معركة أولي البأس

خاص العهد

4 عقود على الأسر.. لن يأخذوا توقيع جورج عبد الله
22/09/2023

4 عقود على الأسر.. لن يأخذوا توقيع جورج عبد الله

فاطمة سلامة

على عتبة الأربعين عامًا، يُلازم الأسير المناضل اللبناني جورج عبد الله سجنه في فرنسا. التهمة قيادة العمليات "البطولية" التي نفذتها الفصائل الثورية اللبنانية، على رأسها اغتيال المسؤول في الاستخبارات الأميركية تشارلز راي وياكوف برسيمنتوف المسؤول في "الموساد" عام 1982. تلك التهمة يعتبرها عبد الله وسامًا على صدره. وعليه، لم تغرِ المقاوم "العنيد" كل الوساطات وعروضات إطلاق السبيل طالما تُعارض عقيدته ومبادئه. "الكفاحي" من الطراز الأول لم تُغره حريّة منقوصة الكرامة. يُفضّل السجن على الذُل وبذل ماء الوجه. يقول عارفوه: "لو أنّ جورج أراد الخروج من السجن لخرج منذ عقود، لكنّه رفض ويرفض التوقيع على أي ورقة تنتقص من قناعاته. الحرية بالنسبة إليه ليست منّة من سجانه الفرنسي يأخذها عبر ثمن أو مقابل، الحرية حق بديهي غير مشروط".

لكن للأسف، لم تحظَ قضية الأسير عبد الله بالاهتمام اللازم. بين الفترة والأخرى تعود قضيته الى الإعلام قبل أن تنطفئ. النظام الرسمي اللبناني مقصّر حتى العظم في هذه القضية المحقّة. أمس الخميس أزاحت "الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبد الله" خلال وقفة تضامنية في شارع الحمرا الستارة عن لوحة تعريفية بقضيته. تلك القضية صحيح أنها لم تمُت لكنها للأسف لا تزال تراوح مكانها رغم مرور 4 عقود عليها، وفق ما يؤكّد جوزيف عبد الله شقيق المعتقل. 

في حديث لموقع "العهد" الإخباري، يتحدّث جوزيف بمنطق المؤمن بقضية لا تزال حيّة لأنها تنبض بالمقاومة، لكنّه يُسجّل عتبًا كبيرًا على السلطات اللبنانية التي بات الأمل بها مفقودًا. يوضح أنّ معنويات أخيه البالغ من العمر 72 عامًا لا تزال قوية وصلبة وشامخة. ورغم كل ما مرّ به من أسى، يبدو أخوه مناضلًا صلبًا يؤمن بقضية محقّة. يروي جوزيف كيف توفيت والدتهما بعد مرور 29 عامًا على اعتقاله، وهي تشكو الشوق رغم قوتها وفخرها بأبنائها والطريق الذي يسيرون عليه. فَقَد جورج أكثر من عزيز خلال فترة الاعتقال وكان النبأ كبيرًا لكنّه ظلّ قويًا متماسكًا، وهو اليوم لا يزال كذلك، وهذا الأمر يبدو واضحًا خلال مكالمات جورج الهاتفية مع الأهل والتي تتكرّر نحو 3 مرات أسبوعيًا. 

يوضح عبد الله أنّه ورغم كل ما حدث من تطورات في قضية جورج لم نتقدّم قيد أنملة. منذ عام 1999 يحق له الخروج من السجن، وفي عام 2012، صدر قرار من القضاء الفرنسي بالإفراج عنه وترحيله الى لبنان، وتأكّد القرار عام 2013، لكن لا يزال جورج سجينًا في فرنسا لسبب بسيط يتمثّل بأنّ وزير الداخلية المُلزم بتطبيق قرار القضاء الفرنسي لم يوقّع على إخراجه من السجن. وفق عبد الله الوزير مُلزم بتطبيق القرار لأنه خاضع للقضاء الفرنسي. وفي المقابل، يرى عبد الله أنه لا يوجد ضغوطات كافية على السلطة الفرنسية للإفراج عنه وترحيله الى لبنان. تمامًا كما لا توجد أي رغبة لدى السلطة الفرنسية للوقوف في وجه التدخل الأميركي والصهيوني لأنها تعمل لدى الأميركيين وفي خدمة الصهيونية. لذلك، لا تزال القضية في المربع ذاته.

في حزيران 2023، قُدّم طلب إفراج مشروط ــ بناء على رغبة المحامي ــ لكن جوزيف لا يتأمّل خيرًا فالتجربة مع الجانب الفرنسي تُعزّز هذا الشعور. الإحساس ذاته ينسحب على السلطات اللبنانية، "لذلك نعتبر أننا لا زلنا في مكاننا، خاصة أننا اذا طلبنا من الأطراف المسؤولة في السلطة اللبنانية ممارسة شيء من الضغط ــ ولو بلياقة ــ على الطرف الفرنسي تراهم يمتنعون، لنشعر بأننا نطلب منهم ما هو عكس مصالحهم"، يقول جوزيف مضيفًا: "صراحة لم نعد نتواصل مع أحد من اللبنانيين لأننا فقدنا الأمل، رغم أنّ الظرف العام يوحي بأنّ المطلوب من فرنسا أن تكون في خدمة القوى اللبنانية السياسية الحريصة على أن تحصل على دور فرنسي في الملف الرئاسي".

4 عقود على الأسر.. لن يأخذوا توقيع جورج عبد الله

وفي معرض حديثه، يعبّر جوزيف عن خشية فعلية بأن يصيب جورج مكروه في حال أفرج عنه، يقول: "مع أننا فقدنا الأمل بالإفراج عنه، نخشى على مصير جورج عبد الله اذا حصل هذا الأمر. سابقًا، طرح الفرنسيون مع الأميركيين مخرجًا بأن تفرج باريس عنه فتقتله واشنطن، اليوم لا مانع أن تفرج فرنسا عنه على أن تقتله "اسرائيل"". وهنا، يسأل جوزيف: "من يحمي جورج عبد الله؟". 

كما يُسجّل جوزيف عتبًا على الحركة الشعبية التي تبدو ضعيفة. يقول: " الشعب اللبناني الذي لا نقبل تحقيره بات مُدجّنًا لدى القيادات السياسية، وهناك عجز لدى القوى التحررية بأن تحشد ما يسمح لها بممارسة الضغط". بينما الصورة تبدو معاكسة في فرنسا بلد الاعتقال. الحركة التضامنية أوسع بعشرات المرات من القائمة في لبنان. أكثر من 16 بالمئة من أعضاء المجلس النيابي ومجلس الشيوخ متضامنون مع جورج عبد الله ويضغطون على السلطة الفرنسية. عشرات المثقفين الكبار ومنهم ليبراليون ــ ليس فقط يساريين ــ يسألون بلدهم عن تطبيق القانون الفرنسي ويعاتبونها على مخالفته. وهنا يسأل جوزيف بحرقة: "كم نائب في لبنان يبدو متضامنًا مع جورج؟!". 

الرهان على ضمير المقاومين 

ورغم فقدان الأمل بالسلطة السياسية، لا يزال جوزيف يعوّل على الحركة الشعبية. يلفت الى أنّ خيارنا سيكون بمزيد من اللقاءات والأنشطة التضامنية، وفي 21 تشرين الأول المقبل ثمّة دعوة لاعتصام أمام السفارة الفرنسية. ومن الآن حتى يحين الموعد يشير جوزيف الى سلسلة لقاءات ستُعقد تُطرح فيها قضية جورج، على أمل أن يشاركنا الشعب في هذا الاعتصام الذي يجب أن يكون موسعًا. برأيه، لا حل لقضية أخيه سوى بالتعبئة، فالرهان يبقى على ضمير كل المقاومين.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد