آراء وتحليلات
مصادقة البرلمان الوطني الأرميني على نظام روما الأساسي: خطأ ام خطيئة؟
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
الخبر: "صادق البرلمان الوطني الأرميني على انضمام البلاد إلى محكمة الجنايات الدولية". جاء ذلك بعد عملية تصويت شهدها البرلمان، حول نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، وأسفرت عن موافقة 60 برلمانيا مقابل 22 رافضًا. وبالرغم من توقيع أرمينيا على نظام روما الأساسي عام 1999، إلا أن محكمتها الدستورية اعتبرت في قرار عام 2004 أن النظام مخالف لقوانين البلاد، وفي عام 2022، تقدمت حكومة يريفان إلى المحكمة الدستورية العليا بطلب لإعادة النظر في نظام روما.
في 24 آذار/ مارس الماضي أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً باعتبار نظام روما موافقاً لقوانين البلاد، لترسل القرار بعد ذلك إلى البرلمان للمصادقة عليه.
وأدت مصادقة "الدستورية العليا" على نظام روما الأساسي، إلى توتر بين أرمينيا وروسيا التي اعتبرت هذه الخطوة عدائية للغاية تجاهها، مؤكدة رفضها لها.
قبيل التصويت، قال رئيس لجنة الشؤون القانونية في البرلمان الأرميني "يغيشه كيراكوسيان" إن الخطوة توفر ضمانات إضافية لأرمينيا في مواجهة أي تهديد محتمل لسلامة أراضيها من قِبل جارتها أذربيجان. وأشار إلى أن المصادقة على النظام الأساسي يعني أن أي اجتياح مقبل لأراضي البلاد سيكون مسألة ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي من شأنه أن يردع الأطراف المعادية لبلاده، حسب قوله.
رد فعل موسكو لم يتأخر حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن بلاده "لا ترحب بقرار يريفان الانضمام إلى الجنائية الدولية ورأى في ذلك سلوكاً غير ودّي تجاه روسيا".
هذه المصادقة التي حصلت في البرلمان الوطني الأرميني سيليها برأيي انسحاب أرمينيا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، واذا ما حصل ذلك سنكون امام تطور خطير ستعتبره موسكو سلوكاً عدائياً وليس مجرد سلوك غير ودّي، ما سيفتح الأمور على الكثير من الاحتمالات التي يمكن ان تؤدي في مرحلة من المراحل الى تنفيذ روسيا لعملية عسكرية مشابهة للعملية العسكرية في أوكرانيا تحت عنوان مخاطر يمكن ان تلحق بالأمن القومي الروسي.
قبل ذلك لا بدّ من الاعتراف بأن واقعاً جديداً ينشأ سيحوّل روسيا وأرمينيا من حليفين استراتيجيين الى عدوين محتملين حيث شهدنا خلال الشهر الفائت تبادل اتهامات وصلت الى حدّ وصف نظام باشينيان لروسيا بالخيانة ولو اتى التوصيف بشكل مبطّن الا انّه تحميل لروسيا مسؤولية ما حدث في إقليم قره باخ (ارتساخ).
أما خروج أرمينيا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي فهو أمر نفاه باشينيان في أيار/ مايو الماضي عندما قال "خروج أرمينيا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي لن يحصل الاّ اذا غادرت المنظمة من أرمينيا"، ليعود ويصرّح بشكل واضح بعد العملية الآذربيجانية على إقليم قره باخ في خطاب موجه للشعب الأرمني أن الهياكل الأمنية التي تدخل أرمينيا في عدادها غير فاعلة وهو يعني روسيا بالتأكيد.
امام هذه التطورات ووصول الأمور الى مشارف القطيعة يبرز سؤال هام: ماذا يمكن ان تفعل موسكو لإرغام يريفان على العودة عن قراراتها المُتخذة والتي يمكن ان تُتّخذ مستقبلاً؟
بداية لا شكّ ان أهم التطورات التي حصلت كانت تحوُّل موسكو من حليف لأرمينيا بمواجهة أذربيجان الى وسيط بين البلدين، وهذا التطور له أسبابه من بينها العلاقة التركية – الروسية التي تتطور بشكل إيجابي وعدم رغبة موسكو الدخول بنزاع مع تركيا من جهة، وسلوك أرمينيا غير الودي تجاه موسكو من خلال تقرب نظام باشينيان المستمر من الغرب من جهة أخرى.
وهنا لا بدّ من التذكير بأن روسيا تمتلك الكثير من عوامل الضغط التي لن يكون بإمكان أرمينيا الصمود أمامها، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1ــ يعيش في روسيا أكثر من مليون ونصف من الأرمن، واغلبهم يقوم بتحويل مبالغ شهرية ثابتة الى أهلهم، واذا ما ضغطت موسكو بمسألة التحويلات المالية ولم تعد تصل الى أرمينيا سيشكل ذلك وحده كارثة معيشية، وهو برأيي احد الضغوطات التي ستلجأ لها موسكو لإحداث نقمة متصاعدة على حكومة باشينيان يمكن ان تعجّل في سقوطه، وهو ما يمكن ان يفتح الباب امام تغيير سياسي يسمح لأصدقاء روسيا بالعودة الى السلطة.
2ــ مجال آخر يمكن ان يؤدي الى مضاعفة الوضعية الاقتصادية السيئة وهي مصادر الطاقة التي تأتي من روسيا بأسعار مخفضة.
وبمراقبة المسارات المتسارعة للعلاقة بين روسيا وأرمينيا والدور الواضح للغرب الجماعي في التأثير على قرارات باشينيان، اعتقد ان الجانب الأرميني سيصعّد اكثر في محاولة لابتزاز موسكو، وهو ما لن يمر على قيادة روسيا، حيث وعلى مدار سنة ونصف انتقل باشينيان من مرحلة الأقوال الى مرحلة الأفعال في ابتعاده عن روسيا التي ستصل برأيي الى ابعد من الخروج من منظمة معاهدة الأمن الجماعي بالوصول الى الطلب من روسيا سحب جنودها وتفكيك قواعدها العسكرية، وهذا ما لن تقبل به روسيا ابدا وسيصل بالأمور ولو بعد حين الى مرحلة شبيهة بما حصل في أوكرانيا، الا اذا حدثت تطورات داخلية في أرمينيا تُسقط باشينيان وحكومته وهو ما لن يحصل بشكل عاجل بالنظر الى نتيجة التصويت التي حصلت في البرلمان الوطني الأرميني بالمصادقة على نظام روما الأساسي.
المحكمة الجنائية الدوليةأرمينياناغورني قره باخمعاهدة الأمن الجماعي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024