آراء وتحليلات
انتخابات العراق المحلية.. حقائق ومعطيات
بغداد - عادل الجبوري
تعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، المزمع اجراؤها في الثامن عشر من شهر كانون الأول-ديسمبر المقبل، الانتخابات المحلية الرابعة خلال العشرين عامًا المنصرمة بعد الإطاحة بنظام حزب البعث في ربيع عام 2003. ففي أواخر عام 2005 أجريت الانتخابات المحلية الأولى بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، بعد الاستفتاء العام على مشروع الدستور الدائم في منتصف شهر تشرين الاول-اكتوبر من ذلك العام. وفي كانون الثاني-يناير 2009 أجريت الانتخابات المحلية الثانية، وفي نيسان-ابريل 2013 أجريت الانتخابات الثالثة، وكان مقررًا بحسب الدستور، أن تنتهي تلك الدورة في عام 2017 وتجرى انتخابات جديدة، بيد أن جملة عوامل وظروف حالت دون ذلك، لعل أبرزها استحقاقات وتبعات وتداعيات الحرب ضد تنظيم "داعش" الارهابي، وهو ما استدعى أن تبقى الأمور على حالها ويصار الى استمرارية عمل الدورة الثالثة، حتى عام 2019، حينما صوت البرلمان العراقي على التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي الذي تضمن تعليق تلك المجالس لعدم دستورية وجودها نظرا لتجاوز فترتها المحددة.
وبعد نحو عامين قطعت المحكمة الاتحادية العليا في البلاد، الجدل والسجال المحتدم حول شرعية أو عدم شرعية انهاء عمل المجالس المحلية من قبل البرلمان، بعد تقدم أعضاء مجالس عدد من المحافظات، بينها كركوك ونينوى بالطعن بقرار البرلمان، إذ أعلنت المحكمة مطلع حزيران-يونيو 2021، أن "تعليق عمل مجالس المحافظات موافق للدستور ولا يعني إلغاء وجود تلك المجالس كهيئة محلية دستورية.. وان استمرار عملها سواء كانت مجالس وطنية او هيئات محلية بعد انتهاء دورتها الانتخابية يمثل خرقا لحق الشعب في التصويت والانتخاب والترشيح وتجاوزا لإرادة الناخب".
وفضلًا عن السياقات والأطر والمحددات الدستورية-القانونية، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اغفال وتجاهل الظروف والعوامل السياسية التي أفضت إلى تجميد أو تعليق عمل المجالس المحلية، لا سيما وأن قرار البرلمان المتعلق بذلك صدر بالتزامن مع جملة من الخطوات والاجراءات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي (2014-2018)، لمحاربة الفساد الاداري والمالي والتقليل من مظاهر الترهل والفوضى والتخبط في هياكل ومؤسسات ومنظومات الدولة.
ولم يكن ممكنًا في خضم تصاعد حدة الحراك الجماهيري -وإن بدا أنه مسيّس نوعًا ما- منذ أواخر عهد حكومة العبادي، ومرورًا بعهد حكومة عادل عبد المهدي، ثم في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، الحديث عن امكانية عودة مجالس المحافظات بأي شكل من الأشكال لأسباب مختلفة، لعل من بينها، أن تلك المجالس مثلت في بعض جوانبها حلقة من حلقات الفساد الكثيرة، وأنها مثلت ساحات أخرى للصراع والتدافع السياسي-الحزبي على السلطة والنفوذ والامتيازات، أكثر مما كانت صوتًا للناس واداة لتقديم وتوفير الخدمات لهم، ناهيك عن ضبابية مهامها وادوارها المتداخلة بين الجانبين الرقابي والتنفيذي، والمتداخلة بشكل أو بآخر مع مهام وأدوار أعضاء البرلمان الممثلين لأبناء محافظاتهم ومناطقهم.
ولأنه وفقًا للدستور لا يجوز لأي جهة الغاء مجالس المحافظات إلا عبر تعديل دستوري يخضع للاستفتاء الشعبي العام، ومن غير الصحيح بقاؤها معلقة، ولأن انفراجات الأوضاع السياسية ومتغيرات الأوضاع الأمنية، بدت واضحة وملموسة إلى حد كبير، لا سيما بعد مجيء حكومة محمد شياع السوداني في تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، فقد بات لزامًا اعادة فتح هذا الملف، ولم يكن ممكنًا فتحه إلا عبر بوابة الانتخابات، والتي يبدو أنها ستجرى في موعدها المقرر، لأن الظروف مواتية لذلك، على عكس الظروف والتحديات التي سبقت الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل العام الماضي.
ورغم أن الصورة العامة للمشهد الانتخابي المقبل لم تتضح بما فيه الكفاية، إلا أن هناك معطيات ومؤشرات اجمالية من المهم جدًا التوقف عندها، لأنها في النهاية ستساهم بنسب متفاوتة في رسم وصياغة الخارطة السياسية خلال المرحلة المقبلة، وتشكل مقدمة للانتخابات البرلمانية القادمة التي لم يتبين حتى الآن موعد اجرائها، ومن هذه المعطيات والمؤشرات:
*انخفاض نسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، مثلما حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث لم تتعد نسبة المشاركة فيها 30%، نظرًا لانعدام أو تراجع ثقة فئات وشرائح اجتماعية واسعة بعموم الطبقة السياسية والقوى والأحزاب المشاركة في ادارة شؤون البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
*بشكل أو باخر، سيكون لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني حضور جيد في الانتخابات المحلية المقبلة، بسبب القبول والارتياح الشعبي العام الذي حظي به ارتباطا بأدائه المختلف بشكل كبير عمن سبقوه في التصدي لمنصب رئاسة مجلس الوزراء، واذا كان تيار الفراتين الذي يتزعمه السوداني منذ تأسيسه مطلع عام 2021، قد حصل على ثلاثة مقاعد في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فإنه على الارجح سيحقق نتائج افضل في انتخابات مجالس المحافظات. فضلا عن ذلك، فإن اطرافا عديدة ستسعى الى التحالف معه لضمان تحقيق افضل المكاسب.
*مشاركة التيار الصدري أو عدم مشاركته في الانتخابات يؤثر إلى حد كبير على نتائجها ومخرجاتها، وبالتالي على طبيعة استحقاقاتها السياسية، نظرًا للثقل الجماهيري الكبير للتيار، والتزامه الصارم بتوجيهات وأوامر قيادته العليا المتمثلة بالسيد مقتدى الصدر.
ورغم أن التيار الصدري انسحب من العملية السياسية، وفسح المجال لغريمه الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة مع الاكراد والسنة، إلا أنه ما زال يشكل هاجسًا لمعظم الأطراف، لا سيما الشيعية منها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله، حتى وإن كان خارج دائرة العملية السياسية لأي سبب كان، وكذلك من الصعب بمكان التنبؤ بخطواته وقراراته المستقبلية.
*رغم أن قوى الإطار التنسيقي الشيعي، تحالفت فيما بينها ونجحت في تشكيل الحكومة الحالية بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، رغم حصوله على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان مقارنة بالقوى الأخرى، إلا أنها قررت خوض الانتخابات المحلية المقبلة بصورة منفردة أو من خلال تحالفات وائتلافات محدودة، وهذا يعني ان التنافس فيما بينها في مساحات جماهيرية متداخلة، تتمثل بمدن الجنوب والفرات الاوسط وجزء من العاصمة بغداد، قد يعيد انتاج ذات المشكلات والازمات السابقة في بعض أو أغلب المحافظات ذات الاغلبية الشيعية، خصوصًا حينما تفرض المساومات والترضيات والاشتراطات نفسها عند اختيار المحافظين وكبار المسؤولين في الحكومات المحلية.
*ولا تختلف الأمور كثيرًا في المحافظات ذات الأغلبية السنية، كالانبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ان لم تكن حمى التنافس الانتخابي فيها أكثر حدة واحتدامًا من محافظات الجنوب والفرات الاوسط. ومن الواضح منذ وقت مبكر أن التحالفات السنية التي سبقت وأعقبت الانتخابات البرلمانية الاخيرة، راحت تتصدع وتتشظى، نتيجة تقاطع المصالح والتسابق المحموم. وقد لا يبقى شيء اسمه "تحالف السيادة" بقطبيه الرئيسيين، بزعامة كل من رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وخميس الخنجر، فضلا عن امكانية بروز اصطفافات جديدة بترتيبات من أطراف اقليمية تمثل بشكل أو باخر مرجعيات سياسية للقوى السنية.
*ربما تكون محافظة كركوك، بحكم تركيبتها السكانية المتنوعة المؤلفة من العرب والاكراد والتركمان، والسنة والشيعة، والمسلمين والمسيحيين، النقطة الاكثر حساسية في مجمل العملية الانتخابية لمجالس المحافظات، علما انه في اوقات سابقة لم تجرَ فيها الانتخابات بسبب وضعها الاستثنائي.
وفضلا عن التقاطعات الحادة بين مكوناتها العربية والكردية والتركمانية، فإن القوى الكردية الرئيسية التي لم تنجح حتى الآن في التوصل الى صيغة توافقية فيما بينها حول انتخابات برلمان الاقليم، ناهيك عن الملفات الخلافية الاخرى، ستجد نفسها في حالة صدام وتنافس حاد حيثما كان هناك وجود اجتماعي كردي في بعض المدن والمحافظات خارج حدود الاقليم، كما هو الحال في كركوك ونينوى وديالى، وهي بدلا من ان تتحالف مع بعضها البعض في قبال القوى الاخرى، فإنها ستوسع مساحات خلافاتها الى ما وراء اربيل والسليمانية، تلك الخلافات التي تجلت واضحة في بغداد خلال الشهور القلائل الماضية، وتحديدا تحت قبة البرلمان الاتحادي، عند مناقشة الموازنة المالية الاتحادية والتصويت عليها، وبعد ذلك تجلت في الشارع الكركوكي عندما حاول الحزب الديمقراطي الكردستاني ان يستعيد وجوده الذي كان قد فقده في المدينة عام 2017.
*ومثلما كانت هنا فرصة جيدة للمستقلين على تنوع اتجاهاتهم ومشاربهم في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فانهم يمتلكون ذات الفرص، إن لم تكن أفضل، بيد أنهم من الصعب ان ينجحوا في لملمة صفوفهم وتوحيد مواقفهم ليكونوا كتلة مؤثرة وفاعلة ورقما مهما، لذلك ربما سيكون خيار الكثير منهم هو الاصطفاف مع الكتل الكبيرة كما حصل في السابق.
وارتباطا بهذه الحقائق والمعطيات والمؤشرات، فإنه من غير الصحيح القول إن الانتخابات المحلية المقبلة ستؤسس الى مشهد سياسي جديد مختلف تمام الاختلاف عن سابقاته، أو أنها ستجلب معها حلولًا ومعالجات عملية وواقعية وسريعة وشاملة لمشكلات شائكة ومعقدة، أو تكسر القواعد والقوالب التقليدية القائمة منذ عقدين من الزمن، وفي ذات الوقت من الخطأ افتراض انها ستكون نسخة طبق الاصل للانتخابات السابقة لها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024