معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

لقاء اردوغان ــ نتنياهو مساهمة في التطبيع السعودي ــ الاسرائيلي
02/10/2023

لقاء اردوغان ــ نتنياهو مساهمة في التطبيع السعودي ــ الاسرائيلي

خالد يلماظ

التقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو للمرة الأولى في نيويورك الاسبوع الفائت. اللقاء الذي جرى في "بيت تركيا" تم بعد يوم واحد من إعلان أردوغان أنه ينظر بإيجابية إلى الاتفاق بين الكيان الإسرائيلي والسعودية برعاية الولايات المتحدة الأميركية.

وذكرت الصحافة الإسرائيلية تفاصيل الاجتماع مشيرة إلى أن "الزعيمين" اتفقا على تنظيم زيارات متبادلة في المستقبل القريب. وذكرت القناة 12 أن اردوغان يرغب في زيارة القدس في أقرب وقت ممكن وأداء الصلاة في المسجد الأقصى في الذكرى المئوية للجمهورية التركية. وأبرزت أخبار "تايمز أوف اسرائيل" أن أردوغان تجنب انتقاد "إسرائيل" خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة على عكس السنوات السابقة.

يبدو أن تغيير موقف أردوغان الذي استفاد لسنوات من قضية فلسطين أثار خيبة أمل كبيرة بين بعض الأوساط التركية والعربية. مع ذلك لا يوجد شيء مدهش في هذا، فهذا التحول طبيعي من وجهة نظره. فكم مرة يجب على أردوغان أن يغير موقفه ليتم فهم تقلباته السياسية؟

في عام 2022 قام رئيس الدولة الإسرائيلي هرتزوغ بزيارة إلى أنقرة للمرة الأولى بعد فترة طويلة والتقى بالرئيس أردوغان. وقد تم انتقاد هذه الزيارة في الأوساط المعارضة في تركيا بينما بقيت الهيئات والمؤسسات المقربة من الحزب الحاكم صامتة. بعد الزيارة، كتب صحفي تركي مقالًا يتضمن ملاحظات حول الموقف المتقلب لاردوغان جاء فيه:

"بعد الاجتماع الثنائي أعلن الرئيس أردوغان في المؤتمر الصحفي أنه طرح "حساسية فلسطين" على الطاولة. لا بد وأنه يدرك أن زيارة رئيس الدولة الصهيوني ستثير تساؤلات من قبيل "أين ذهبت فلسطين؟". لذا، كانت "حساسية فلسطين" من بين الجمل الأولى في خطابه. وأنا لست من الذين يقولون إن الرئيس قد فعل ذلك لكي لا يتعرض لتساؤلات من هذا النوع في المؤتمر الصحفي. لا يمكن الشك في حساسية أردوغان تجاه فلسطين. من الواضح أن فلسطين ستظل دائما على الطاولة في العلاقات مع إسرائيل من الآن فصاعدا. وفقًا لمنطق "الأمور تُناقش بشكل أفضل على أرضية السلام والحوار"...".

نعم، نوافق نحن على ما قاله أحمد تاشغيتيرين الكاتب التركي في جريدة "قرار" بانه لا يمكن الشك بشأن حساسية أردوغان تجاه فلسطين. خطاب أردوغان في قمة دافوس حوالي قبل 14 سنة حيث عبر عن غضبه تجاه الكيان الصهيوني لم يكن مسرحية على الإطلاق. قبل وبعد هذا الخطاب أعرب بشكل غاضب عن اعتراضه على المسؤولين الإسرائيليين وعبر عن اعتراضه بطريقته الخاصة بشكل قوي. 

ولكن أن يكون القائد صادقًا لا يعني أنه مبدئي. حتى في قضية مثل فلسطين، يتمكن ما يسمى "قائد عالمي" من التحدث عن القضية ذات الحساسة للغاية بالنسبة للعالم الإسلامي بأسره بشكل لا يليق بالقضية ويظهر اللامبالاة... أردوغان الذي يتغير موقفه في قضية فلسطين حسب التطورات العالمية والعلاقات مع إسرائيل، يظهر كل عام أمام الرأي العام بسياسة مختلفة.

هنا يكمن الخطر.. إذا كان يمكن التنازل بسهولة بهذا الشكل حتى في قضية يدعمها جميع الناخبين له، وحتى المعارضة التركية، فإننا نتحدث عن مواقف لا يمكن وصفها بأنها غير مبدئية أو متناقضة. لأنه من أجل وصف شخص أو حركة بأنهما متسقان أو غير متسقين، يجب أن يكون هناك بوصلة واتجاه محدد. حزب العدالة والتنمية الذي قاد تركيا لعشرين عامًا، كانت سياساته في العقد الأول مبنية على فهم ليبرالي وموال للغرب، في حين قضى العشر سنوات الأخيرة بين محور روسيا والصين ومحور الناتو، وكانت هناك تغيرات في الاتجاهات والمواقف. من الصعب توصيف السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية في العقد الأخير، لأننا نواجه سياسية خارجية تنجر كورقة امام الريح، من هنا إلى هناك.

