معركة أولي البأس

خاص العهد

الأطفال والتلفاز في حرب غزة
19/10/2023

الأطفال والتلفاز في حرب غزة

فاطمة سلامة

منذ بدء العدوان على غزة، تحوّلت المنازل الى غرف أخبار. لا قنوات سوى القنوات الإخبارية على شاشات التلفاز. وعليه، لا مهرب من مُشاهدة اللقطات المروّعة التي تهتز لها النفوس جراء المجازر "الإسرائيلية". تُخبرني صديقة أنّ منزلها كباقي المنازل ينضح أخبارًا، لكنها تبدو في حيرة من أمرها لناحية أطفالها. أحيانًا تجد نفسها مسرعة نحو شاشة التلفاز لتقف أمامه فتُخبئ المشاهد الموحشة عنهم. أحيانًا أخرى تُسارع الى تغيير القناة. تسأل نفسها: كيف تسمح لتلك المشاهد المؤلمة أن تمر أمام عيون أطفالها، وهي التي تؤلمنا نحن الكبار؟. كيف السبيل لحجبها عنهم لما قد تحمله من انعكاسات نفسية مستقبلًا، ونحن نعيش في بيئة إخبارية بحتة؟. أما الأطفال، فما إن يتعرضوا لمشهد مؤلم ــ ولو صدفة ــ حتى تنهال الأسئلة التي يجد الأهل أنفسهم مضطرين للإجابة عنها وفقًا لعقول أطفالهم الصغيرة. تنهال الأسئلة كالمطر من قبيل: من الذي فعل بهؤلاء الأطفال هكذا؟ لماذا؟ كيف السبيل لحمايتهم؟... فماذا يقول أخصائيو علم النفس حول هذه القضية؟ هل يسمح الأهل للأطفال بالتعرض لتلك المشاهد؟ وما التوصيات التي يجب اتباعها لتفادي ردات الفعل والاضطرابات النفسية؟. 

التعرُّض بقَدَر.. 
 

يُقارب الأخصائي في طب النفس الدكتور فضل شحيمي القضية من وجهة نظر نفسية، فيرى أنّه في الحالات العادية أي حالات السلم والعملية التربوية الطبيعية، لا يجب أن يتعرض الطفل لمشاهد عُنفية فيها ما فيها من الدماء والقتل وما الى هنالك. لكن الموضوع اليوم مختلف، نحن في حالة حرب دائمة مع العدو، وعليه، لا مانع من مشاهدة الأطفال لمشاهد تتناسب نوعًا ما مع أعمارهم. كيف ذلك؟ وهل من الممكن أن نغربل المشاهد ونصنّفها؟ في هذا الصدد، يقول شحيمي: "ليس من الضروري أن يشاهد الطفل مشاهد مروّعة، لكن لا مانع من أن يشاهد أطفالًا فلسطينيين حزانى على عائلتهم، أو أطفالًا يعبّرون عن حزنهم وآرائهم".

لتعريفهم بالقضية 

وفق شحيمي، السماح للأطفال بمتابعة ما يجري ضمن مشاهد مقبولة يحمل شقًا إيجابيًا، اذ يجب أن نربّي أطفالنا من ناحية نفسية بأن لديهم قضية ينتمون اليها. يجب أن نحدّثهم عن مظلومية الشعب الفلسطيني ليناصروا قضيته عندما يكبرون. برأيه، الطفل عندما يكبر دون أن تكون لديه إحاطات وخلفيات حول أجواء قضية ما قد يصبح من الصعب إقناعه خاصة في ظل العصر الذي نعيشه حيث تتعدّد وسائل ومصادر المعرفة. 

وفي المقابل، يشير شحيمي الى أنّ العدو "الإسرائيلي" يربّي أجياله الصغيرة على الصواريخ، ولطالما أوصل لهم الوقائع بطريقة "معكوسة". يحدّثهم أنه على حق ويقتل أعداءه من الفلسطينيين. من هنا، ينصح شحيمي بأن لا يبقى أطفالنا في عتمة كاملة عما يحصل. يجب أن نفسّر لهم ما يحصل علميًا وتربويًا، وأن نحدّثهم عن مظلومية الشعب الفلسطيني، وحقد العدو الذي يفتك ولا يحترم لا قوانين ولا إنسانية. وفق قناعات المتحدّث، عندما نفسّر لأطفالنا تصبح هذه المشاهد أقل وطأة عليهم، مع الحرص الدائم على الصحة النفسية للطفل، بمعنى أن لا يصل الطفل الى مرحلة يُصبح لديه "اضطراب ما بعد الصدمة". 

