نصر من الله

آراء وتحليلات

المسكوت عنه في خطاب السيد عبد الملك الحوثي
22/09/2023

المسكوت عنه في خطاب السيد عبد الملك الحوثي

علي الدرواني

في خطابه بمناسبة العيد التاسع لثورة الحادي والعشرين من أيلول/سبتبمر، قال السيد عبدالملك الحوثي كل ما يجب قوله. وبعد أن وجّه "التهاني والتبريك إلى شعبنا العزيز، وفي المقدِّمة: لكل الذين أسهموا، وبذلوا الجهد، وقدَّموا التضحيات، ولكل الذين شاركوا وعملوا لتحقيق ذلك الإنجاز التاريخي العظيم" عاد الى الواقع اليمني ما قبل ثورة الحادي والعشرين من ايلول/ سبتمبر 2014، وكيف كانت الثورة "من أهمِّ نعم الله على شعبنا، ومن أهمِّ الإنجازات التي وفَّق الله شعبنا لتحقيقها، فهي ثورةٌ أنقذت وحررت شعبنا من الوصاية، التي كانت معلنة ومكشوفة"، مذكّرًا بالسياسات العدائية للولايات المتحدة الامريكية، في مختلف المجالات، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وعسكريًا وأمنيًا.

 ومن منظور السيد الحوثي إلى تلك السياسات وما خلّفته في واقع البلد من اختلالات خطيرة، تفاقمت مع انطلاق العدوان على البلاد في السادس والعشرين من آذار/مارس 2015، وما ترافق معه من حصار ونهب لمقدرات البلد، ومنع الاستفادة منها في توفير الخدمات وصرف المرتبات لأبناء شعبنا، من هذا المنظور ولج السيد الى موضوع يكتسب أهمية كبيرة، باعتباره أحد الأهداف الأخلاقية للثورات الشعبية، وهو محاربة الفساد.

في هذا الموضوع أكد القائد أن "حجم الاختلالات في الوضع الرسمي يتطلب تغييرًا جذريًّا"، وهذا الأمر ليس بالجديد، لكنه من خلال هذا الخطاب، تضمن بعض التفاصيل الجديدة، متحدثًا عن الأسس والمنطلقات لهذا التغيير: الهوية الايمانية، والقواسم المشتركة، والشراكة الوطنية، واستعادة اللحمة الوطنية، والبناء الحضاري، مشيرًا في ذات الوقت إلى أنها لن تكون بدفعة واحدة، وانما ستعتمد على التغيير بأكثر من مرحلة، لتوفر أرضيّة صلبة ورؤية صحيحة، ومنطلقًا ثابتًا وسليمًا. وحدد السيد القائد موعدًا لاعلانها، مع مناسبة المولد النبوي الشريف، التي توافق السابع والعشرين من الجاري.

هذا الجزء هو الجزء المعلن من الخطاب. وهو على أهميته، إلا أن المسكوت عنه قد يكون أكثر أهمية، وعدم ذكره في الخطاب يقول أكثر مما يقوله الافصاح عنه، ونعني به هنا، مسار التفاوض والذي كانت آخر جولاته في الرياض، ورشحت عنها أجواء ايجابية، وما حمله الوفد الوطني من تفاصيل نقاشاته مع المسؤولين السعوديين، عبر عنها الرئيس المشاط في خطابه عشية عيد 21 من أيلول/سبتبمر، بانها "من الناحية النظرية لاشك تعتبر رسائل وتأكيدات إيجابية ونضعها موضع الترحيب المشروط بسرعة العمل على وضعها موضع التنفيذ".

السيد عبدالملك الحوثي، اختار في خطابه بمناسبة تدشين فعاليات المولد النبوي الشريف، عدم الاشارة من قريب ولا من بعيد للمفاوضات، وكذلك فعل اليوم، وتفسير ذلك على الارجح، يختزل في حديث السيد عن الاولويات، وانه "من الطبيعي أن تكون الأولوية الأولى والكبرى هي التصدي للعدوان؛ إذ هي أولويةٌ بكل الاعتبارات: الإنسانيَّة، والأخلاقية، والدينية، والوطنية، ولا تزال أولوية، حتى يتم إنهاء العدوان والحصار والاحتلال".

عندما نأخذ بعين الاعتبار هذه الأولوية، الو جانب عدم ذكر المفاوضات، فإن النتيجة هي ان التعويل عند القيادة بالدرجة الأولى لم يكن على المفاوضات، لا سيما مع المماطلة والتسويف السعودي، وان الاعتماد بعد الله، هو على القوة العسكرية، لطرد المحتل، وتحرير الارض واستعادة الحقوق، طالت المرحلة أو قصرت، وأن المسارات السياسية هي لالقاء الحجة، والزام الخصم، فإما تسفر عن مكاسب على صعيد الحقوق الانسانية للشعب، والا فان الاستعانة بالله أولا وأخيرًا، للتثبيت والنصر والعون.

السكوت اذن هو عودة للتحذير الذي أطلقه السيد عبدالملك الحوثي من خلال معادلة نيوم والاستثمارات الاقتصادية السعودية مقابل رفع المعاناة عن شعبنا، وتمكينه من ثرواته واستغلالها.

السكوت، هو لاتاحة المجال ليأخذ السعودي الرسالة الواضحة من العرض العسكري الذي سبق الخطاب ببضع ساعات، ويعيد حساباته، بعد ما رأى من الاستعدادات العسكرية، وحجم التطور والقدرات، والاسلحة الجديدة التي تسلمها الجيش من دائرة التصنيع العسكري، من الصورايخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة، وقدرات الدفاع الجوي، والاسلحة البحرية، وقبلها وبعدها سلاح الايمان، والتوكل على الله، فهو وحده الناصر والمعين.

هنا يجب على السعودية أن تتوقف مليًا، وتستذكر ضربة بقيق وخريص، وحرائق ارامكو جدة، وعليها أن تدرك أن مشاريعها لن يكتب لها النجاح الا بعد تحقيق السلام في اليمن. ويبدو أنها تدرك هذا جيدًا، وما قاله اليوم الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، من انه: "لا يمكن ان يسود الامن في المنطقة، الا اذا توفر الأمن في اليمن" الا دليل على هذه القناعة، فلتكن كذلك، وسنرى أكثر مما نسمع.

جدة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل