خاص العهد
ما فرص نجاح المبادرة الإيرانية الأخيرة للتسوية بين أنقرة ودمشق؟
محمد عيد
تبدو إيران جادة في إنجاز اتفاق تسوية بين كل من سوريا وتركيا وفق مبادرة أطلقها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تقضي بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية مقابل تعهد دمشق بضمان الجيش السوري للأمن على الحدود. مبادرة قال عنها عبد اللهيان أن دمشق ليس لها أيّة تحفظات عليها لكن العبرة تكمن في الرغبة التركية بتحويلها إلى واقع بعدما ارتاح الرئيس التركي لنتائج الانتخابات الأخيرة في بلاده، والتي ثبتت سلطته أكثر وصار هامش المناورة عنده أكبر، الأمر الذي أعطى فرصة أقل لنجاح المبادرة الإيرانية رغم حسن نوايا طهران واحتفاظها بعلاقات ممتازة مع كل من دمشق وأنقرة.
مشكلة أنقرة
رأى المحلل السياسي الإيراني عصام هلالي أنه كان للخارجية الإيرانية مبادرة ناجعة تعتمد على انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وإجبار المجموعات المسلحة على ترك السلاح وانسحاب غير السوريين منهم إلى خارج سوريا وبالأخص التكفيريين منهم لأنه لا سبيل إلى عقد صلح معهم.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار هلالي إلى أن الجانب التركي لجأ إلى التصعيد في الفترة الأخيرة من خلال التصريح الأخير لوزير الدفاع التركي الذي أعاد نفس النغمة التي أطلقتها حكومة بلاده في بداية الأزمة والتي تتحدث عن "رحيل النظام السوري" وإجراء انتخابات "حرة ونزيهة" كما قال، وضرورة مشاركة "المعارضة" في الحكم وما إلى ذلك.
ولفت المحلل السياسي الإيراني إلى أن "تصريحات الجانب التركي تعتبر بمثابة رفض للمبادرة الإيرانية ومن ناحية أخرى فإن الإجتماع الذي عقد على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخرًا في نيويورك بحضور وزراء خارجية الدول الضامنة لمسار آستانا والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون لم يسفر عن شيء والأغلب أن النقاشات قد أُرجِئت إلى مرحلة قادمة".
وشدد هلالي على أنه "رغم ذلك، يعمل الإيرانيون بهدوء تام في القضية، وسوف تكون هناك جهود من قبلهم للضغط على تركيا من خلال مسار آستانا، وإن كانت الأمور لا توحي بوجود شيء ملموس في المستقبل القريب إلا أنها تبقى مبادرة ناجعة ويمكن أن تفضي إلى حل توافقي بين الطرفين"، مشيراً إلى أن "للجمهورية الإسلامية الإيرانية مصداقية كبيرة لدى الحكومة السورية ومن هذا الجانب يمكن التوفيق في الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف".
هلالي أكد أن "الخطوة الأولى يجب أن تكون من قبل الجانب التركي، فلا يجوز الحديث عن إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقًا وهناك قوات تركية محتلة في الشمال السوري، لذا لا بد من الوصول إلى حل في هذا الجانب، ويبدو أن المبادرة الإيرانية هي العنوان الكبير لكيفية انسحاب القوات التركية من سوريا ومن ثم سحب هذا الدعم للمجموعات المسلحة والإرهابية".
مستجدات تخدم أنقرة
من جانبه يرى المحلل السياسي اسماعيل مطر أن تركيا ورغم كونها مصرة على فتح قنوات مع دمشق من أجل حل مشكلة اللاجئين إلا أنها تصر على أن تكون هذه بشروطها بحيث لا تلزم نفسها بالانسحاب من الأراضي السورية ضمن إطار زمني محدد سيما وأن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كان قد تحدث عن ضمانات روسية - إيرانية في سبيل تحقيق نجاح هذه المبادرة.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري لفت مطر إلى أن تركيا في الأساس لم تكن تنوي الانسحاب من سوريا نتيجة لأطماع تاريخية لها في هذا البلد وخوفًا من التفريط بأدواتها الإرهابية الذين تستعملهم لتحقيق غاياتها هناك، مشيرًا إلى وجود متغير جديد يدفع تركيا للمزيد من التمسك بوجودها في سوريا وهو الصراع المستجد بين "قسد" التي تعتبر عدوة أنقرة التقليدي، وبين العشائر العربية التي أعلنت أنقرة وعلى لسان رئيسها رجب طيب أردوغان شخصيًا انحيازها الكامل لها طمعًا في الحصول على أعوان جدد لها داخل سوريا يساهمون في تنفيذ أجندتها وضرب أعدائها.
وأضاف إن أحدًا لم يقتنع يومًا بالمبررات التي ساقتها أنقرة لغزو الأراضي السورية وإذا كانت هناك مشاكل على الحدود فتعود أسبابها للتدخل التركي السافر في الشأن السوري واستقدام المخابرات التركية لكل إرهابيي العالم من أجل تسهيل دخولهم إلى سوريا في الوقت الذي كان "اتفاق أضنة" الشهير الذي وقعه الجانبان في العام ١٩٩٨ قد ضمن أمن الحدود إلى حد بعيد وأسقط ذريعة الغزو التركي في ذلك الوقت.
وختم المحلل السياسي حديثه لموقعنا بالتأكيد أن المشكلة مع الأتراك أنهم لم يدخلوا يومًا أرضًا وخرجوا منها إلا بالقوة ولديهم إرث استعماري كبير يمتد لأربعة عقود داخل سوريا والوطن العربي، مشيرًا إلى أن دمشق تعلم ذلك جيدًا وتعيه عن ظهر قلب ولذلك فإنها تبدي حذرًا شديدًا في الخوض بأية مفاوضات مع الجانب التركي قبل قيام هذا الأخير بالإيعاز لقواته الغازية بالانسحاب وبضمانات موثوقة من حليفيه الموثوقين في كل من طهران وموسكو.