وعليه، يشدّد شحيمي على ضرورة الشرح للطفل لما يحصل من عدوان بطريقة تتناسب مع فهمه. السماح للطفل بالتعبير عن مشاعره وأفكاره، والاستماع لأسئلته جيدًا، وأن تكون الإجابة على قدر السؤال وعقل الطفل العمري. وفق شحيمي، يفضّل الحديث عن تاريخ المحتل بأسلوب سلس، والتعريف بالقضية الفلسطينية والتآمر على فلسطين، مع التأكيد مجددًا بأن يكون الحديث متناسبًا مع عمر الطفل. هذا الأمر ضروري ــ يقول شحيمي ــ فهذا الطفل سيكبر لاحقًا ويجب أن يترسّخ لديه مفهوم القضية والانتماء ما يوسّع له فهمه وانتماءه لقضية عامة. 

توجيه عدّة أسئلة للتخفيف من وطأة الصدمة

الأخصائية والمعالجة النفسية الأستاذة مايا حمادي تُفضّل أن لا يرى الطفل مشاهد ما يحصل في غزّة، لكنها تشير في المقابل الى أنّه وفي حال كان حجب تلك المشاهد صعبًا وتعرّض الطفل اليها لتصبح بمثابة "أمر واقع" بإمكان الأهل توجيه السؤال للطفل عما شاهده. في حال وجدنا أن لا قدرة للطفل على التعبير بالتزامن مع تغيرات حدثت في تصرفاته ما يعني أنه تأثر مع فقدان القدرة على التعبير، حينها، لا بد من توجيه عدّة أسئلة للتخفيف من وطأة الصدمة لديه. على سبيل المثال، ماذا رأيت؟ بماذا شعرت؟ برأيك لماذا حصل ذلك؟ ما الذي يجب أن يفعلوه؟. وفق حمادي، عندما نخوض مع الطفل بهذه الأسئلة نسلّط الضوء على الفاعل والمرتكب أي الجانب الظالم "إسرائيل"، وعلى المظلوم أي الشعب الفلسطيني. تمامًا كما نتحدّث وإياهم بالطرق التي من الممكن أن نساعد بها هؤلاء الأطفال اذا كان هناك إمكانية. 

تشدّد حمادي على أنّ الأهم لدينا هو أن نحاول أن لا يرى الطفل المشاهد المروّعة، وأن لا نتحدث عنها كثيرًا أمامه. لكن وفي حال كان يشاهد مع أسرته، يجب أن نتركه يعبّر عن كل ما يدور بداخله لنجنّبه أي صدمة نفسية لأن هذا الجيل لم يعِش الحرب وكل ما يراه حاليًا هو مجهول بالنسبة إليه. أما عن أسئلة الأطفال الكثيرة، فتؤكّد حمادي ضرورة أن نجيب عنها دون استرسال أي أن تكون الإجابة على قدر السؤال. 

توصيات 

كما تنصح حمادي بالقيام بجملة إجراءات للتخفيف عن الطفل تختصرها بما يلي: 

- الحفاظ على الروتين اليومي قدر الإمكان ما يوصل رسالة الى الأطفال بأنه حتى ولو حدثت الحرب في مكان ما فنحن مستمرون بالحياة.

- تدرب الأهل على ضبط ردود أفعالهم أمام المشاهد والأخبار، فردود فعل الأهل التي تحتوي على شيء من الصدمة تعطي إشارات سلبية للطفل بأنّ هناك مشكلة كبيرة جدًا وبأنّ أمرًا ما سيحصل. 

- عدم إظهار الأهل لأنفسهم أمام أطفالهم بصورة الحائر والضائع، وضرورة تجهيز خطة مسبقة تحاكي أي سيناريو محتمل. على سبيل المثال، لو سأل الطفل أهله: ماذا سنفعل إن حصلت الحرب؟ يجب أن تكون الإجابة واضحة مع التوضيح للطفل أنه في الأزمات والحروب ثمّة مساعدات إنسانية للتخفيف عن الناس.

جرائم الحرب

إقرأ المزيد في: خاص العهد