آراء وتحليلات
ملحمة "طوفان الأقصى" ونظرية المؤامرة الصهيونية
حيّان نيّوف
يروّج مؤيدو رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على مواقع التواصل الإجتماعي لواحدة من أغبى نظريات المؤامرة بالقول إن نتنياهو هو من سمح بكل ما يجري منذ صبيحة يوم 7 تشرين/اكتوبر، وأنه أعطى الضوء الأخضر للسماح للمقاومة الفلسطينية بتنفيذ عمليتها "طوفان الاقصى"، وأن أهداف نتنياهو من ذلك تكمن في توحيد الإسرائيليين المنقسمين حوله تمهيدا لاجتثاث حركة حماس وفصائل المقاومة لاحقا.. وما هو مؤسف بأن مواقع التواصل العربية شهدت أيضا طروحات مشابهة لنظرية المؤامرة هذه وخاصة من مؤيدي أنظمة التطبيع وأنصار الإنبطاح وعملاء واشنطن وتل ابيب.
يتعمد أصحاب نظرية المؤامرة تلك استخدام مصطلحات وتعابير أخرى إضافية لتبرير طروحاتهم مثل القول بأن ما قامت به المقاومة الفلسطينية يشبه إلى حدٍ بعيد ما جرى في أحداث ١١ أيلول/سبتمبر التي نسجت حولها الكثير من نظريات المؤامرة، وهم يريدون بذلك التأثير في الوعي الجمعي المحلي والعالمي من خلال الإيحاء بأن المقاومة الفلسطينية لا تختلف عن تنظيم "داعش" الإرهابي ويركزون في هذا الإطار على حركة المقاومة الإسلامية حماس دون سواها من الفصائل الفلسطينية المقاومة، وتتلاقى طروحاتهم مع تصريحات ومواقف المسؤولين الإسرائيليين والغربيين في ذلك وعلى رأسهم مسؤولو الإدارة الأمريكية وكذلك الصحافة و وسائل الإعلام الغربية.
• ما هي الأهداف الخبيثة لنظرية المؤامرة الصهيونية:
يمكن إيجاز الاهداف الإسرائيلية التي تقف خلف الترويج لهذه الطروحات بما يلي:
1ــ التخفيف من حالة الصدمة والتشتت التي أصابت الإسرائيليبن بفعل عملية طوفان الأقصى التي أسقطت وهم الأمن الخادع الذي كانوا يعيشونه.
2ــ التأثير على الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني والشعب العربي عموما بهدف ضرب الثقة بحركات المقاومة الفلسطينية والتشكيك بأهدافها وغاياتها، ومن ثم التأثير على الجماهير العربية لتمتنع عن تأييد المقاومة وبما يخفف من ضغط الشعب والشارع العربي على الأنظمة العميلة والأنظمة المطبعة.
3ــ محاولة استعادة ثقة الإسرائيليين بحكومتهم وقياداتهم السياسية والعسكرية والإستخباراتية بعد الفشل الذريع الذي أصابها منذ الساعات الأولى لملحمة طوفان الأقصى.
4ــ التأثير على الوعي الجمعي الإسرائيلي للإستجابة لدعوات استدعاء الإحتياط التي أطلقها الجيش الإسرائيلي من خلال الإيحاء بأن كل ما جرى قد تم وفق مخطط مرسوم وأن الامور ما زالت تحت سيطرة القيادات العسكرية.
الرد على الطروحات الخبيثة لنظرية المؤامرة الصهيونية:
1ــ إن التوجه الرئيسي لرئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" قبل عملية طوفان الأقصى كان يتمثل بإنجاز التطبيع مع السعودية وباسرع ما يمكن، وكان نتنياهو يروج لهذا التطبيع بشكل هيستيري وهو ما فعله على منبر الأمم المتحدة منذ أسابيع، وبنظره فإن هذا التطبيع سيكون كفيلا وكافيا لتوحيد الإسرائيليين خلفه وينهي حالة الإنقسام العامودي الإجتماعي والسياسي للجبهة الداخلية الإسرائيلية، ثم جاءت عملية طوفان الأقصى التي قضت على آماله او على الاقل أخرتها إلى مرحلة بعيدة نسبيا، حيث أنه من المتوقع ان تترك تلك المواجهة آثارها على التطبيع السعودي الإسرائيلي وتتسبب بعرقلته بعد ان كان مخططاً له أن ينجز خلال أشهر قليلة، فكيف يستوي القول بأن نتنياهو المستميت لإنجاز هذا االتطبيع هو من أسهم بتأخيره أو إضاعته؟!
2ــ التوجه الثاني لنتنياهو بعد التطبيع كان يتمثل بسرعة إنجاز الممر الهندي السعودي الإسرائيلي الذي سيحكم قبضة "اسرائيل" على المنطقة ويحولها الى دولة محورية في العالم الجديد، وهو حلمٌ لطالما راود حكام "اسرائيل" منذ نشأتها ووضعت لإجله الكثير من الخطط والنظريات وشنت لأجله الكثير من الحروب، ومن البديهي أن هذا المشروع قد دخل في غياهب النسيان بعد الطوفان، فكيف يصح القول بأن نتنياهو هو من سمح بما جرى وهو يعلم أن ذلك سيفشل هذا المشروع الذي يعتبر حلما لـ"إسرائيل"..؟!
3ــ أظهرت الساعات والأيام الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"مدى الغضب العارم والتيه الذي صدر عن نتنياهو نفسه وما زال إلى الآن من هول الصدمة، وتحدثت الكثير من وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الصهيونية عن حجم تلك الصدمة والمفاجأة التي أصابت السياسيين والعسكريين والأمنيين على حد سواء وعلى رأسهم نتنياهو الذي راح يرعد كمويزبد ويهدد وهو مكبل لا يستطيع ان يفعل شيئا، وبدا كالعاجز الغير قادر على إيقاف ما يجري وضمنه عمليات القتل والأسر لمئات من جنوده ومستوطنيه.
4ــ إن القول بأن ما جرى في السابع من تشرين يحاكي ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر هو قول مجافي للحقيقة، ويكفي لتفنيد ذلك التأكيد بأن المقاومة الفلسطينية تقاتل على أرضها المحتلة وعن شعبها الذي يذبح كل يوم على يد الصهاينة ويحاصر وتمنع عنه أبسط مقومات الحياة بعد ان سلبت منه أرضه وحريته، وهي أي المقاومة الفلسطينية تقوم بعملية ردع لمحتل ومعتدي على أرضها ومقدساتها وتسعى لتحرير آلاف الاسرى من شعبها المختطفين في سجون الإحتلال لسنوات طويلة.
أخيرا، إنه من المهم للغاية لكل من يدعي انتماءه للمقاومة او نصرة القضية بأن لا يتبنى تلك الأفكار الخبيثة أو يساهم في الترويج لها لأن فيها من الخباثة ما يكفي للإساءة للقادة والمقاومين والشهداء والدماء والإنجازات العظيمة التي حققتها المقاومة إلى الآن، بل إن الواجب على الجميع يقتضي تفنيدها والكشف عمن يقف خلفها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024