كلما شهدنا موقفًا مبدئيًا، وإدانات للصهيونية ورفع الخطاب ضد الصهيونيية من المنابر، نبدأ في القلق حول كيف سيتغير موقفه ويتحول في النهاية. عند النظر إلى تعرجات رسمها أردوغان في العشرين عامًا الماضية، نرى صورة ضخمة، وعلى الرغم من أن هناك العديد من الأمثلة في السياسة الداخلية، نجد أنه في السياسة الخارجية لم يترك قضية دون تغيير. من الصعب سرد كل التحولات لكن يمكننا سرد بعضها. في النهاية، يظل التساؤل حول ما إذا كانت هذه التحولات والتغييرات في السياسة مدفوعة بالمبادئ أو إذا كانت نتيجة للظروف الدولية والإقليمية المتغيرة. وفي هذا السياق، يظل النقاش مفتوحًا حول مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية ودور فلسطين فيها، وكيف سيؤثر ذلك على الساحة الدولية والإقليمية.

التراجع الجوهري في السياسة الخارجية

في 31 أيار/ مايو 2010، تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا و"إسرائيل" بعد هجوم الجيش الإسرائيلي على سفينة "مافي مارمرا" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة. وقال أردوغان بعد هجوم مافي مارمرا: "أنا من أعطى الإذن للسفينة"، لينفي لاحقًا بقوله: "هل سألتم رئيس الوزراء آنذاك لتحملوا هذه المساعدات الإنسانية؟".

وفي 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بعد إسقاط طائرة حربية روسية من نوع سو-24 على الحدود التركية السورية، قال أردوغان: "ليس علينا الاعتذار، بل على من انتهكوا أجواءنا. لقد أدى طيارونا واجبهم. ما الذي حدث؟ تم انتهاك قواعد الاشتباك، وقد تم تنفيذ المهمة والطيارون ادوا واجبهم". وفي 27 حزيران/ يونيو 2016 ظهرت أنباء تفيد بأن الرئيس أردوغان أرسل رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معربًا فيها عن أسفه العميق فيما يتعلق بإسقاط الطائرة الروسية. ومنذ ذلك الحين، عمل أردوغان على تحسين علاقاته مع بوتين.

وقد التقى الرئيس أردوغان قبل اشهر برئيس مصر عبد الفتاح السيسي في الدوحة، خلال الاستقبال الذي أقيم للزعماء في افتتاح كأس العالم، رغم وصفه السيسي في السابق بـ "الطاغية" و"الفرعون" و"الانقلابي". وذكرت الصحافة المصرية أنه تم عقد اجتماع ثنائي بينهما إضافة إلى المصافحة.

كما أجرى الرئيس التركي انعطافًا آخر في علاقاته مع دول الشرق الأوسط، خاصة مع الإمارات بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو، وجه أردوغان ووزراؤه وقادة حزب العدالة والتنمية اتهامات للإمارات بـ "تمويل الانقلاب". وقال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بعد عام من محاولة الانقلاب إن "الإمارات قدمت دعمًا ماليًا قدره 3 مليارات دولار للمتمردين ومولت محاولة الانقلاب". 

وعلى الرغم من هذه الاتهامات، شهدنا تحسنًا مفاجئًا في العلاقات بين البلدين، حيث تم توقيع "13 اتفاقية مختلفة" في عام 2021.

كان أردوغان قد استهدف السعودية بتصريحات حادة عقب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، ثم بدأت عملية "تطبيع" بين تركيا والمملكة العربية السعودية. خلال هذه العملية تم تسليم قضية خاشقجي إلى السعودية. وقبل خمسة أيام من وصول الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا، تم الكشف عن إسقاط القضية من قبل محكمة إسطنبول الجنائية الحادية عشر. استقبل أردوغان الأمير بمراسم رسمية بعد أربع سنوات ملئية بالازمة. وقال الرئيس التركي خلال المؤتمر الصحفي المشترك: "نحن نعتبر السعودية دولة صديقة وشقيقة، ونعتز بالعلاقات بين بلدينا". وأضاف: "تركيا والسعودية ستواصلان التعاون في المجالات كافة".

المشكلة هنا هي أن التصريحات الصادرة عن أردوغان تهدف في الأساس إلى التمويه على السياسات الثابتة منذ عقود في تركيا تجاه "إسرائيل". الدولة العميقة في تركيا، التي لا ترغب في التخلي عن الفوائد التي يجلبها اعتناق قضية فلسطين في الدبلوماسية العامة، لم تكن متضايقة على الإطلاق من تصريحات أردوغان بشأن فلسطين. بل إنها تشجع على هذه التصريحات لأنها تعمل على تهدئة الفئات الدينية وتلك التي ترغب حقًا في مواجهة إسرائيل. كل من أردوغان والمسوولين العسكريين والمدنيين في تركيا مصممون على مواصلة علاقاتهم مع "إسرائيل" رغم كل الضجيج المثار. يجب فقط تهدئة الفئات المتضايقة داخليًا وخارجيًا أثناء إجراء هذه العلاقات في الخلفية. وهذه الغاية هي التي تخدمها التصريحات المعادية لإسرائيل الصادرة عن أردوغان والتي تضاءل تأثيرها تدريجيًا.

مسألة التلاعب بالفئات المتعاطفة مع فلسطين واضحة لدرجة أنه لا داعي لتقديم مزيد من الأدلة، وبمراجعة لوكالة الأناضول التي روجت نسختها باللغة التركية وقدمت التقارير بشان انتهاكات الكيان الإسرائيلي لفلسطين، تنظّر نسختها الإنجليزية للتعاون المحتمل بين الصهاينة وتركيا في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة، ما يكفي لإظهار أن هذا النوع من التناقض في تصرف الإدارة التركية أصبح هيكليًا الآن، ويقدم صورة مليئة بالعبر ولها معان كثيرة بنفس الوقت.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف