آراء وتحليلات
الأردن وخذلان غزة
يونس عودة
تقترب حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني الغاصب من يومها السبعين بدفع ورعاية أميركيتين، وضمنًا وعلنًا، بدعم النظام الغربي الانغلو ساكسوني، والذي لم يرفّ له جفن أمام هول مذابح الأطفال والنساء والعجزة والطواقم الطبية والصحفية، فيما خلا بعض التصريحات عن هدن تبريرية تنسفها تصريحات ومواقف متشددة برفض أي وقف لاطلاق النار، بينما اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض تكرر مواقف سطحية باتت ممجوجة من كثرة ما كررها القيمون على الأنظمة العربية، مع كل حدث أو مجزرة من دون الانتقال الى الفعل في المواقف. وهي مواقف لا تعدو كونها مجرد مطالب تشبه مطالب لنقابة ما، أنشأتها سلطات قمعية فاسدة ومتجبرة شعارها الوحيد "يسمح لكم بالكلام بهذه الحدود"، أما السلطة فتفعل ما تشاء وترتكب كل الموبقات، والمطلوب أن تكونوا شهود زور على الجرائم، وعندما ترتأي السلطة العليا فعلى المطالبين أن يلزموا الحدود المرسومة في الكلام، وأن يكونوا شركاء في الجرائم، أن لم يكن علنًا ففي الخفاء.
ربما هناك أمثلة كثيرة يمكن إيرادها بين الموقف أمام الجمهور الغاضب في سبيل الاحتواء، وبين حقيقة الفعل الإجرامي المرتكب والمساهمة في الجريمة بأشكال مختلفة.
في السياق؛ يمكن أن يتوقف المراقب أمام الموقف الأردني المعلن، بصفته أحد النماذج القاهرة للشعب الفلسطيني الذي يُباد، ومقارنته مع الفعل الحقيقي، حيث يصح ما ورد في الآية الكريمة " ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]. في الحقيقة إنهم يفعلون ويعلمون؛ ولذلك "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند". وهو أكثر ما يصح على غالبية الأنظمة العربية، ولا سيما التي في فمها دولار.
إن مشهد التصاق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بوزير الخارجية الأميركي والجلوس الى يساره، في لقاء اللجنة التي تجوب العالم تحت شعار وقف اطلاق النار، خلافًا لأي بروتوكول، هو مشهد مستهجن، سيما أن الجميع بمن فيهم الوزير أيمن الصفدي يعلم يقينًا أنه من السذاجة أن تستمع إليه والى غيره الإدارة الأميركية، ما لم يكن هناك فعل جدي من أطراف الوفد، مثل طرد السفارة الإسرائيلية من العاصمة الأردنية أو وقف التنسيق الأمني مع الموساد الذي يرتبط مع الجهاز الأردني بغرفة عمليات موحدة، تصب فيها جهود المخابرات الأردنية التجسسية على الفلسطينيين.
ربما رأى الأردن أن "إنزال مساعدات طبية للمستشفى الأردني الذي يديره ضابط أردني برتبة عقيد، واسمه ثائر الخطيب، يمكن أن يغفر الخطايا عبر بيان يوحي بأنّ الطائرات الأردنية عبرت فضاء غزة عنوة، لكن ما أوهن الاستعراض البطولي في ما قاله مسؤول أميركي بأنّ: "عملية إنزال مساعدات طبية نفذها الجيش الأردني لمشفاه في قطاع قد تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة و"إسرائيل""، وفقًا لما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وبالرغم من ذلك؛ كان يمكن أن تكون المساعدة مشكورة لو سُمح للفلسطينيين باللجوء إلى المستشفى المذكور لنيل العلاج، لكن ما كُشف عبر ناشطين، من غزة الأبية تحديدًا، هو فضيحة مخيفة وغير مسبوقة للنظام الأردني. إذ قال ناشطون إنه بعد تلقى المستشفى الأردني في غزة المساعدات، عبر سلاح الجو الأردني، قامت إدارة المستشفى بإغلاق البوابات في وجه النازحين، ووضع أسلاك شائكة على الجدران لمنع محاولة تسلق للدخول.
وقد أثار هذا التصرف الشك عند بعض المواطنين من أبناء غزة، والذين انتظروا توزيع المساعدات أو حتى فتح المستشفى أبوابه لاستقبال الجرحى والمصابين. وأكدت المعلومات، بحسب الناشطين، وجود أجهزة تشويش وأجهزة تنصت أرسلها الاحتلال ضمن شحنة المساعدات للتجسس ومحاولة جمع معلومات عن الأسرى، وكذلك التشويش على منظومة الاتصالات اللاسلكية التي تستخدمها المقاومة.
لقد تزامنت هذه العملية مع إعلان بريطانيا، والتي تربطها علاقات نسل وقربى تاريخية مع الأردن، إرسال طائرات تجسسية للبحث عن الأسرى الإسرائيليين عند الفصائل الفلسطينية، كما أن مسؤولًا في البنتاغون أعلن :"إن قوات أمريكية خاصة وصلت إلى "إسرائيل" متخصصة في عمليات تحرير الرهائن".
لو لم تكن الرواية صحيحة؛ لكان الأردن نفى كما نفى مصدر عسكري أردني في اليوم التالي استخدام الجيش الأميركي القواعد العسكرية الأردنية لنقل إمدادات لإسرائيل.وبرر ما يقوم به الأردن الذي بات ارتباطه عضويًا مع المحتل، بالرغم من بعض التنافر الشكلي أحيانًا جراء الإهانات المتكررة للنظام الأردني واستباحة البلاد تجسسيًا في أحيان كثيرة من جانب المخابرات الإسرائيلية، ليس منفصلًا عن أدائه السياسي العام، فهو خرج عن الاتفاق العربي، وربما هو الاتفاق الاجماعي الوحيد بأن يكون العرب على الحياد بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا.
هذ الأمر كشقته صحيفة غربية هي" دي تلغراف" الهولندية، والتي كتبت في ذروة الحرب على غزة أن الولايات المتحدة ابتاعت من الأردن 60 نظامًا مضادًا للطائرات ذاتية الدفع لأوكرانيا من طراز Gepard 1A2 35 ملم بمبلغ إجمالي قدره 118,375,740 دولارًا. وذكرت "دي تليغراف" أن عمان اشترت الأنظمة الألمانية الصنع، المعروفة باسم الفهود أو "pruttels"، عندما باعتها هولندا في العام 2013، مقابل 21 مليون يورو (22 مليون دولار وأن الولايات المتحدة تعاقدت مع شركة Global Military Products ومقرها فلوريدا لشراء الأنظمة وتسليمها إلى عميل دولي غير معروف. وهي شركة تجارية صغيرة متخصصة في مشتريات الدفاع، ويسري العقد حتى أيار 2024. وكتبت صحيفة دي تليخراف أن القوات الأوكرانية تستخدمها لإسقاط طائرات من دون طيار هجومية روسية، ما يسمح لأنظمة الدفاع الجوي الأكثر تكلفة مثل باتريوت وIRIS-T بالتركيز على الأدوار المضادة للصواريخ.
لقد جرى إضفاء الطابع الرسمي على صفقة الأسلحة الأخيرة مع الولايات المتحدة التي لا ترفض وقف حرب الإبادة على غزة، وترعى "إسرائيل" وعدوانيتها، وهي نفسها الراعية للنظام النازي في أوكرانيا وتمده بالسلاح والمال، وهي التي ورطته في الحرب ضد روسيا وترعاه كما ترعى الكيان الصهيوني تمامًا.
كان من المجدي بدل أن يقول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عبر وسيلة إعلامية، بأنه "إذا أرادت الولايات المتحدة استقرارًا في المنطقة عليها مواجهة إسرائيل"، أن يبادر هو إلى مواجهة بلينكن وهو يندسّ إلى جانبه، أو على الأقل أن يكون محايدًا، وليس كما تقول الآية الكريمة "إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024