهدافه

مسؤولون عالميون في شركات الشحن البحري أكدوا لوكالة "رويترز" أن السفن التي تواجه مشكلات حتّى الآن في البحر الأحمر وخليج عدن جميعها ترتبط بعناصر ملكية إسرائيلية أو أميركية أو بريطانية.

ونقلت وكالة "رويترز" عن رئيس قسم السفن والالتزامات البحرية في شركة "مجيل آند بارتنرز" للتأمين بأن السفن ذات الصلة بهذه "الدول" تدفع الآن علاوة مخاطر حرب إضافية تتراوح من 25 إلى 50 بالمئة زيادة عن السفن الأخرى العابرة للبحر الأحمر.

مثل هذه التصريحات تعزز موقف اليمن ودوافعه الإنسانيّة في قراراته وإجراءاته المرتبطة بحرب الإبادة الجماعية في غزّة، إلى جانب ما تكسبه القوات المسلحة من تأييد وتعاطف غير مسبوق في أوساط الشعوب الإسلامية وحتّى الغربية.

في المقابل تتساقط ذرائع البيت الأبيض، وتكاد الثقة تنعدم في قدرتها على ضبط إيقاع المعركة البحرية وتوفير الحماية حتّى لبوارجها ومعها تفشل كلّ محاولات إثارة المشاكل في البحر الأحمر لحمل السفن على عدم المرور من باب المندب الاستراتيجي.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل