آراء وتحليلات
عن مفاجآت المقاومة الفلسطينية في حال الغزو البرّي: المحرقة بانتظارهم
د. علي دربج - أستاذ وباحث جامعي
في الوقت الذي تقرع "اسرائيل" فيه طبول الحرب البرية وتحشد فرقها المهزوزة نفسيًا ومعنويًا لاجتياح غزة، يتخوف مسؤولو الأمن القومي الامريكي من المخاطر الكبيرة التي ستواجه جنود الاحتلال لحظة انطلاق العملية العسكرية، خصوصًا أن القادة الصهاينة ونظراءهم في البنتاغون يجهلون قدرات "حماس" وإمكاناتها التسليحية والتكتيكية، وما تخبئه لهم "فصائل المقاومة" من مفاجآت قد تحولّ هذا الهجوم الى نكبة أخرى للكيان الغاصب، لا يقل قساوة وربما أكثر عن مشهد 7 تشرين الأول التاريخي في غزة.
وتبعًا لذلك، تزداد احتمالات أن تكشف "حماس" عن مفاجآت قاتلة، وفقاً للمحللين الأمريكيين الذين يدرسون القدرات العسكرية للحركة. أما السبب، فيعود إلى أنه بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى"، أعلنت "حماس" أنها استخدمت 35 طائرة من دون طيار ذاتية التفجير، جميعها تعتمد على تصميمات الأسلحة المبتكرة لمهندس الطيران في الحركة الشهيد محمد الزواري الذي اغتاله جهاز الموساد الاسرائيلي، في بلدة تونسية ساحلية أواخر عام 2016.
من هو محمد الزواري؟ وما علاقته بالطائرات من دون طيار وبـ"عملية طوفان" الاقصى؟ ولماذا اغتالته "اسرائيل"؟
كان المهندس التونسي والقيادي في كتائب عز الدين القسام محمد الزواري معروفاً علناً بأنه صانع الطائرات المسلحة من دون طيار لحركة "حماس". عام 2006 عمل الزواري على تطوير مسيّرة جوية، وبحلول عام 2008 كان قد أشرف بنفسه على تصنيع 30 طائرة من دون طيار، أما الظهور الأول لـ"الزواري" التي سمّيت في بادئ الأمر بـ"أبابيل" فكان عام 2021 خلال معركة "سيف القدس".
وقبل شهادته، كان الزواري قد أكمل عمله المتمثل بصناعة مسيّرة غاطسة، يمكن تزويدها بالمتفجرات لمهاجمة منصات النفط ومرافق الموانئ والسفن في البحر. القوات الإسرائيلية رصدت طائرة من دون طيار غاطسة مماثلة، ودمرتها في عام 2021 عندما حاولت "حماس" إطلاقها من شاطئ غزة، وفقًا لمتحدث باسم جيش العدو الذي قال إن الطائرة التي اسقطتها طائرة حربية إسرائيلية كانت قادرة على حمل حوالي 66 رطلاً (حوالي 29 كيلوجرام) من المواد الشديدة الانفجار.
ويشكل بناء طائرة من بدون طيار تحت الماء تحديًا كبيرًا لكيان العدو، الذي زادت قناعته بقدرة "حماس" على القيام بهذه المهمة من الناحية التكنولوجية، بعدما تم وضع التصميم الأساسي من قبل الزواري في غزة، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه في صفاقس على الساحل التونسي، لبناء النموذج الأولي للطائرة بحسب مسؤولين أمريكيين.
كما أن اكتشاف القوات الإسرائيلية لطائرة من دون طيار تابعة لـ"حماس" تحت الماء في عام 2021، أكد لـ"تل ابيب" وواشنطن، أن العمل في المشروع مستمر. واللافت أن احتمال مرور طائرات من دون طيار عبر المياه الساحلية لتفجير الموانئ والسفن الإسرائيلية، قد أخاف المسؤولين الصهاينة، ودفعهم إلى اتخاذ إجراءات وتدابير احترازية مسبقة.
ما هي التقديرات الامريكية والاسرائيلية لقدرات "حماس" العسكرية والتكنولوجية؟
يؤكد الخبراء العسكريون الغربيون، أن صانعي الأسلحة التابعين لحماس، قد حصلوا على تكنولوجيا لمجموعة من الأسلحة الجديدة، بدءًا من الألغام القوية والقنابل المزروعة على الطرق وحتى الذخائر الموجهة بدقة. وقد تم تطوير بعضها من قبل مهندسي حماس خارج غزة، وفي معظم الحالات بمساعدة فنية من إيران، استنادا لاقوالهم.
ومع ان معظم الأسلحة المستخدمة في 7 أكتوبر شوهدت من قبل. لكن الخبراء يخشون ايضا، من أن حماس ربما تحتفظ بترسانة احتياطية أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية، حيث ستقوم بنشر هذه الأسلحة ردا على هجوم بري إسرائيلي محتمل.
وتعقيبًا على ذلك، أكد فابيان هينز خبير الصواريخ ومحلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث بريطاني انه "من المحتمل جدًا أن تمتلك حماس قدرات لم نرها بعد، ولكن قد نراها لاحقًا". وقال هينز إنه "إذا اتبعت حماس نفس قواعد اللعبة التي اتبعها حليفها حزب الله – في عام 2006 – فقد تسعى إلى جر القوات الإسرائيلية ثم شن ضربات غير متوقعة، ربما ضد أهداف بعيدة عن خط المواجهة"، مضيفًا "الفكرة هي الوصول إلى مستوى أعلى من التصعيد، ومن ثم إخراج الأرنب من القبعة".
