آراء وتحليلات
من "أمطار الصيف" إلى "السيوف الحديدية": عرض للمواجهات وتقدير موقف ميداني
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
نفّذ جيش العدو الإسرائيلي منذ العام 2006 ثلاث عمليات برية كبيرة انتهت كلها بالفشل.
وفي كل العمليات سواء التي اقتصرت على قصف غزة أو العمليات البرية كانت فيها الأهداف هي نفسها تحرير الأسرى وضرب قواعد صواريخ المقاومة، وفي كل المواجهات كان الجيش الإسرائيلي يفشل في تحقيق أهدافه مقابل تعاظم قوة المقاومة، وقد وصلت قوّتها الى تحقيق أكبر مفاجأة في تاريخ الصراع عندما نفّذت عملية طوفان الأقصى.
وللتذكير أستعرض بشكل موجز أهم ما جرى في العمليات البرية الثلاث علمًا بأن مستوى التهديد والتوحش لم يتغير وهو نفسه ما نراه خلال العمليات الحالية.
عملية "أمطار الصيف" لتحرير جلعاد شاليط (2006)
وقع العريف الإسرائيلي ــ الفرنسي جلعاد شاليط في الأسر في يد المقاومة خلال هجوم استهدف دبابة قرب غزة في 25 حزيران/ يونيو 2006، وكان يبلغ حينها 19 عاما. بعد يومين، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية ضد القطاع تحت مسمى "أمطار الصيف" بدأها بعمليات قصف واسعة أعقبها توغل بري. جاء هذا الهجوم بعد عشرة أشهر فقط من خطة فك الارتباط الأحادية الجانب التي أعلنتها "إسرائيل" في غزة، والتي تم على إثرها سحب المستوطنين والقوات العسكرية من القطاع، تحت رعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون. وبالنسبة لخليفته إيهود أولمرت، كانت العملية العسكرية في غزة تهدف إلى إطلاق سراح الجندي المحتجز، لكن أيضًا إلى وضع حد لإطلاق الصواريخ باتجاه جنوب الكيان وكشف وتحديد شبكة الأنفاق التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية في هجماتها، مثل تلك التي سمحت بأسر الجندي شاليط.
توصل الجانبان في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 إلى وقف لإطلاق النار.
في 18 تشرين الأول/ اوكتوبر 2011، تم إطلاق سراحه بعد أكثر من خمس سنوات من المفاوضات الصعبة التي أفضت إلى إطلاق سراح 1027 فلسطينيا أسيرًا لدى " إسرائيل".
عملية "الرصاص المصبوب" لوقف إطلاق الصواريخ (2008)
بدأت "إسرائيل" هذه العملية البرية في قطاع غزة بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، ردا على الصواريخ التي تطلقها حركة المقاومة "حماس" على الكيان المؤقت. استبق جيش العدو خلال هذا الهجوم أيضًا عمليته البرية التي انطلقت في 3 كانون الثاني/ يناير 2009، بحملة قصف. كان الهدف المعلن من وراء هذه العملية وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة وتدمير أنفاق التهريب في منطقة رفح الحدودية بين غزة ومصر، والتي تسمح بتهريب الأسلحة.
انتهت هذه المواجهة في 18 كانون الثاني/ يناير 2009 بإعلان "إسرائيل" وقفا لإطلاق النار، أعقبه إعلان مماثل من حركة "حماس" بعد اثنتي عشرة ساعة.
عملية "الجرف الصامد" لتدمير الأنفاق (2014)
بدأت هذه العملية في 8 تموز/ يوليو 2014 بقصف إسرائيلي استهدف غزة وخلّف استشهاد نحو 240 فلسطينيا، فيما أطلقت "حماس" عدة آلاف من الصواريخ على الكيان المؤقت.
بادرت مصر حينها بالوساطة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار تقبله الجانب الإسرائيلي لكن رفضته "حماس". على إثر ذلك، قرّر رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو في 17 تموز/ يوليو شن هجوم بري جديد على القطاع.
على غرار عمليتها البرية السابقة "الرصاص المصبوب"، كانت "إسرائيل" تسعى من خلال الهجوم البري الجديد "الجرف الصامد" إلى وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه مستوطناتها الجنوبية، لكنها استهدفت في هذه المرة بشكل خاص شبكة الأنفاق التي تربط بين القطاع والكيان.
وضعت العملية أوزارها في غزة بتاريخ 26 آب/ أغسطس 2014 مع الإعلان عن وقف لإطلاق النار بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية. وإلى جانب وقف الأعمال العدائية، نصّت بنود الاتفاق على تخفيف الحصار المفروض على غزة، إعادة فتح المعابر بين "إسرائيل" والقطاع، السماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وأيضًا توسيع منطقة الصيد البحري في غزة.
"السيوف الحديدية" (2023)
تضمن الاعلان عن العملية الحالية المسماة (السيوف الحديدية) هذه المرّة القضاء على حركة "حماس" وليس وقف اطلاق الصواريخ وتحرير أسرى نظراً للضرر الكبير الذي أحدثته عملية طوفان الأقصى في هيبة الجيش الإسرائيلي ووصول نتائجها الى درجة اعلان قادة الكيان الإسرائيلي أن ما حصل هو تهديد وجودي.
ورغم تغير سقف أهداف العملية الحالية ووصولها الى مستويات غير مسبوقة لجهة الحشد العسكري والدعم الغربي اللامحدود، ما سيكون مختلفاً عن العمليات السابقة هو حجم التدمير والقتل والتوحش. ففي الجانب العسكري هناك شبه اجماع من الخبراء العسكريين الموالين للمقاومة والمعادين لها ان خواتيم هذه العملية ستكون مشابهة لما حصل في الجولات السابقة.
وفي تقدير سريع يمكن القول إن العملية لن تبدأ بزخم كبير، وأن ما نشاهده من دبابات ومدرعات هي في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ولو كانت بالقرب من غزة لكانت قد احترقت بواسطة الطائرات المسيرة التابعة لحركة "حماس" حيث تمتلك الحركة في غزة شبكة أنفاق تستطيع أن تناور فيها وتلحق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي إضافة الى وجود احتياطيات هائلة من الموارد المادية في هذه الأنفاق، حتى السيارات تتحرك، هناك طرق سريعة بأكملها، هذه هي القدرة على المناورة على طول الجبهة بأكملها، والقدرة على الوصول إلى الجزء الخلفي من قوات العدو القادمة، كما أن المعدات الثقيلة غير مفيدة للجيش الإسرائيلي في بيئة حضرية كهذه، وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي سيخوض حرب عصابات وسيتكبد خسائر فادحة جداً، واذا ما حصلت عملية برية فستكون هناك خسائر جنونية، والإسرائيليون يعرفون ذلك.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024