آراء وتحليلات
اعتراض في مجلس الشيوخ على الدعم الأميركي المطلق للمحرقة الإسرائيلية
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
بعد الانقسامات في الخارجية الأمريكية وما تلاها من رسائل وعرائض نظمها موظفون ومتدربون احتجاجًا على الدعم (المالي والعسكري) الذي تقدمه إدارة الرئيس جو بايدن لـ"إسرائيل"، ووقوف حكومة الولايات المتحدة - كما العادة - موقف المتفرج والشريك في المذابح والمجازر والتهجير وحرب التجويع التي يشنها جيش الاحتلال النازي على غزة، وصلت دائرة الاعتراض هذه المرة (الآخذة في الاتساع)، إلى قاعات الكونغرس الأمريكي المعروف بأنه يعدّ حصنًا حصينًا ودرعًا صلبًا للدفاع عن الكيان الغاصب.
إذ حثّت مجموعة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الرئيس بايدن على بذل المزيد من الجهد "لحماية المدنيين" في غزة. وكتبوا في رسالة أرسلت الثلاثاء الماضي إلى إدارته، أنه يتعين على الولايات المتحدة ضمان عدم استخدام الأسلحة التي تنقلها إلى "إسرائيل" بطريقة تنتهك القانون الدولي. كما أعربت الرسالة عن مخاوف بشأن الافتقار إلى "الشفافية" في عمليات النقل هذه.
من هم المشرعون الذين كتبوا هذه الرسالة؟
من بين قادة حملة الرفض للسلوك الأمريكي الحالي تجاه "إسرائيل"، السيناتور إليزابيث وارن (ديمقراطية من ماساشوستس). جاءت الحملة بعد فشل مجلس الشيوخ في التصويت الأربعاء الماضي 6 كانون الأول الجاري، بشأن إرسال 14 مليار دولار من المساعدات الإضافية لـ"إسرائيل" كان طلبها البيت الأبيض، بالإضافة إلى مليارات أخرى من المساعدات لأوكرانيا.
ولذا دعا السيناتور بيرني ساندرز (من ولاية فيرجينيا)، وهو أحد الموقعين على الرسالة، إلى وضع شروط على المساعدات لـ"إسرائيل" وقال إنه سيصوّت بالرفض حول هذا النص.
كما وقع كل من: السيناتور تيم كين (ديمقراطي من فرجينيا) ومارتن هاينريش (ديمقراطي من نيو مكسيكو) وجيف ميركلي (ديمقراطي من ولاية أوريغون) على الرسالة التي تطلب إحاطة بحلول الأسبوع المقبل، وإجابات على قائمة طويلة من الأسئلة حول موقف الولايات المتحدة من الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
ما هو مضمون الرسالة؟
تعكس الرسالة ضغط الرأي العام الأمريكي والذي يزداد رفضه وتحركه ضد الحملة الدموية الإسرائيلية يومًا بعد يوم. ولهذا تضمنت الرسالة التي كتبها أعضاء مجلس الشيوخ المذكورين أعلاه التالي:
"الحملة العسكرية الإسرائيلية شملت القصف العشوائي.. يجب على إدارتكم التأكد من استخدام التوجيهات والمعايير الحالية لتقييم التقارير التي تفيد بأن "إسرائيل" تستخدم أسلحة أمريكية في هجمات تلحق الضرر بالمدنيين". وإذ دعا المشرعون إلى "تأمين حماية وسلامة المدنيين بشكل أكثر صرامة في أثناء العمليات الإسرائيلية في غزة"، قالوا إن ""إسرائيل" شريك للولايات المتحدة، ويجب علينا ضمان المساءلة عن استخدام الأسلحة الأمريكية التي قدمناها لحليفنا".
وأشار أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن الولايات المتحدة أطلقت مؤخرًا مبادرة عبر وزارة الخارجية لتتبع التقارير المتعلقة بالدول التي تستخدم الأسلحة الأمريكية لإلحاق الأذى بالمدنيين والتحقيق فيها، وأكدوا أن هذه العملية يمكن أن تؤدي إلى التوصية بتعليق مبيعات الأسلحة إلى الدول المخالفة. واستشهد المشرعون، بتوقيع وزارة الحرب في عهد بايدن على إعلان مع عشرات الدول الأخرى يشدد على "حظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة، والالتزام باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في الهجوم".
الأكثر أهمية في رسالة المشرعين هذه، هو إقرارهم بعدم وجود شفافية كافية من قبل إدارة بايدن وقياداتها حول عمليات نقل الأسلحة إلى "إسرائيل"، وهذا يعود بدوره إلى أن "إسرائيل" هي واحدة من الدول القليلة المعفاة من متطلبات إخطار الكونجرس النموذجية بشأن المبيعات العسكرية. ويقول أعضاء مجلس الشيوخ إن هذه الإعفاءات ستضر بقدرتهم على مراقبة وتحديد ما إذا كانت المساعدة الأمريكية تساهم في "ضرر غير متناسب للمدنيين".
ماذا عن الاعتراضات على استخدام الأسلحة الأمريكية؟
إضافة إلى ما تقدم، أشارت رسالة أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن البنتاغون لم يرسل سوى "جنرال واحد من مشاة البحرية لمساعدة "إسرائيل" في التخطيط للحرب وتقديم المشورة لـ"إسرائيل" حول كيفية التخفيف من الخسائر في صفوف المدنيين بغزة". ولفتوا إلى أن وزارة الحرب لم تصدر بيانًا أو مبادئ توجيهية حول "كيفية استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية".
وأعرب هؤلاء المشرعون عن مخاوفهم على وجه التحديد بشأن استخدام قذائف المدفعية عيار 155 ملم، التي يقولون إنها ضارة بشكل خاص بالمدنيين لأنها غير موجهة ولها نطاق انفجار كبير.
وسأل أعضاء مجلس الشيوخ عما إذا كانت الولايات المتحدة قد أعطت إرشادات لـ"إسرائيل" حول كيفية استعمال تلك القذائف عيار 155 ملم، وطلبوا أيضًا الحصول على قائمة بالذخائر المقدمة إلى الكيان ونطاق انفجارها.
في المحصلة، تنبع أهمية هذه الرسالة من أنها جاءت من قبل قيادات أمريكية اعترفت وأقرّت علنًا وبشكل غير مباشر بقتل واستهداف "إسرائيل" عمدًا للمدنيين.
اللافت أن بايدن ونتيجة لذلك، بدأ يواجه صعوبات وتدنيًا في نسبة المؤيدين له خصوصًا من فئة الشباب، وذلك على خلفية دعم إدارته وقياداته الأساسية لـ"إسرائيل" بما بات يؤثر سلبًا على صورة الولايات المتحدة الأميركية أمام العالم. وبالتالي فإن هذه الرسالة تشكل انقلابا يبنى عليه في تحول الوعي المجتمعي الأمريكي، نحو حقيقة أن "إسرائيل" كيان قاتل ومجرمة..
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024