ويستشهد هؤلاء الخبراء بالقدرة الجديدة المذهلة التي امتلكها حزب الله في حرب عام 2006، والتي كانت عبارة عن صاروخ مضاد للسفن. حينها لم تر وكالات الاستخبارات الإسرائيلية أي دليل على أن حزب الله، قادر على ضرب السفن البحرية على بعد أميال من الساحل حتى تموز 2006 من ذلك العام عندما ضرب صاروخ حزب الله، في الساعات الأولى من القتال الشرس، سفينة آي إن إس هانيت، السفينة الرئيسية للبحرية الإسرائيلية، وأدت الى مقتل عدد من أفراد طاقمها.
ما هي المفاجآت التي تتوقع "إسرائيل" أن تتلقاها من "حماس"؟
في الحقيقة، ترى القيادات الاسرائيلية، انه إذا كانت حماس تخطط لمفاجأة كما حزب الله، فمن الممكن أن تكون طائرة من دون طيار تحت البحر، مماثلة لتلك التي كان الزواري يطورها لحماس قبل أكثر من سبع سنوات، وفقًا لهينز ومحللين آخرين. أو يمكن أن يكون صاروخًا كبيرًا مزودًا بنظام توجيه دقيق، مما قد يمكّن المجموعة من ضرب البنية التحتية الحيوية أو القواعد العسكرية بدقة على بعد عدة أميال.
ليس هذا فحسب، إذ يمكن أن تواجه القوات البرية والمركبات الإسرائيلية، أشكالًا أكثر قوة من القنابل القاتلة التي تزرع على الطرق والتي ترجح "اسرائيل" أن فصائل وحركات المقاومة تعمل على تحسينها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وما زاد الطين بلة بالنسبة لقادة الكيان، أنه في وقت سابق من هذا العام، تحدثت تقارير استخباراتية أمريكية مسربة عن تدرّب عناصر من مختلف حركات محور المقاومة في سوريا على تصنيع قنبلة خارقة للدروع يمكن أن تخترق الدرع الفولاذي لدبابة قتالية من مسافة 75 قدمًا.
وتعليقًا على ذلك، يقول مايكل آيزنشتات، مدير العمليات العسكرية الإسرائيلية والدراسات الأمنية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "لقد استثمرت "إسرائيل" في الدروع الثقيلة لمركباتها، ولكن إذا كان لديك قنبلة مدفونة تزن 500 أو 1000 رطل في الطريق، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى قلب مركبة مدرعة أو رفع دبابة عن الأرض.. هذا ناهيك عن تأثير موجة الانفجار على الطاقم، حتى لو نجوا".
ما تجدر معرفته هنا، ان القنبلة القوية الموصوفة في تقارير المخابرات الأمريكية، كانت عبارة عن قنبلة متفجرة خارقة، أو EFP، وهي نسخة أكثر قوة من العبوات الناسفة التي استخدمتها فصائل المقاومة العراقية في هجماتها المميتة ضد القوافل العسكرية الأمريكية أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق.
أكثر من ذلك، تكشف هذه التقارير، أن "حماس" بنت مصانع تحت الأرض قادرة على إنتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار بكميات كبيرة، من خلال استخدام التكنولوجيا الإيرانية. إضافة الى ذلك، يقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن المكونات الرئيسية، مثل المتفجرات والدوائر الإلكترونية، يتم تهريبها إلى القطاع عبر الأنفاق أو يتم إسقاطها قبالة ساحل غزة عن طريق القوارب.
وفي حين أن تهريب الأجسام الكبيرة نسبيًا مثل الصواريخ أمر صعب، فإن المكونات اللازمة لتحويل الصواريخ "الغبية" إلى أسلحة دقيقة موجهة صغيرة ـــ وفقًا لهينز، وهو أحد المحللين العديدين الذين يقدرون أن "حماس" ربما تمتلك مثل هذه الأسلحة ـــ "لن تحتاج حتى إلى حقيبة ظهر لتهريب المكونات، ولفت الى أنه "يمكنك وضعها في حقيبة يد فاخرة".
في المحصلة، إن مثل هذه الاكتشافات تنسف الفكرة السائدة بين بعض الإسرائيليين بأن التكنولوجيا المتفوقة لديهم ستحافظ على سلامتهم. إذ تشير التحقيقات المبكرة في إخفاقات الاستخبارات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى أن الإسرائيليين كانوا يركنون إلى شعور زائف بالأمن بسبب اعتقادهم بأن تهديد "حماس" تم احتواؤه إلى حد كبير من خلال شبكة دفاعية معقدة من الجدران الحدودية وأجهزة الاستشعار الإلكترونية والأنظمة المضادة للصواريخ مثل قبة الحديد. ومع ذلك، تمكنت "حماس" من مفاجأة الأجهزة الدفاعية والعسكرية في البلاد، ووجهت لها بالتالي ضربة صاعقة غير مسبوقة، لن تشفى منها لعقود، هذا ان بقي شي اسمه "اسرائيل".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024