خاص العهد
عن ناصيفة مزرعاني... الأسيرة الشهيدة
إيمان مصطفى
الشوارع الخالية لا تعني خلوّ القرى من سكانها تمامًا، فهناك دائمًا من اختار البقاء. هي بعض من قصص إنسانية عدّة، بل درس في التمسّك بالحياة والتشبث بالأرض التي نستحق العيش فيها، فنحن أبناؤها.
خارج أسوار منزلها الجنوبي في قرية حولا، كانت تتجوّل الحاجة ناصيفة مزرعاني (أم حسن)، تُمشّط جدائل حفيدتها، تسترق من الحياة لحظات تبهج قلبها المكلوم من رجس الاحتلال. ورغم ما خلّفته الحروب المضنية مع العدو الصهيوني من آثار عليها، تبدو متمسكة بالحياة، تحصد زرع بستانها، وتناضل على طريقتها إلى أن استشهدت كما تحب في أرضها. هي التي عرفتها سنون الأسر، وأصابتها جراح الحرب التي أتت على البشر والحجر، ولكنها لم تأتِ على عزيمة شعب أكّد للعالم أن السر في صموده.
أم حسن وُلدت مجبولة من الأرض، ونشأت في كنف أسرة فقيرة متواضعة مزارعة بين 8 أخوات وإخوة، في قرية تحاصرها حواجز الاحتلال الإسمنتية، يروي قريبها الحاج أبو علي طاهر لموقع "العهد". يتنهّد ويحاول أن يصفها، الحنونة، المثابرة، الأبية، الصامدة. يصمت ويحاول أن يستجمع ما ضاع منه من كلمات، مردفًا أن "أم حسن قاومت الاحتلال منذ نعومة أظافرها، فتربيتها قائمة على الكدّ والتعب".
يُسهب أبو علي بالحديث عن العذاب الذي تعرضت له أم حسن في الأسر في معتقل الخيام عام 1993، لنقلها المعلومات للمجاهدين، مشددًا على أنها خرجت منه مُقاوِمة محرّرة، واستمرت بمشوارها النضالي، فالزنزانة لم تُضعف عزيمتها أبدًا.
أم حسن تزوجت من الأسير المحرّر حسين مزرعاني، وأنجبت منه 9 أولاد. داومت على الزراعة، ولكنها استمرت برفضها للاحتلال وأبت أن تقبل به. صمدت في حولا في حرب تموز حتى طالها القصف، ولم تنل منها الجراح، ولم تُخرجها من قريتها الحدودية.
يُخبرنا أبو علي عن ناصيفة الأم، التي تتجوّل بحنانها المعهود بين منازل أولادها، تطمئن لحالهم، وتوزّع عليهم ما تيسر لها من "المؤونة"، ومن حصاد الأرض؛ لا يخرج منها إلا الكلام الطيب، والعمل الصالح.
"مقاوِمة بكل ما للكلمة من معنى"، يؤكد أبو علي، فمنذ ولادتها وناصيفة مزرعاني صامدة في حولا، وهي التي كانت تقول "أنا لا أخرج من أرضي"، إلى أن توّجها الله ونجلها محمّد مزرعاني بالوسام الأهم والأعلى، وختمت حياتها المُقاومة بالشهادة، التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.