معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المصير الواحد لمعركة بايدن الرئاسية.. والعسكرية في كييف
14/09/2023

المصير الواحد لمعركة بايدن الرئاسية.. والعسكرية في كييف

عبير بسّام

تداعيات انتصار موسكو في كييف على واشنطن وحلف شمال الأطلسي "الناتو" لن تقتصر على مجرد الإعتراف بنجاح روسيا على الغرب إذا حدث هذا الانتصار. ويبدو أن مسار التطورات الراهنة تشير إلى اقترابه، ستظهر مفاعيله، وهذا ما ينبغي على الرئيس الأميركي جو بايدن القلق منه. لأن انتصار موسكو سيكون القشة التي قسمت ظهر البعير عند الأميركيين، فسلسلة الإخفاقات التي تمر بها الإدارة الأميركية الحالية والأوضاع الاقتصادية السيئة المتجهة نحو الأسوأ، ستؤدي الى إخفاق جو بايدن بمهامه، ليضع ذلك إمكان نجاحه في الانتخابات القادمة على المحك.

انتصار القوة العسكرية الروسية بأسلحتها القديمة وليس الحديثة على آلة الحرب الأميركية والأوروبية أمر مهمّ جدًا، حيث ما تزال دبابة T 80 هي ملكة الدبابات في ساحة المعركة في أوكرانيا وصواريخ الكورنيت وسام صاحبا اليد العليا في أرض المعركة متفوّقان على صواريخ جافلين وستينغر والهاوتزر. كما تفوقت تمامًا الكلاشينكوف وحاملها على M 16 وحاملها. أضف إلى ذلك الخسارة الكبرى لقوات "الناتو"، خلال تجربة معركة المسيّرات، وتفوّق طائرات الميغ على الطائرات الأميركية، حتى إنّ الحرب الأميركية الروسية في أوكرانيا استنفذت مخزون السلاح في أوروبا والولايات المتحدة. وبعد أن صنّفت الصحافة العالمية ومراكز الدراسات الانتصار الروسي في أوكرانيا بمنزلة الانتصار على "الناتو" بجميع مكوّناته، سيكون لذلك تأثير كبير على الرأي العام الأميركي، ولكن كيف؟ ولماذا؟

لقيت حكومة بايدن خلال السنتين الماضيتين معارضة شعبية شديدة على قضيّة المساعدات التي تدفع بها من أجل إذكاء الحرب في أوكرانيا. ويقول الأميركيون بحسب عدّة تقارير نشرت إنّهم يعارضون دعم الحرب في أوكرانيا. وتعدّ الولايات المتحدة الأميركية أكبر داعم لهذه الحرب بالمال والسلاح. وبحسب شركة الأبحاث الألمانية "Statista" وبيانات معهد "كيل" للاقتصاد العالمي، فإنّ حجم المساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى منتصف كانون الثاني/ يناير بلغت 46.4 مليار دولار خلال سنتين، في حين أنّ الولايات المتحدة أنفقت في حربها على أفغانستان لمدة عشر سنوات مبلغًا قدره 43.4 مليار دولار.

تسبّبت الحرب على أفغانستان بكساد كبير، فما الذي يمكن أن تتسبب به تكاليف الحرب على أوكرانيا؟ ربما انهيار أميركا من الداخل، خاصّة وأنّ هذه التكاليف بمعظمها مبالغ تذهب أرباحها لشركات السلاح في الولايات المتحدة، وبالطبع لن يعود منها شيء بالفائدة على الشعب الأميركي. إذ تدفع الحكومة الأميركية الأموال الطائلة لصالح الحرب في أوكرانيا تحت شعار طرحه بايدن بأنّه سيعيد إلى أميركا عظمتها خلال الإنتخابات، في وقت وعد به بإصلاحات في قطاع المساعدات الاجتماعية والصحية وإعفاء الطلاب من دفع أقساط جامعاتهمأ وكلّها وعود فشلت، والوضع الاقتصادي يسير انحدارًا بشكل لم يسبق له مثيل.

ضمن هذه المعطيات؛ فإنّ خسارة الولايات المتحدة أو بايدن للحرب في أوكرانيا تعني نهاية الديمقراطيين في هذه الدورة الإنتخابية. وقد يستمر ذلك لدورتين متتاليتين. فالمبالغ التي دفعت كان يمكنها أن تنهض بالاقتصادين الأوروبي والأميركي معًا، وتنفيذ الوعود بإعفاء الطلاب من الأقساط الجامعية عبر تسديد الحكومة لها للبنوك مباشرة، وليس عبر محاولة بايدن غير القانونية بتمرير قانون في الكونغرس يجبر البنوك على التنازل عنها، والذي انتقدته نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس الديمقراطية السابقة بشدة، وقد كتبنا عن ذلك سابقًا.

