نقاط على الحروف
من قواعد اللغة العربية| "لا": أنواعها وحالاتها الإعرابية
د. علي زعيتر
لطالما راودني، وأنا على مقاعد الدراسة السؤال الآتي: لماذا يأتي الاسم بعد (لا) مرفوعًا تارةً، ومنصوبًا تارةً أخرى، ومجرورًا في أحيان أُخَر؟ آنذاك لم يكن بمقدوري اكتشاف السر بمفردي، فقد كنت غضَّ العود. كان لا بد أن أسأل أستاذ اللغة العربية حول الأمر. بيد أنني لسبب أو لآخر لم أسَلْه، فبقي السؤال يراودني حتّى بلغت مصافًا متقدمة.
قبل ذلك، كنت كلما قرأت الآية الآتية ”لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون“، قلت في نفسي لماذا الاسم الذي يتلو لا (خوف) مرفوع بالضمة؟ لمَ لا يكون على غرار (ولا مبدلَ لكلمات الله) منصوبًا بالفتحة؟
كان لا بد للسؤال أن يرافقني حتّى مرحلة متأخرة. لا أدري ما الحكمة، ولكن لا بأس بذلك، فالعربية تلك اللغة الجليلة التي ندين لها بكلّ أنواع الحب والإجلال لما تكتنزه من جماليات فائقة التصور، تستحق منا أن نصبر ريثما نكتشف أسرارها.
في هذا المقال المتواضع، سنحاول معًا أن نسبر غور (لا) ونكتشف أسرارها، فنضع حدًا للغموض الذي يكتنف أذهاننا حولها، فعلى بركة الله نبدأ.
تبدو (لا) كأنها حرف هامشي لا دور له، وهي في أحسن حالاتها نوع أو نوعان ليس إلا. لكن من يراجع كتب النحو العربي، سرعان ما يكتشف أن هناك في الحد الأدنى ٨ أنواع منها، خلا الأنواع الأخرى التي لا طائل من الحديث عنها لندرتها، فما تلك الأنواع الثمانية؟ وما حالاتها الإعرابية؟
أنواعها:
أ_ لا النافية
لا محل لها من الإعراب، ولا عمل لها، تدخل على الأسماء والأفعال معًا، وغالبًا ما تدخل على الفعل المضارع، مثال: ”المسلمُ لا يكذبُ“، وقد تدخل على الفعل الماضي أيضًا، ولكن نادرًا، وإذا ما دخلت على الماضي فإنها تتكرّر، مثال: ”فلا صدَّقَ ولا صلَّى“.
اسمها كافٍ للدلالة على طبيعة عملها، فهي إذا دخلت على جملة نفت المعنى، لكنّها لم تؤثر على الحركة الإعرابية للاسم أو الفعل الذي يليها، حيث نلاحظ أن المضارع بعدها يبقى مرفوعًا، وكذلك الاسم يبقى مرفوعًا، ما يعني أنها لا تؤثر على ما يليها، وذلك بعكس (لا الناهية) و(لا النافية للجنس).
بـ _ لا النافية للجنس
تنفي ما طاب لها على غرار أختها (لا النافية)، ولكنها تمتاز عنها في كونها تؤثر على حركة ما يليها الإعرابية.
تُعد (لا النافية للجنس) من أخوات (إن)، فإذا ما دخلت على الجملة الاسمية نصبت المبتدأ اسمًا لها، ورفعت الخبر خبرًا لها، مثال: (لا تلميذَ في الصف).
لا تعمل (لا) إلا إذا كان ما يليها اسمًا نكرةً، أما إذا كان معرفًا، فهذا يعني عزيزي القارئ أنك لست أمام (لا النافية للجنس) وإنما أمام (لا) أخرى، وعليك ساعتئذ أن ترفع الاسم الذي يليها، بدلًا من أن تنصبه.
ينبغي ألَّا يفصل بينها وبين الاسم النكرة فاصل، فإذا فصل بينها وبين اسمها فاصل ما، بطُل عملها، وساعتئذ لا يصح أن نعتبرها (لا) النافية للجنس، وإنما نوع آخر.
لا يصح أن يسبقها حرف جر، فإذا رأيت (لا) مسبوقةً بحرف جر، فاعلم عزيزي القارئ أنها ليست (لا النافية للجنس) وإنما نوع آخر.
١_مثال: صديقي يأتي بلا موعدٍ. الـ (لا) ههنا، مقترنة بحرف جر، ما يعني أنها ليست لا النافية للجنس.
٢_ مثال: لا مقاومَ مهزومٌ. الـ (لا) ههنا ليست مسبوقة بحرف جر، فإذًا هي (لا) النافية للجنس.
جـ_ لا الناهية، من أخوات (لم) تدخل على الفعل المضارع فتجزمه. وكما هو واضح من اسمها فإنها تنهى عن القيام بفعل ما، مثال:
١_ ”لا تجلسْ على الأريكة“، تجلس: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهرة على آخره.
٢_ ”لَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“، تنازعوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون من آخره لأنه من الأفعال الخمسة.
٢_ ”لا ترجُ خيرًا من لئيم“، ترجُ: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره لأنه معتل الآخِر.
د_ لا العاملة عمل ليس.
معلوم لدينا، أنَّ (ليس) من أخوات كان، ومعلوم لدينا أيضًا أن (كان وأخواتها) تدخل على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ اسمًا لها، وتنصب الخبر خبرًا لها، وعليه إذا ما وجدتَ اسمًا مرفوعًا بعد (لا) يليه اسم منصوب، فاعلم أنها لا العاملة عمل ليس، مثال: ”لا مؤمنٌ كاذبًا“.
لكي تعمل (لا) عمل ليس، يتعين توفّر ثلاثة شروط:
١_ ألَّا يسبق خبرها اسمها.
٢_ أن يكون الاسمان اللذان يلِيانها نكرتين، فإذا جاء أحدهما معرفًا، فاعلم أن الـ (لا) التي تراها أمامك ليست من أخوات (ليس) وإنما (لا) أخرى.
٣_ ألَّا يسبق خبرها (إلا)، فإذا رأيت جملةً مشابهةَ لـ ”لا عجوزٌ إلا مريضٌ“، فكن ذا ثقة بأن (لا) الماثلة أمامك ليست من أخوات (ليس).
هـ_ لا العاطفة
من حيث المعنى هي حرف نفي، لأنها تنفي أمرًا ما، ولكن من حيث الأداء فإنها تؤدي عمل أحرف العطف، لأنها تعطف ما قبلها على ما يليها، مثال:
١_ ” يثبتُ في الميدان الأبطالُ لا الجبناءُ“.
٢_ ”كن إنسانًا صادقًا لا كاذبًا“.
لاحظ معي في المثالين أعلاه، كيف تبِعت حركةُ المعطوف عليه حركةَ المعطوف. ففي المثال الأول، جاء المعطوف مرفوعًا بضم، فلحقه المعطوف عليه وجاء مرفوعًا بضم.
وكذلك الحال في المثال الثاني، حينما جاء المعطوف منصوبًا بالتنوين، كان لا بد للمعطوف عليه أن ينتهي بتنوين. في الواقع، هذا هو عمل أحرف العطف. دائمًا ما تفرض على المعطوف عليه أن يطابق المعطوف في جميع حالاته الإعرابية.
و_ لا الجوابية
نافية على غرار سابقاتها، لكنّها تختلف عن سواها، في كونها تأتي في محل جواب نفي عن سؤال ما، مثال: هل جاء الولد؟ الجواب: لا، لم يأتِ. ويتضح من المثال، أن (لا) الجوابية غير عاملة، بمعنى أنها لا تؤثر على الحركة الإعرابية لما يليها.
ز_ لا الزائدة
اسمها يدل على عملها، فهي زائدة لا فائدة مرجوَّة منها إلا التوكيد. وسواء أبقيتَ عليها في سياق الكلام أم حذفتَها، فإن ذلك لا يخلُّ بالمعنى. لا بد أن تسبقها واو عطف على الدوام. مثال: لم ألتقِ أخي ولا صديقي.
حـ_ لا المهملة
تدخل على المبتدأ والخبر، فلا تقدم ولا تؤخر شيئًا، بمعنى لا تؤثر على حركتهما. فيبقى المبتدأ مرفوعًا ويبقى الخبر مرفوعًا. تمتاز عن شقيقاتها بما يلي:
١_ لا بد أن يكون الاسم الذي يليها معرفًا بـ (الـ).
٢_ لا بد أن تتكرّر في الجملة حتّى يستقيم المعنى.
مثال: لا الفقيرُ مغبوطٌ على حاله، ولا الغنيُّ هانئُ البال.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024