عدم قدرة بايدن على الوفاء بوعوده، على المستوى المحلي، يجعله بحاجة ماسة لتحقيق انتصار ما. وهنا تتجلّى العلاقة الوثيقة بين ضرورة انتصاره في كييف وبين عودته إلى الحكم. هناك ترابط عضوي بين الحدثين: فــــ"بايدن" بحاجة لإعلان انتصار قبل الانتخابات القادمة ليعلن نفسه بطلًا أميركيًا جديدًا، وليثبت للأميركيين أنّه وقف إلى جانب قضية رابحة، وليس مهمًا أن تكون محقة أم لا. إذ يرتبط الانتصار الأميركي في كييف بقضية تتعلّق بسمعة بايدن ومصداقيته ونزاهته ليس بصفته رئيسًا للولايات المتحدة فقط، بل بسمعته خلال سنوات وجوده نائبًا للرئيس في زمن باراك أوباما. وهو اليوم ملاحق بقضايا حول تلقيه مبلغ 10 مليون دولار، خلال وجوده في الدولة من ابنه وأخيه اللذين يملكان- هما والعديد من النواب الديمقراطيين- استثمارات في الصين. وإذا جُرّم بايدن بهذا الإتهام؛ فإنّ ذلك سيضعه في المأزق نفسه الذي يحاول وضع دونالد ترامب فيه منذ جاء إلى الحكم، من محاولات تجريم الأخير وربطه بقضايا رشى وفساد واستغلال ومحاولات دفع مجلس الشيوخ نحو استصدار لقرار لعدم أهليته.

من أجل لجم تأثير القضايا السابقة، فإنّ بايدن بحاجة للفوز في أوكرانيا لدعم موقفه رئيسًا اتخذ القرار الصائب والحكيم. كما أنّه بذلك يمكنه تمييع التحقيقات المرتبطة بابنه هانتر والقضية التي لا بدّ من أنّها ستثار ضد الأخير حول علاقته بنشر فايروس كوفيد 19. فانتصار موسكو سيفتح ملفات المخابر الجرثومية والفيروسية التي يديرها هانتر في أوكرانيا والمرتبطة، بشكل مباشر، بإنتاج عائلة فيروسات السارس، ومن أهمها فايروس كوفيد 19، خاصّة وأنّ وزارة الدفاع الروسية أعلنت بعد تحرير خاركوف في 17 آذار/ مارس 2022 أنّها وجدت وثيقة تؤكد مشاركة البنتاغون منذ 6 آذار مارس/أذار 2015 في تمويل المشاريع البيولوجية في أوكرانيا، وأنّ هانتر بايدن مساهم كبير فيها، ويمتلك معظم أسهمها.

يرتبط الإنجاز العائلي لبايدن وأهل بيته في أوكرانيا بالإنجاز الذي ينتظر هؤلاء تحقيقه في تايوان. فإذا هزمت روسيا المتحالفة مع الصين في أوكرانيا، فلن يكون من الصعب على أمريكا تحقيق إنجاز ما في تايوان، وليّ ذراع الصين فيها تاليًا، خاصّة بعد هزيمة روسيا الحليف الأول للصين اليوم. وهذا معناه أمران، الأول، بقاء أمريكا قوة أحادية مرة أخرى في العالم، وبذلك يحقق بايدن وعده بعودة أمريكا إلى سابق مجدها من دون دفع قطرة دم أوروبية أو أميركية في هذه الحرب. والثاني، إغلاق الملفات ضد بايدن وعائلته والديمقراطيين من ورائهما، والذين يستثمرون في صناعة التقنيات في تايوان، فتصبح العشرة ملايين "نقودًا شرعية".  

هناك انتصار آخر يعوّل عليه بايدن وإدارته الحالية للخروج من مأزقهم، وهو تحقيق إنجاز جديد في الملف السوري، ولو كان إعلانًا فارغًا، مثل القضاء على "داعش" وتحقيق تقدم أميركي فيه. ولهذا جاءت التحركات الأميركية الدراماتيكية في شمال سوريا والعراق خلال الشهر الماضي بعد كشف مصير هجوم كييف المضاد الفاشل، وهذا الفشل جاء تأكيده في تقارير استخباراتية أميركية نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" نقلًا عن مصادر في الإستخبارات المركزية.

اليوم، يحاول الجمهوريون دقّ المسمار الأخير في نعش بايدن في محاولة لعزله عبر تمرير قرار بعدم أهليته في الحكم. هو مسمار ملتوٍ بالتأكيد، لن يستطيع تثبيت ما يراد منه، وإلّا كان يمكن لهكذا اتهامات أن تحجب أهلية رؤساء آخرين وآخرهم ترامب. ولكن الدويّ القوي للاتهام والمرتبط بهفوات بايدن العجوز لن يمرّ من دون أن "يطوش إن لم يطرش". فهل بقي لبايدن أمل في ربح انتخابات 2024؟ لننتظر.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات